أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الحوار ومجلس الوزراء في الكهف

الإثنين 06 كانون الأول , 2010 11:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,530 زائر

الحوار ومجلس الوزراء في الكهف

نقولا ناصيف
منذ الجلسة الأخيرة التي عقدها في 10 تشرين الثاني، وانقسم فيها على نفسه في ملف شهود الزور، أصبح مجلس الوزراء إحدى أدوات النزاع الناشب بين قوى 8 و14 آذار. لا يلتئم خارج سياق الحلّ السياسي الأوسع، ولا يُحيّد عن النزاع وعن الحلّ معاً كي يكون تعطيل أعماله هو الآخر عنصراً مؤثراً في التسوية المتوقعة. بذلك مثّل شلّ السلطة الإجرائية إحدى التجارب الأقسى التي يواجهها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهو في منتصف الثلث الثاني من الولاية، من غير أن يمتلك فعلاً المخرج الذي يمكّنه من إرغام طرفي النزاع على القبول به من داخل مجلس الوزراء. على نحو كهذا، يقف على طرف نقيض من رئيس الحكومة سعد الحريري الذي لا يسعه إلا أن يكون طرفاً في هذا النزاع، ما دام جزءاً من مشكلة الانقسام الداخلي.
الأمر نفسه يصحّ على طاولة الحوار الوطني. في جلستها الـ11 في 4 تشرين الثاني، أصبحت هي الأخرى جزءاً من أدوات النزاع.
وإذ يمسّ تعطيل مجلس الوزراء إحدى الصلاحيات الدستورية الرئيسية لرئيس الجمهورية، يمسّ تجميد أعمال طاولة الحوار الوطني دوره التوافقي. كان اتفاق الدوحة قد جعل طاولة الحوار الوطني أحد إنجازات التسوية السياسية عام 2008، رغم أن انعقادها كان سابقاً لأحداث 7 أيار، مذ التأمت لأول مرة في 2 آذار 2006 بدعوة من رئيس المجلس نبيه برّي (تسع جلسات حتى 29 حزيران 2006)، ثم التأمت مجدّداً في 6 تشرين الثاني على أثر حرب تموز (أربع جلسات حتى 10 تشرين الثاني 2006)، قبل أن يُشلّ دورها تماماً آنذاك عشية استقالة الوزراء الشيعة الخمسة من الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة.
عندما أعاد اتفاق الدوحة إحياءها، أدرجها في صلب بنود التسوية، وناط بها الانعقاد برئاسة رئيس الجمهورية ومناقشة سلاح حزب الله. على نحو كهذا استمدت من الرئيس التوافقي مهمتها كهيئة وطنية تضم الأفرقاء المتنازعين، لا يمتّ رئيسها إلى أحدهما ولا ينحاز إليه. إلا أن تفويضها البحث في تحديد الوظيفة الجديدة لسلاح حزب الله لا تجريده إياه، والحؤول دون استخدامه في الداخل، جعلا خوضها في هذا البند سلمياً، وكذلك التوصّل إلى حلول له.
حتى الجلسة الـ11 منذ أول انعقاد لها تبعاً لاتفاق الدوحة، في 16 أيلول 2008، بدت طاولة الحوار الوطني لرئيس الجمهورية إنجازاً حقيقياً. ربط تكوينها بتوازن القوى داخل مجلس النواب ومجلس الوزراء، ووسّع من نطاق مهمتها فلا تقتصر على الاستراتيجيا الدفاعية لحماية لبنان، وأخرج سلاح حزب الله من دائرة الطعن في شرعيته تبعاً لتمسّك الرئيس في خطاب القسم بالمقاومة، وكذلك البيانان الوزاريان لحكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة عام 2008، وسعد الحريري عام 2009، وأحالها هيئة تأسيسية دائمة الحضور والانعقاد ذات جدول أعمال مفتوح: يقدّم الرئيس عرضاً للتطورات حتى موعد التئامها الجديد، وحمّلها وزر رعاية الاستقرار والسلم الأهلي والتفاهم السياسي، إلى مهمتها الأساسية حيال سلاح حزب الله.
بيد أن تجميد اجتماعات طاولة الحوار الوطني ومجلس الوزراء، مع أن لكل منهما صلاحيات وأدواراً مغايرة للآخر، أفقد رئيسي الجمهورية والحكومة المبادرة الفعلية في إدارة الحكم، ومن خلاله النزاع السياسي. آل مأزق شلّ طاولة الحوار الوطني ومجلس الوزراء معاً إلى المعطيات الآتية:
1ـــــ وضع صلاحية التئام السلطة الإجرائية بين يدي قوى 8 آذار، بأن انتزعها، بالممارسة، من يدي المرجعين الدستوريين المخوّلين حق الدعوة إلى انعقادها، وهما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء عندما يدعو الثاني إلى انعقاد مجلس الوزراء، وعندما يتفق مع رئيس الجمهورية على جدول أعمال الجلسة، وعندما يترأس الأول الجلسة عندما يحضر. باتت الصلاحية الدستورية للانعقاد ملك الممسكين بنصاب الثلث +1 الملزم لافتتاح الجلسة، لا بين يدي أصحاب الصلاحية الدستورية.
2ـــــ باشتراطها إدراج ملف شهود الزور في جدول الأعمال وإصرارها على طرحه على التصويت، لا الاكتفاء بمناقشته، فرضت قوى 8 آذار سابقة غير مألوفة بإلزامها صاحبي الصلاحية المطلقة في وضع جدول الأعمال بالاستجابة لهذا الشرط. لم تعد المشكلة، تقليدياً، بين رئيسي الجمهورية والحكومة على تحديد بنود جدول الأعمال، وهما صاحبا الاختصاص، بل أمست بين رئيس مجلس الوزراء وهو فريق في الخلاف، وطرف سياسي آخر كحزب الله يتبادلان الشروط لفرض جدول الأعمال، الأمر الذي منح المعارضة صلاحية مخفية لا يسع رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة نكرانها وتجاوزها.
3ـــــ كشف إصرار قوى 8 آذار على الاحتكام إلى التصويت على بند لا يدخل في البنود الأساسية التي تحتاج إلى ثلثي أصوات الوزراء، بل إلى الأكثرية المطلقة، عن تمكّنها من السيطرة فعلياً على الأكثرية المطلقة، وعن خلل بات يشوب توازن القوى الداخلي الذي اقترن بتأليف حكومة الوحدة الوطنية، عندما لم تُعطَ قوى 14 آذار ـــــ كممثّلة للغالبية النيابية ـــــ سوى 15 وزيراً كي لا تمسك بالأكثرية المطلقة في مجلس الوزراء، ولم تُعطَ المعارضة الثلث +1 كي لا تقبض على نصاب تعطيل انعقاد مجلس الوزراء، فاكتفت بـ10 وزراء. وذهب نصابا الترجيح والإسقاط إلى عهدة الوزراء الخمسة للرئيس التوافقي. واقع الأمر أن هذا السلاح بين يدي سليمان وهمي لسببين على الأقل: أوّلهما تفادي رئيس الجمهورية الاحتكام إلى التصويت ـــــ وهو حقّ دستوري بعد تعذّر التوافق ـــــ تفادياً لانقسام مجلس الوزراء، فيفقد عندئذ دوره التوافقي. وثانيهما تيقّن الرئيس من أن كلاً من فريقي الحكومة يملك في الواقع أحد نصابي تعطيل الانعقاد أو ترجيح الأكثرية المطلقة. وهي إشارة صريحة إلى أن الوزراء الخمسة لسليمان ليسوا ـــــ بل ربما لم يكونوا مرة ـــــ خمسة في حساب الموالاة العمياء له.
4ـــــ أن تلويح الحريري بالانسحاب من مجلس الوزراء في جلسة 10 تشرين الثاني، كشف بدوره عن سابقة غير مألوفة في ممارسة رئيس مجلس الوزراء صلاحياته الدستورية، وهي تهديده رئيس الجمهورية وكذلك خصومه ـــــ إذا طرح البند المعني على التصويت ـــــ بالانسحاب من جلسة مجلس الوزراء بغية تعطيل انعقادها، وتفادياً لتصويت خاسر ولإقراره بأنه فقد، من داخل حكومته، الأكثرية الوزارية. يجد رئيس الحكومة نفسه محرجاً في مواجهة أقلية تحوّلت بالفعل إلى أكثرية مقرّرة.
وإلى أن تبصر التسوية السعودية ـــــ السورية النور، لن يخرج مجلس الوزراء ولا طاولة الحوار الوطني من الكهف.


Script executed in 0.16711807250977