أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بين «الجنرالين»... برودة و«قلوب مليانة» واتهامات متبادلة

الخميس 09 كانون الأول , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,883 زائر

بين «الجنرالين»... برودة و«قلوب مليانة» واتهامات متبادلة
العلاقة محكومة بالبرودة على خط بعبدا ـ الرابية. ليس في الأمر شيء جديد إلا من زاوية اعتراف مقرّبين من العماد ميشال عون «بأن عامل الثقة مفقود كلياً بين الطرفين وحرب رئيس الجمهورية على العونيين، وعلى كافة المستويات، مستمرة حتى إشعار آخر...» أما الجديد الآخر، فهو سعي رئيس الجمهورية الحثيث الى «مكافحة» تهميش صلاحياته المتوافرة بحدّها الأدنى، من قبل من يرفع شعار «إعادة الصلاحيات» الى الرئاسة الأولى.
هذا يفسّر جزءاً من المشهد الجامع في قصر بعبدا، بين «الجنرالين» في الأسبوع الماضي، من ضمن «ورشة» جديدة من المشاورات أطلقها الرئيس ميشال سليمان تهدف إلى مدّ طاولة الحوار بأوكسيجين التلاقي مجدداً، وإن للصورة فقط، ومحاولة سيد بعبدا إفهام سيد الرابية بأن «ألف باء» تعزيز المقام الماروني الأول يكون عبر الالتزام بتوجيهاته التوافقية لمواجهة «العاصفة»، في ظل أزمة سياسية لا سابق لها منذ توقيع اتفاق الدوحة. ثاني هواجس الرئيس سليمان إعادة بعبدا إلى قلب معادلة اتخاذ القرار السياسي، حتى لو اضطر الأمر إلى إلحاق ملف شهود الزور بطاولة الإستراتيجية الدفاعية.
كلمة «جنرال الرابية» بعد القداس الاحتفالي في بلدة نابيه المتنية في أيلول الماضي ما تزال تطنّ في آذان «جنرال بعبدا». وحتى اللحظة ما يزال الأول مقتنعاً بأن الثاني «لا يفعل شيئاً غير البكاء». هكذا يترك لنوابه مثل نبيل نقولا وزياد أسود وغيرهما ان يشيروا بالأصبع الى مكامن الخلل في أداء الرئاسة الأولى من خلال اتهام وزرائه بالتقصير أو عبر التصويب المباشر على سليمان نفسه.
عموماً يرتاح نواب «التيار الوطني الحر» في التوسّع بشرح ما يسمونها «خريطة إخفاقات» رئيس الجمهورية بعد انقضاء سنتين وستة أشهر على ولايته الرئاسية: الرئيس ينتظر، كما غيره من المواطنين اللبنانيين، تسوية لأزمة لم يأخذ منها موقفاً واحداً صريحاً وعلى رأس الأولويات ملف شهود الزور. يسكت عن مخالفات جهاز أمني غير شرعي، يقصدون بذلك «فرع المعلومات»، من دون ان ينفوا ارتباط الحدّة في الموقف من هذا الجهاز، بتوقيفه القيادي في «التيار» العميد فايز كرم المشتبه بتعامله مع الاسرائيليين.
ورغم العلاقة المتينة والجيدة التي تربط العديد من الوزراء والنواب «العونيين» بوزير الداخلية زياد بارود، فإن هؤلاء يلتزمون بسقف الرابية العالي في انتقاد وزير يجاهر بالالتزام الكامل والتام بموقف رئيس الجمهورية من دون أي تعديل في الفاصلة والنقطة. لكن هذا الواقع لا يمنعهم من التصفيق له حين يتخذ قراراً بـ«تأديب» المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي.
لا يفهم «العونيون» أيضاً مغزى سكوت «فخامته» عن أكبر فضيحة مالية في تاريخ لبنان الحديث. ويسخرون من دعوة سليمان لجمع تبرعات لتسليح الجيش اللبناني «لأنها لا تطعم خبزاً». خبثاء «العونية السياسية» يذهبون إلى حد التأكيد بأن «إستراتيجية اللاموقف» هي تحديداً البطاقة التي أدخلت سليمان إلى قصر بعبدا...
القصة تبدأ من جبيل ولا تنتهي عند «عناد الرئيس» بالتمسّك بالمدير العام اللواء وفيق جزيني على رأس المديرية العامة للأمن العام، بصفته المدنية، بعد إحالته الى التقاعد. تنزعج الرابية من رؤية سليمان يمارس كامل صلاحياته في نطاق جبيل، فيتجنّد مثلاً رئيس البلدية زياد حواط، شقيق صهر رئيس الجمهورية، ليقصّ شريط افتتاح طريق حبوب التي تقدّم بمشروعها نواب المنطقة، فيعارض حواط في البداية ثم عندما تصبح أمراً واقعاً يتقدّم الأخير الى الواجهة ليحصد ما جُني بعرق غيره. تشعر الرابية بـ «المزاركة الرئاسية» ليس في عقر الدار فحسب بل وصولاً الى أبواب الوزارات والادارات والمؤسسات العامة والمؤسسات الأمنية... ولعل سيناريو «التمديد المدني» لوفيق جزيني نموذجاً.
في الرابية أيضاً من يعكس الخلفية التي يتعاطى بها عون مع رئيس الجمهورية شخصياً. فالأول، ومنذ أصبح اسم ميشال سليمان ثابتاً كمرشح للرئاسة تحت غطاء تقاطع دولي اقليمي مؤيد لقائد الجيش، أعلن بصريح العبارة ان قبوله بسليمان هو تنازل كونه يمثل، كما قال يومها، الأكثرية الساحقة من المسيحيين. لكن «جنرال الرابية» تصرّف على أساس ان الأكثرية نفسها التي قطعت عليه دخول قصر بعبدا، هو صاحب الحق في استثمارها في التعيينات والمناقلات والتوظيفات، فارضاً قواعد اللعبة «العونية» على الأخصام والحلفاء: في الحصة المسيحية الكلمة لميشال عون على قاعدة «نصف لي والنصف الثاني لرئيس الجمهورية وباقي الأحزاب المسيحية».
لم يسعف الظرف السياسي «تكتل التغيير والاصلاح» في السير بمشروع تعزيز صلاحيات الرئاسة الأولى، والذاكرة تعود الى أول حاجز أقامته الرابية بوجه الرئيس المكلّف سعد الحريري عندما تجاوز مضمون المادة 58 من الدستور «حين تسلّم ميشال سليمان في قصر بعبدا تشكيلة كاملة من دون ان يكون مشاركاً، وقد طلب منه الردّ عليها يومها في انتقاص واضح لصلاحيات الرئاسة الأولى التي يقتضي الدستور التفاهم معها في عملية التشكيل».
في المقابل، لم يسع الرئيس سليمان نفسه، تقول أوساط الرابية، الى الدفع باتجاه إقرار هذه الاصلاحات أو بعض منها «الرئيس التوافقي لا يعني عدم أخذ موقف. وفي ظل عدم وجود صلاحيات حاسمة بيد رئيس الجمهورية فإن القرار الذاتي يشكّل مصدر قوة لأي رئيس في القصر، ولا يجوز اكتفاء سليمان بالشكوى أمام زواره من افتقاده للصلاحيات».
يقول أحد نواب «التيار الوطني الحر» ان «القوطبة الرئاسية على عدم بت ملف الشهود الزور في مجلس الوزراء سلباً أو ايجاباً لا يمكن ان تصرف تعويماً مجانياً لطاولة الحوار. هذه إحدى نقاط الخلاف مع سليمان. الباقي يمكن رصده في مواقع أخرى تعكس نفساً رئاسياً يدفع باتجاه تحييدنا أو عزلنا وصولاً الى حدّ احتكار الخدمات في التعيينات والكازينو والمرفأ والعديد من المرافق... ونحن نسأل عن المناصفة في وزارات التربية والطاقة والمياه... ووزارة الداخلية التي يكبّل وزيرها بسقف الرئاسة التوافقي. ولماذا غضّ النظر عمّا يجري في سجن رومية، ورخص البنزين التي يوزعها شقيق رئيس الجمهورية، ومخالفات «فرع المعلومات»، وسكوته عن الإهانة التي تعرّض لها الوزير شربل نحاس من قبل رئيس مجلس الوزراء في القصر الجمهوري، وسماحه بخرق البروتوكول في قصر بعبدا من خلال السماح لأقربائه بحضور مناسبات رسمية من دون اي صفة رسمية، فضلا عن اقدام رئيس الجمهورية مؤخرا على اصطحاب شخص غير ذي صفة رسمية هو نائب رئيس مجلس الوزراء السابق اللواء عصام ابو جمرا معه في زيارة رسمية الى قطر.. في رسالة تحمل الكثير من الدلالات السلبية، لجهة مراهنة رئيس الجمهورية على استغلال أوضاع شاذة داخل «التيار» ومحاولة استثمارها سياسيا.. «والأنكى افتقاده للجواب عند سؤاله عن سبب اصطحابه أبو جمرا حيث رد بأنه كان يريد زيارة أحد أقاربه وجاء معي في الطائرة الرئاسية» يقول أحد القياديين في «التيار»، مشيرا الى أن «جنرال الرابية» لطالما تبلغ من قياديين في «التيار» أن رئيس الجمهورية كان يتصل بهم بعد اطلالات اعلامية للاشادة بهم ودعوتهم الى شرب فنجان قهوة في القصر الجمهوري!
لم يكن السجال الاعلامي الذي دار مؤخراً بين النائب زياد أسود والمستشار النائب السابق ناظم الخوري سوى عيّنة ممّا تختزنه النفوس. تصريح لأسود ينتقد فيه عدم قيام سليمان بدوره، يردّ عليه المستشار السياسي للرئيس بمخاطبة مباشرة لميشال عون معتبراً ان «طموحات «الجنرال» شيء ومصير البلد شيء آخر». فتعقيب من النائب الأسود يشير فيه الى «النوايا المبيّتة والقلوب المليانة والعقم السياسي...».
في جعبة المقربين من الرئيس سليمان، كثير من اللوم على «الجنرال عون» لأنه لم يتمكن من هضم فكرة أن أحدا غيره صار رئيسا للجمهورية، وهذا هو جوهر الموضوع، وهو يدعو المعارضة وجهات خارجية للتسريع بعملية انقلابية لا تقود الى «7 ايار جديد» وحسب بل الى الامساك بالسلطة كلها من رئاسة الجمهورية الى باقي الادارات والمؤسسات.
يأخذ هؤلاء على عون أنه لطالما حاول أن يتدخل في المؤسسة العسكرية عندما كان سليمان قائدا للجيش وهو كان يتصل بالضباط مباشرة ويعطي أوامر لبعضهم، ولطالما حاول سليمان في موقعه السابق احتواء الموقف.. أما سعي رئيس الجمهورية الى لعب دور مسيحي وازن، فالجواب عليه يعرفه كثيرون من المقربين من ميشال سليمان، ذلك أنه وقبل أن ينتخب رئيسا للجمهورية، كان يردد من موقعه على رأس المؤسسة العسكرية، أنه بعد تقاعده مباشرة من قيادة الجيش سيأخذ على عاتقه أن يخوض تجربة سياسية في الشارع المسيحي لكسر الانقسام الحالي بين فريقين أساسيين لا يقدمان خيارا مستقبليا مطمئنا للمسيحيين.
يرفض المقربون من رئيس الجمهورية الخوض في اتهام سليمان باعتماد إستراتيجية اللاموقف، ويشيرون الى أن رئيس الجمهورية تحول بمواقفه الى أحد أبرز صمامات الأمان باعتراف معظم الداخل وكل الخارج.
في المحصلة، لقاء «الجنرالين» الأخير في بعبدا لم يغيّر كثيراً في رأي الاثنين. في الرابية هناك من يردد أن «السياسة الوفاقية لا تدير الأزمات... والتفرّج على الأزمة يحمّل سليمان مسؤوليتها»... يغمز أحدهم من قناة آل المر قائلا: سامحهم الله في المرتين: قيادة الجيش أولا، رئاسة الجمهورية ثانيا!
ومع ذلك، تتوّج العلاقة الباردة بين الرجلين بشيء من العبثية حين يقف رئيس الجمهورية أمام منطقة الحرائق في جبيل والى جانبه النائب سيمون ابي رميا. الأول «يسأل» عن خطط الدولة لمواجهة كوارث الطبيعة.. والثاني يهزّ برأسه مؤيداً كلام «فخامة الرئيس»... لحظة انسجام رئاسي - عوني تكشف عمق التقصير لدى الجانبين في متابعة واحد من الملفات الحيوية. بعدها يعود الرئيس إلى «قصره» ليهاجم من يطالب بإعادة صلاحيات الرئاسة الأولى... ويفعل عكس ذلك، والنائب العوني يعرج على الرابية ليقف على آخر «معلوماتها» بشأن «اخفاقات الرئيس التوافقي».

Script executed in 0.19365096092224