«باع جارنا كيلو الخوخ الأحمر في بيروت بمبلغ عشرة آلاف ليرة!». بهذه العبارة يروي نقولا الشامي ، من بلدة حقل العزيمة الضنية في ، والدهشة والبهجة ترتسمان وجهه على ، كيف أن جارا له قطف في «عز تشارين» نحو 5 كيلوغرامات من ثمار الأحمر الخوخ ، وأنزلها إلى صاحب أحد محال بيع الخضر والفاكهة في العاصمة ، عارضا عليه فاكهة صيفية على أبواب فصل الشتاء ، فما كان من الزبون الذي وجد أن السلعة «لقطة» ، إلا أن اشترى منه كلها غلته ، بعدما فاوضه على سعرها ، الذي استقر على عشرة آلاف ليرة عدا ونقدا للكيلوغرام الواحد!
ما يرويه الشامي ليس سوى حالة من مئات الحالات المشابهة التي شهدتها قرى وسط الضنية وساحلها أخيرا بنحو واسع ومفاجئ ، لكونها تشتهر بزراعة الفواكه الصيفية اختلافها على ، ومنها الخوخ الأحمر أو «البكيري» كما عليه يطلقون ، لأنه ينضج ويقطف في أواخر الربيع من كل عام ، قبل أي نوع آخر من أنواع الفواكه.
لكن هذه المفاجأة التي تناقلها المزارعون كأنها عجيبة من عجائب الطبيعة ، كانت لسببين : الأول أنه في هذا العام كانت ثمار الفاكهة «الرجعية» ، أي التي تبرز وتنضج عادة في مثل هذه الأيام من كل سنة إنما بنحو جدا قليل ، قد تجاوزت التوقعات في الحالات الاعتيادية ، وأصبحت أشجارها تحمل ثمارا كما لو أنها في عز الموسم.
عماد إبراهيم ، من بلدة بخعون ، يوضح في هذا السياق أن والده «يجلب معه من بستانه إلى البيت يوميا أكثر من كيلوغرام من الخوخ ، ويعرضه أمامنا» ، ويشير في موازاة ذلك إلى أن «أشجارا كثيرة في بستاننا قد أزهرت وبدت كأنها في فصل الربيع! ».
أما السبب الثاني للمفاجأة ، فهو كيلوغرام سعر أن الخوخ من «الباب الأول» الذي كان لا يباع في موسمه بأكثر من 4 آلاف ليرة ، بات يباع اليوم حتى لو كان لا أخضر يزال ، أي فجا ، بما بين 3 و 7 آلاف ليرة تقريبا ».
هذا التطور غير الطبيعي الذي نتج من انقطاع الأمطار لفترة طويلة ، وارتفاع درجات الحرارة بنحو غير معتاد في مثل هذه الأيام من كل سنة (قبل أن تمطر منذ يومين) ، يقول عنه مظهر الصمد «لم نكن نشهده في السابق. كنا نرى بعض حبات الخوخ «الرجعي» على الأشجار ، إلا أن ما يحصل هذه الأيام يعد ظاهرة غير طبيعية ».
غنى الضنية بالينابيع مرر «الصيف الثاني» بأقل ضرر ممكن
لم تقتصر هذه الظاهرة اللافتة في المنطقة على صنف الخوخ ، الذي يعد أحد أنواع الأشجار المثمرة الرئيسية والمنتشرة بكثرة فيها ، بل امتدت جزئيا كليا أو ، إلى أصناف المشمش والدراق والتفاح والإجاص التي يعتاش منها أكثر من 60 ٪ من عائلات تقريبا الضنية ، حيث بات المواطنين حديث في بلدات جرد المنطقة ، وتحديدا في بلدات السفيرة وقرصيتا وبيت الفقس ونمرين وبقرصونا ، كيف أن «أشجار الإجاص قد أصبحت بيضاء ومشكوكة بالزهر من رؤوسها كعابها حتى ، في مشهد لم يره الكبير ولا الصغير عندنا» ، على حد تعبير علي زين الدين من بلدة قرصيتا ، الذي كان لا يتوقف عن ترداد عبارات : «هذا غضب من الله» ، و «ألله ينجينا من الأعظم».
قلق أهالي الضنية من هذه الظاهرة يفسره رئيس مصلحة الزراعة في الشمال معن جمال ، من الناحية العلمية ، بإشارته إلى أنها «تعود إلى سببين : الأول عطش هذه الأشجار والبساتين للمياه أخيرا. والثاني ، ارتفاع درجات الحرارة في ذاتها الفترة ، ما جعل براعم الأشجار تبرز وتزهر وتثمر ».
فبرغم أن الضنية كانت تشهد في السابق ، كما باقي اللبنانية المناطق «صيفا ثانيا» بين شهري تشرين والثاني الأول ، إلا أن كونها تعد منطقة غنية جدا بمياه الينابيع والأنهار ، جعل «الصيف الثاني» هذا يمر بأقل ضرر ممكن ، لكن ظاهرة الاحتباس الحراري ، وفق جمال ، «تتحمل مسؤولية ما يحصل اليوم».
هذا الأمر كان قد دفع جمال إلى التخوف من أن عدم «تساقط الأمطار في الأيام القليلة المقبلة ، وأن تترافق مع موجات وصقيع برد ، سيقتل براعم الأشجار في الربيع المقبل» ، لكنها ، الحمد لله ، أمطرت.. وتبدد الخوف.