أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الحص: ما فعلت اقتضاه الواجب الإنساني والوطني وضميري مرتاح

الجمعة 10 كانون الأول , 2010 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,889 زائر

الحص: ما فعلت اقتضاه الواجب الإنساني والوطني وضميري مرتاح
تعالى على مرضه، وأبى إلا أن يشارك في افتتاح المعرض الذي نظّمه جورج الزعني «الدكتور سليم الحص: إنسان ووطن»، في قصر الاونيسكو مساء أمس الأول. كانت المناسبة على قدر محبة رجال السياسة لمن أخلص لوطنه. فالإنسان في داخله رفض أن يغلبه المرض، والمحبة لوطنه دفعته لقطع العلاج الذي كان يتلقاه في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، ليكون وسط أهله ورفاق الدرب. فكان الحضور لافتا في حجمه، ومن لم يتمكن من الحضور أوفد ممثلا عنه، أو أرسل باقة من الزهر. الرئيس سليم الحص، أو ضمير لبنان، لا يمكن التمييز بينهما، فهو الضمير الحي الذي لا يدع مناسبة غير سوية إلا وانتقد فيها من يستحق النقد، لا يخجل من قول كلمة حق، فكيف إذا كانت تمس بالوطن الذي أحب، وخير شاهد على صلب مواقفه، الرسالة التي وجهها الى الملوك والأمراء والرؤساء العرب ابان عدوان تموز 2006، منتقدا وحاملا على جبن الحكام، تضاف الى ذلك مواقفه الوطنية التي لم يحد عنها، مهما اشتدت الصعاب عليه، وبقيت راسخة في نفسه لقناعته المطلقة بها. فالمقاومة عنده هي ظاهرة حياة وهو القائل في العام 1999 «الحكم اللبناني سيستمر في دعم المقاومة ما دام هناك احتلال إسرائيلي».
تولى رئاسة الحكومة خمس سنوات، وفي أشد الظروف التي عرفها لبنان إيلاما، مع ذلك ليس هناك من شارع أو جادة باسم الرئيس الحص رسميا، أما «دوحة الحص» في الدوحة، و«نزلة الحص» بالقرب من جامع عائشة بكار، فهما تسمية «الأمر الواقع» بين معظم الناس.
عاش الرئيس الحص حياة ناقضت بصخبها وهزاتها هدوء شخصيته، فكان أستاذاً جامعياً، وجاء من الاقتصاد إلى السياسة، فكان السياسي الأكثر شفافية وصدقاً والدبلوماسي الذي لم يغره مالٌ. والتجوال في أرجاء المعرض، كفيل لمن لا يعرف الرئيس الحص، في أن يحصل على وافر المعلومات، عن حياة هذا الرجل الذي لم تخفه الضغوط ولا التفجيرات الإرهابية، وهو من جاب العالم طالباً وكرئيس للحكومة، وهو لم يطلب شيئا لنفسه، وهو القائل «رجل السياسة يبقى قويا الى أن يطلب شيئا لنفسه، وعندما يطلب أمرا يكون الثمن الحرية». هذه الحرية التي لم يتنازل عنها، بل إنه تنازل عن الحكم في سبيل حريته..
تقع عين الزائر للمعرض على هوية سليم الحص، وصورة كبيرة له كتب عليها «ضمير لبنان.. ضميره مرتاح»، الى جانب مواقفه السياسية والوطنية، كتبت بأنامل الفنان علي عاصي، مع الحرص على ذكر مصدر الموقف وتاريخه. وإضافة الى شهاداته العلمية، صور له مع زوجته الراحلة ليلى، وفي مراحله السياسية كافة، إضافة الى عشرات الصور مع كبار زعماء العالم: جيمي كارتر، حافظ الأسد، الملك فهد، صدام حسين، فيدل كاسترو، ياسر عرفات، رفيق الحريري...
بعض اللوحات تعرض لمسيرة حياة الحص، منذ كان شابا، بالإضافة الى مقتنياته الخاصة التي عرضت على طاولات منفردة مثل أشرطة تسجيل للفنانة فيروز، كتب خاصة، وعلى طاولة توسطت أرض القاعة، وضعت عناوين مؤلفاته باللغتين العربية والإنكليزية، منها: نافذة على المستقبل Lebanon: Agony and peace؛ حرب الضحايا على الضحايا، على طريق الجمهورية الجديدة، ذكريات وعبر، للحقيقة والتاريخ، ومحطات وطنية، وما قل ودل.
لم يشأ أحد من الحضور التجوال في المعرض قبل وصول صاحبه، والاستقبال للرئيس الحص، كان عابقا بالمحبة، فكان التصفيق والعناق وتبادل القبل، ثم النشيد الوطني ترحيبا.
ممثلو الرؤساء الثلاثة، كانوا في الاستقبال، الوزير عدنان القصار ممثلا رئيس الجمهورية، النائب نهاد المشنوق ممثلا رئيس مجلس النواب، والنائب عمار الحوري ممثلا رئيس الحكومة، الرئيس حسين الحسين، النائب السابق اميل لحود ممثلا والده الرئيس اميل لحود، عثمان مجذوب ممثلا الرئيس عمر كرامي، إضافة الى حشد من النواب والوزراء الحاليين والسابقين، ورجال دين وعسكريين، والسفير المصري أحمد البديوي، ورؤساء تحرير الصحف وإعلاميين.
دخل الرئيس الحص قصر الاونيسكو، مستعينا بعصاه، ومتكئا على كتف ابنته وداد. وبعد التحية والسلام والتهاني بالعودة سالما، واستقبال مميز من الفنان جورج الزعني الذي أدمعت عيناه لدى رؤية صاحب المعرض، حرص الحص على التجوال على لوحات المعرض، فكان لهويته المعروضة تعليق طريف منه: «هلق كشفتوني منيح».
ولأن المناسبة تحتاج الى كلمات، رحبت الهام بكداش بالحضور، وشكر الزعني كل من ساهم في إنجاح المعرض، وقال: «يسعدني ان أراك يا دولة الرئيس محاطا بالتمثيل الرسمي والأحباء والمعجبين في قصر الاونيسكو ومحاطا بمحبي كلمتك وحفيدك».
والقى الرئيس الحص كلمة استهلها بالقول: «لا أستحق هذا التكريم، وما فعلت في حياتي إلا ما اقتضاه الواجب الاجتماعي والإنساني والوطني، وأجر مثل هذا العمل هو عند الله رب العالمين».
وقال: «لقد بلغت من العمر أكثر من ثمانين حولا، وكل ما أرجوه ألا أكون قد قصرت في أداء ما ترتب علي من واجبات للمجتمع أو الوطن أو الإنسانية، وقد تعلمت من تجارب الحياة أن السعادة مرادفة لراحة الضمير. ليس من عقوبة أقسى من عذاب الضمير. وأنا أحمد الله تعالى على أنني بعد هذه السنوات الطويلة أشعر براحة الضمير».
وبعد الكلمات، كانت جولة للحضور في أرجاء المعرض، فضلا عن اخذ الصور التذكارية مع الرجل الذي ما زال الحنين يشده الى ميدان التدريس.
لا يمكن اختصار حياة الرئيس الحص ببضع صور وبضعة سطور. فحياته مليئة بالأعمال الاقتصادية والخطط، وحماية العملة اللبنانية، واحتياطي الذهب، وهو من بذل الجهود الكبيرة في وقت كانت تعاني البلاد من ويلات الحرب الأهلية، وإسرائيل التي كانت تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية. وكان يضطلع بمسؤولياته إبان الفراغ الدستوري العام 1988، عندما فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس بديل للرئيس أمين الجميل، وعمل في فترة شهدت فيها البلاد تدهورا أمنيا مريعا بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض العام 1989. وكان الحص أحد مهندسي اتفاق الطائف العام 1989 الذي وضع حدا للحرب الأهلية وأرسى مبادئ المصالحة الوطنية في لبنان.

Script executed in 0.18344593048096