السؤال عن سبب عدم ظهور ما يفضح اسرائيل او يحرجها في برقيات الدبلوماسية الأميركية المسربة من موقع ويكيليكس، ليس له ما يبرره سوى الجهل في طبيعة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وليس له ما يفسره سوى الهاجس بوجود مؤامرة ما، فضلا عن أنه سابق لأوانه بعض الشيء.
ما نشر منذ 28 تشرين الثاني الماضي وحتى اليوم من تلك البرقيات بلغ 1344 من أصل 251287 برقية، لم يكن بينها ما يكشف عن حوارات مباشرة دبلوماسية او سياسية او استراتيجية بين الاميركيين والإسرائيليين، سوى بعض ما يتطرق بشكل عابر الى إيران ولبنان وسوريا خلال لقاءات جرت خارج تل أبيب وواشنطن. لم تظهر بعد أسرار او ألغاز تلك العلاقات العميقة التي لا يصح دائما القول انها بين دولتين او حتى بين شعبين. وهي ربما لن تظهر ابدا، لأن النقاش الاميركي الاسرائيلي يندرج في السياق الداخلي، ويخضع لاعتبارات محلية جدا سواء في الولايات المتحدة كما في اسرائيل، وهي بالتالي لا تحتاج ربما الى تدوين او تصنيف دبلوماسي من اي شكل كان.
مع ذلك فإن الآتي في الايام والاسابيع المقبلة قد يكون مدويا. لا يعقل ان تشطب البرقيات الصادرة من تل ابيب او القدس، ولا يمكن ان يسقط ذلك الجدل الذي دار في اكثر من مناسبة بين الدولتين الحليفتين، من دون ان يترك اي اثر جدي على ذلك الحلف الراسخ والمتين والذي لا يمكن ان يتزعزع لكنه يمكن ان يشهد بعض الاجتهادات المختلفة، والاهم من ذلك بعض التقييمات السياسية والشخصية التي لا بد ان تظهر تباعا، والتي لن تشكل مفاجأة لأحد.
ولن يكون من الصعب التكهن مثلا في ان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الذي قدمت ادارته خدمات تاريخية لدولة اسرائيل في حروبه على العالمين العربي والاسلامي، يمكن ان يظهر في البرقيات انه يكره اليهود الذين كانوا يكرهونه ايضا، على غرار الرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون الذي كان يصفهم بالخنازير والوضيعين، حسبما جاء في تسجيلات رفعت السرية عنها قبل ايام من قبل مكتبة الكونغرس، علما بأنه وفر لإسرائيل غطاء نوويا في حرب تشرين العام 1973.
وكذا الامر بالنسبة الى الرئيس باراك اوباما الذي اعتمد على اصوات اليهود لكنهم خانوه في ما بعد وساهموا في تحويله مؤخرا الى دمية او قطعة ديكور في البيت الابيض، على الرغم من ان التاريخ سيشهد له بأنه ساهم في تغطية اكبر عملية تهويد للقدس المحتلة، وفي اوسع عملية استيطان في الضفة الغربية المحتلة.. علما بأنه لا يكن ودا لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتيناهو وسعى الى إطاحته في مطلع ولايته الرئاسية.
ثمة الكثير من النمائم بل وبما السجالات السياسية التي يمكن ان تنشر تباعا، لكنها لن تمس جوهر التحالف الاستراتيجي، ولن تكشف عن خلافات عميقة في اي من المواقف الاستراتيجية، بل عن تبادل افكار وخطط حول مواعيد الحرب والسلام، التي لا يمكن ان تفرق الاميركيين والاسرائيليين ابدا.