أطلق مواقف معبّأة. سمع تصفيقاً حاداً. وأطلق مواقف يُعلن من خلالها أنه رجل دولة. في قراءة لخطاب آخر رئيس جمهوريّة نظام 1943، مع عدد من مسؤولي حزب الكتائب الحاليين يُمكن الخروج بالخلاصة الآتية: وجّه الجميّل رسائل شمالاً ويميناً، طاولت بطريقة رئيسية حليفه تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري، وتناولت حزب الله وجمهور الكتائبيين.
وبحسب المسؤولين الكتائبيين، هذه الرسائل جاءت على الشكل الآتي:
أولاً: إبلاغ الحريري بوضوح أنه غير معنيّ بأي تسوية، تستدعي المزيد من التنازلات في المحكمة الدوليّة والحوار الوطني وجميع القضايا الاستراتيجيّة، «لأن الفريق الآخر لا يستثمر هذه التنازلات في بناء تسوية، بل يعدّها نصراً ويستثمرها في مشروعه الخاص، ويُطالب بالمزيد». يضيف أحد المقربين من الجميّل، إن هذه التنازلات تأتي في سياق طلب إقليمي لا يعني الكتائبيين. ويلفت آخر إلى أن البعض يريد التسوية على حساب حزب «الله، الوطن، العائلة». ويُشير هؤلاء إلى أن جملة الجميّل كانت واضحة حين قال إنّ «ما يخدش آذاننا من تصاريح وخطب هو تحدٍّ للدولة دون غيرها، وهو يطرح صدقيّة الوعود التي التزمت بها هذه المؤسسات، وإذا لم تنفّذها فلن تكون نهاية 14 آذار، بل ستُنسف مؤسسات الدولة والجيش، وكل ذلك يجري تحت ستار رفضهم العدالة الدولية، واعتبارهم المحكمة أداة تآمريّة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، كأنّ الاغتيالات حدثت خصّيصاً لتبرير إنشاء المحكمة في حين ما كانت هذه المحكمة لترى النور لو لم تمتدّ يد الغدر إلى خيرة رجالنا، ولو لم يكن النظام خاضعاً لنظام أمني عاث بالبلاد قهراً وفساداً لمدة 15 سنة».
هذه العبارة وغيرها حملت، برأي هؤلاء، رسائل واضحة بأنّ حزب الكتائب مستعد للعودة إلى المكان الذي كان فيه قبل عام 2005، وهو «المعارضة»، وأن التسوية السياسيّة التي تُطرح، لا يقبلها الحزب لأنه ليس في وارد التخلي عن «شهدائه»، وأن الكتائبيين لن يكونوا «تحصيل حاصل في هذه التسوية». وقد استعان أحد هؤلاء بما قاله النائب هاني قبيسي رداً على الجميّل كتوضيح لقراءتهم بأن التسوية ستضعهم خارج الحكومة: «عندما يبصر الحلّ النور نتيجة المسعى الذي تقوم به سوريا والمملكة العربية السعوديّة، ستعود هذه الأسود والذئاب إلى أقفاصها».
ثانياً: تفتح الرسالة الأولى الباب أمام الرسالة الثانية. المتلقّي يُفترض أن يكون حزب الله. يقول الكتائبيّون إن كلمة الجميّل إيجابيّة تجاه الحزب، وإنه أعلن رغبته في فتح حوار. ويأسف الكتائبيّون لرد حزب الله يوم أمس، الذي قد يكون سببه أن حزب الله يرصد توجهاً كتائبياً لتأسيس خلايا أمنيّة.
يُشير الكتائبيّون إلى ما قاله الجميّل لتأكيد الرغبة في الحوار مع حزب الله، «إننا في الكتائب وأنا شخصيّاً نؤمن بحركة الحوار الصريح بين الناس، وإذا فشلت تبقى أفضل من دورة العنف المدمّر. في هذا الإطار، ورغم التصعيد المتواصل، ما فتئنا نردّد أن حزب الله هو من صميم هذا البلد، ومكابر من ينكر طاقات هذا الحزب وقدراته وصفاته التمثيلية، وما فتئنا نردّد أن لبنان لا تبنيه إلّا الفئات اللبنانية ومن بينها حزب الله، لكن لبنان لا يُبنى مع دولة حزب الله».
ويُشير أحد المسؤولين في الكتائب إلى أن الجميّل اعترف بطاقات حزب الله وقدراته وصفته التمثيليّة، فيما رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان، تحدّث في خطاب القسم عن طاقات حزب الله فقط. ويُشير المسؤولين في الكتائب إلى أن خطاب رئيسهم كان انفتاحياً بطريقة كاملة، من دون التخلي عن ثوابت الحزب. ويُكرّر هؤلاء، ما قاله الجميّل عن ضرورة جلوس الممثلين الحقيقيّين للبنانيين معاً وبدون شروط لمناقشة أيّ لبنان يُريدون. ويلفتون إلى أن الجميّل أشار بعد تبنّيه المحكمة ورفضه التخلي عنها إلى أنه يرفض أن تكون مسيّسة أو أن تكون للانتقام.
ثالثاً: توجّه أمين الجميّل إلى حزبه لتأكيد خياره الاقتصادي، بالانتماء إلى أحزاب الوسط، وهي أحزاب تتبنّى خياراً أكثر اجتماعيةً، فتحدّث عن الأمور الحياتيّة وضرورة حلّ أمور الناس.
ويلفت هؤلاء إلى أن الخطاب تضمّن مجموعة من المواقف التي لا تهدف إلى أكثر من تعبئة الجمهور الذي احتشد في فوروم بيروت. يُضيف آخرون إن هذا الخطاب تسوية بين نهج أمين الجميّل ونهج ابنه سامي. إذ تبنّى الوالد مواقف الابن وفريقه السياسي لجهة تأكيد الخيار الاقتصادي والموازنة والقول إنّ «تطوير النظام اللبناني أمر ملحّ»، وكان نفسه عندما تحدّث عن الانفتاح وضرورة الحوار، وعندما رمى مسؤوليّة المشاكل في لبنان على الخارج. ورأى أحد «الخبثاء» في حزب الكتائب أن أمين الجميّل حذّر من سامي الجميّل حين قال: «إن إعادة إحياء زمن الدويلات، وزمن المشاريع الخاصّة بكل طائفة وحزب يفتح شهيّات كثيرة، وخاصةً في وقت يتفتّت فيه العراق، ويقسّم السودان، ويعاني أكثر من بلد عربي نزعات انفصاليّة، لقد قدمنا تضحيات لإنقاذ لبنان من نزعة الأمن الذاتي فلا تُحرّكن الرغبات النائمة»، فيما وجد آخر أنها موجّهة إلى قائد القوات اللبنانيّة سمير جعجع.