أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

التوتـر العصبـي «مـرض» يكتسـح لبنـان واللبنانيين

الإثنين 20 كانون الأول , 2010 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 19,354 زائر

التوتـر العصبـي «مـرض» يكتسـح لبنـان واللبنانيين

يجيب عدد من أطباء جراحة الأعصاب والدماغ «بنعم»، مؤكدين أنهم يبنون ردّهم فقط على معطى ارتفاع عدد مرضى الأعصاب في عياداتهم في ظلّ غياب أي دراسة طبية وطنية تشير إلى عدد المصابين بالأمراض العصبية وأسبابها ومدى انعكاسها على سلوك المواطنين.
ومن عوارض التوتر في السلوك، بحسب الأطباء: تحويل الخلاف في العمل أو المنزل إلى مشكلة كبرى، بروز ردود فعل سريعة تجاه مشكلات يومية بسيطة، والتعبير عن ذلك بالصراخ والأصوات المرتفعة، الشعور الدائم بضيق الخلق، تراجع الحوار في العلاقات الزوجية لمصلحة تصاعد الخلافات.
أما عوارض التوتر الجسدي فهي أوجاع متكررة في الرأس، وفي الصدر، وضيق في التنفس، وتنميل في الأطراف، والشعور بالأرق، أو النوم بشكل متقطع.
ومعروف أن العلاقة الوثيقة بين الوضعين النفسي والصحي للبشر، جعلت منظمة الصحة العالمية تتخذ قراراً بتعديل مفهوم الصحة العامة لكي يصبح كالتالي: الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وليست مجرد انعدام المرض أو العجز. هكذا، تم الاعتراف بالصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الحالة الصحية العامة.
ويرى الطبيب المتخصص والباحث في جراحة الدماغ والأعصاب الدكتور كمال كلّاب أن تعريف المنظمة أن للمرض ارتدادات اجتماعية، إذ لم يعد الأمر يقتصر على محاربة الأمراض الجسدية، وإنما تأمين البيئة الاجتماعية المريحة من دون تلوث ومن دون توتر.
وإذا كان المرض النفسي مشمولاً في تعريف الأمراض في منظمة الصحة العالمية، فإن الذين يعانون من الأمراض النفسية مثل الوسواس القهري أو الهستيريا بأنواعها أو انفصام الشخصية، لا يخضعون للتغطية الصحية في العيادات النفسية في العالم، إلا في حالات محدّدة يضطر فيها المرضى لدخول المستشفى.
أما مريض التوتر العصبي فهو يحصل، كما يؤكد الأطباء، على التغطية الصحية مثله مثل أي مريض آخر، في حال كان منتسباً إلى إحدى المؤسسات الصحية الضامنة، ويشمل ذلك بدل الأدوية والمعاينة الطبية، وبدل استشفاء، لكن شركات التأمين لا تغطي ذلك النوع من الأمراض.
ويعتبر كلّاب أن خطوة وزارة الصحة بتوحيد تعرفة الاستشفاء بين المستشفيات وبين المؤسسات الضامنة، أدت إلى التخفيف من الفاتورة الطبية التي يدفعها المواطن، من ستين في المئة إلى ما يقارب الخمسين في المئة.
في المقابل، يوضح جراح الأعصاب الدكتور حليم عبود أن أدوية الأعصاب المدرجة ضمن التغطية الصحية هي الأدوية المتاح سعرها لعامة الناس، أما الأدوية المرتفعة الثمن فهي غير مدرجة لا في لوائح المؤسسات الضامنة ولا وزارة الصحة، وأبرزها أدوية مكافحة للاكتئاب.
لا إحصاءات بعد ..
يؤكد رئيس الجمعية اللبنانية لجراحي الدماغ والأعصاب الدكتور سلام كوسى أنه من غير المتاح معرفة مدى ازدياد عدد مرضى التوتر العصبي، بسبب الافتقاد إلى الإحصاءات، ولكنه يؤكد أنه «من الناحية العملية، فإن عدد مرضى ضغط الدم وتصلب الشرايين التي تغذي الرأس والجسم، والشعور بالإرهاق وقلة النوم في حالة ازدياد».
ويقول كوسى إن عدداً كبيراً من المرضى الذين يعانون من أوجاع في الرأس، يخضعون لفحوص مخبرية لمعرفة ما إذا كانوا يعانون من داء الشقيقة أو من ورم دماغي، لكن يتبين بعد الفحص أن التأثيرات النفسية هي التي سبب الأوجاع.
ويرى كلاب، من ناحيته، أن إثبات العلاقة بين التوتر وبين الأمراض الجسدية يأتي عبر المقاربة الطبية من خلال المراقبة والأبحاث، ومن الأمثلة على الأمراض الناتجة عن التوتر أو تلك التي يزيد التوتر من انتشارها، القرحة المعدية، والربو، وداء الشقيقة، وارتفاع حرارة الجسم، وارتفاع الضغط الذي يعتبر أحد أسباب تصلّب الشرايين وما ينتج عنه من احتمالات حصول الذبحة القلبية أو الفالج.
ويتحدث كلّاب أيضاً عن وجود علاقة بين التوتر وبين انخفاض المناعة في الجسم، وخاصة عندما يصل الإنسان إلى حال من الحزن أو اليأس، موضحاً أنه إذا «كان هناك شخص مصاب بالسرطان مثلاً، وعولج منه، ثم عاش حالة حزن طويلة، فإن المرض ينهض من جديد».
ممارسة الهروب
وبالإضافة إلى العوارض الجسدية، تتراجع، كما يوضح كلاب، إمكانيات الحوار بين الناس، وبين أفراد العائلة الواحدة، وتتراجع بالتالي إمكانيات العيش بسلام، ويتم استبدال الحوار بردود الفعل السريعة والمتشنجة.
ويشير إلى وجود عدد كبير من الأشخاص الذين يهربون من سماع الأخبار السياسية والأمنية باتجاه حضور الأفلام والبرامج الفنية، لكن ما يفعلونه يبقى أولاً وأخيراً «ممارسة للهروب».
أما الدكتور وائل المصري، وهو طبيب أعصاب في مستشفى «حمود»، فيرى أن التوتر العصبي يزيد أيضاً أعراض الأمراض النفسية مثل الفوبيا والوسواس القهري، ويؤكد أنه يكاد لا يمر يوم إلا ويستقبل فيه مريضاً يعتقد أن لديه مرضاً عضوياً، ثم يتبين أن الأعراض ناتجة عن التوتر العصبي: «أستطيع القول من دون أي تردد إنه توجد زيادة في الإصابات».
ويوضح أن المرضى يعربون عن قلقهم على مصيرهم، ويبدي العديد منهم رغبته بالسفر إلى خارج لبنان. وهناك حالات تستدعي الدخول إلى المستشفى، ويكون أصحابها مصابين إما بالاكتئاب الشديد مع التهديد بالانتحار، أو بالهذيان الذي يهدد صحتهم، أو أنهم يمارسون أعمال عنف مثل اللجوء إلى تحطيم الأغراض التي يصادفونها أمامهم، وهؤلاء جميعهم يكونون قد وصلوا إلى مستوى ألغوا فيه إمكانيات التفكير في المشاكل التي يعيشونها.
ويتوقف الدكتور في الأمراض العصبية حليم عبود عند ازدياد الحالات العصبية بين الفئات الشابة، ويقول إنه أخذ عينة عشوائية من مرضاه بلغت مئة شخص، وأجرى إحصاء لنوعية الأدوية التي وصفها لهم، فتبين أن نسبة الذين يتناولون أدوية أعصاب من الشباب بلغت خمس عشرة في المئة وهي في ازدياد مستمر، يضاف إليهم نسبة من كبار السن، ويعيش الكثير من هؤلاء في خضّم خلافات زوجية.
وهناك ثلاثة أعراض يعاني مرضاه منها: أولا، شعور دائم بأوجاع في الرأس والجسم وخاصة الظهر. ثانياً، العجز عن النوم أو النوم بشكل متقطع. ثالثاً، الإصابة بحالات الكآبة.
حدود القدرة على التحمل
يجمع الأطباء الأربعة على أن عوارض التوتر زادت كثيراً بعد حرب تموز، ويعتبرون أن سنوات الحرب التي عاشها لبنان، أدت إلى انخفاض القدرة على التحمل لدى المواطنين تجاه الأحداث التي يواجهونها.
ويشير كلاب إلى سنوات الحرب الأهلية ليقول إن المواطنين كانوا حينها يتحملون ضغط الحرب اليومي «لأن الأولوية بالنسبة إليهم كانت الحماية من الموت، ولكن، عندما تنتهي جولة العنف كانت تحصل حالات من الانهيار العصبي، والتعبير عن مشاعر اليأس، كأن الجسم يصنع سياجاً لحماية نفسه، ثم ينهار ذلك السياج، ويظهر التأثير السلبي للحرب «. وحالياً، ينقسم الناس في ردود فعلهم تجاه موجات التوتر السياسي والأمني إلى نوعين: الأول هم الأشخاص الذين اكتسبوا القدرة على التحمل، ويكملون حياتهم معتبرين أنه مر عليهم الكثير، لكن هؤلاء يترددون في اتخاذ القرارات بشأن أي مشاريع خاصة.
أمّا النوع الثاني، فهم الأشخاص الذين أضعفتهم تجربة الحرب وجعلت لديهم حساسية تجاه أي حادث يذكرهم بها، مثل سماع صوت إطلاق النار، أو انفجار إطار سيارة، أو متابعة برنامج يحتوي على مشاهد عنف، وفي حال استمرّ تذكيرهم الدائم بالحرب، تظهر لديهم مشكلات صحية.
ويقول الدكتور المصري إنه هو شخصياً عاش فترة الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي وهو يطرح على نفسه السؤال حالياً: إذا حصلت الحرب مرة جديدة هل سأعرض أولادي للتجربة نفسها وأبقيهم في لبنان؟

Script executed in 0.17793607711792