لكنّ المسؤول لفت في الوقت عينه إلى أن "لا شيء يمنع المفاجآت في شرقكم المعقد، فعود ثقاب هناك قد يشعل الأوضاع".
وفي تفاصيل الكلام اشار الى بروز ثوابت عدة، ومتغيرات قليلة، وأما الثوابت فهي التالية: "لا شيء في التحركات العربية والدولية سيوقف القرار الاتهامي، ولكن صدوره لا يعني تسريع عجلة الامور نحو محاكمات او ملاحقات سريعة، ذلك ان التكاليف باهظة على كل المستويات. ومن غير المنتظر مثلا ان يصدر أي شيء جديد بعد القرار الاتهامي قبل نهاية العام 2011".
وفي الحديث عن الرغبة السورية بدور فرنسي تركي، كاد المسؤول الدولي الكبير أن يكون جازما لجهة القول، بأن "العام المقبل في تركيا سيكون محصورا بشؤون انتخابية ودستورية وحزبية داخلية كثيرة، ومن غير المنتظر حصول اختراقات في الدور التركي على مستوى الجوار الاقليمي او المنطقة، ولكن انقرة ستواصل السعي مع بعض الدول لجهة ضبط الملف العراقي وتفرعاته الكردية خصوصا بعد التحسن الكبير الذي طرأ على علاقات انقرة بكردستان العراق". ولفت الى أنه "لن يحصل جديد في الملف الايراني على الاقل في الفترة القريبة المقبلة، والعمل الدولي والاسرائيلي جار حاليا على إيذاء ايران من خلال منافذ اخرى غير الحرب المباشرة، ومنها مثلا : تدمير الحواسيب وإرسال فيروسات لتعطيل القدرات الالكترونية، اغتيال عدد من العلماء ومحاولة اغراء بعضهم الآخر، التضييق على المجال النفطي حيث إن ايران خفضت انتاجها بما يقارب مليون برميل يوميا، اقناع روسيا بتصليب موقفها أكثر حيال البرنامج النووي، والاستمرار في تأجيج اضطرابات داخلية من خلال الايحاء بأن العالم ينتظر من المعارضة تحركا لكي يدعمها بقوة، اضافة طبعا الى الحصار الاقتصادي".
هذا بالنسبة للثوابت، اما المتحولات فرصد المسؤول الدولي الكبير أبرزها كالآتي: "لبنان وسوريا سيكونان امام مشكلة حقيقية تتعلق بالغاز، ذلك أن اسرائيل بدأت حملة حثيثة وبعيدة عن الاضواء حيال قبرص واليونان والدول المعنية بالاكتشافات النفطية الساحلية، وهذه الحملة سوف تتكثف ما سوف يستدعي استراتيجية عربية فاعلة ضدها. مشكلة النفط في العراق ستكون قنبلة موقوتة بدأت شراراتها الاولى تظهر مع الكلام في كردستان عن تقرير المصير او الفدرالية، وهذا كلام مقنع لرغبة في الانفصال، ولو فتش المرء عن السبب سيجد بعضه في نفط كركوك. لن يستطيع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الإيفاء بالوعود الكثيرة التي قطعها بغية تشكيل الحكومة، ذلك أن بعض هذه الوعود تبدو عقيمة وغير قابلة للايفاء، وهذا ما سيجعل الحكم المركزي في العراق هشا وعرضة لتقلبات كثيرة، ويكفي ان يقرأ المرء تلك الوعود التي قطعت مثلا للاكراد، او ان يراقب مشكلة الغاز في الانبار، او احتمالات تمديد عمل القوات الاميركية او انسحابها بشكل كامل فجأة ليفهم أن العراق مقبل على فترة عصيبة، وهذا سينعكس بدوره على دول المنطقة التي لن تجد أمامها سبيلا سوى ادارة الازمة لفترة غير قصيرة ومنع الانفجارات. الانفجارات المقبلة في العالم العربي ستكون مائية بالدرجة الاولى، ذلك انه بعد سنوات الجفاف في الشرق الاوسط، بدأت مشكلة المياه من لبنان حتى أفريقيا مرورا بمصر والاردن، تؤسس لحروب مقبلة، ولكن الحروب ليست للمدى المنظور. ان تأرجح السودان صوب الانفصال الجنوبي وحروب داخلية مقبلة تبدأ في منطقة آبيي بين قبائل المسيرية العربية الشمالية والدينكا الجنوبية وقد تمتد مجددا الى دارفور، يعني أن دولا عربية مثل مصر ستكون مضطرة لادارة ازمات في عمق امنها الاقليمي والقومي، خصوصا ان اسرائيل بدأت تكرس واقعا سياسيا وأمنيا ومائيا في المنطقة مرشحا للتفاقم. سيكون الخليج في المرحلة المقبلة في مرحلة تسريع عجلة التسلح، ذلك ان قلقه يتنامى حيال ايران، وثمة من يدفع لتعظيم هذا القلق، وسيكون جزء منه مضطرا لادارة ازمة اليمن المتفاقمة والتي قد تخرج بين وقت وآخر من ضوابطها مهما تكثفت الرعاية الاميركية، فاليمن محفوف بمخاطر كبيرة لا تقتصر على انبعاث الشبح الحوثي بل خصوصا تمتد الى الحراك الجنوبي الذي صار يطرق ابواب صنعاء، وإلى شبح القاعدة الذي يقلق الغربيين الى حد التفكير بالتدخل العسكري المباشر هناك. ان تكثيف تحركات تنظيم القاعدة في الآونة الاخيرة، يشير بوضوح الى ان اسامة بن لادن ورفاقه يعدون للانتقال الى مرحلة متقدمة، وهذا ما سيجعل الاميركيين المحبطين من تكثيف الاختراقات ضدهم في افغانستان مشغولين مجددا مع الدول الغربية وبعض الدول العربية في ايجاد وسائل لتطويق تمدد القاعدة، وهذا يفترض الاعتماد على دول عربية مناهضة للقاعدة والارهاب وبينها مثلا سوريا".
وبين هذه المتغيرات وتلك الثوابت، ختم المسؤول الدولي الكبير خريطته بنصيحة للبنانيين مفادها: "انظروا الى ما حولكم لتفهموا ما عندكم، فالاولوية الدولية حاليا هي لكبح الارهاب ولإيران وأفغانستان والعراق والباقي تفاصيل...". ما يعني عمليا ان دور المحكمة الدولية يسهم في تطويق ايران وحلفائها وليس فقط لأجل الحقيقة. وأما الاستنتاج الاهم الذي يسوقه المسؤول الدولي فيقول: "المشكلة في لبنان ان اطرافه غالبا ما يترجمون التطورات الاقليمية والدولية بتوترات داخلية ولذلك، فإن الحرب الممنوعة حاليا لا تعني ان لبنان مقبل على فترة راحة، فما بعد القرار الاتهامي سيترجم بتعقيدات حكومية كبيرة وربما بحوادث أمنية، ولذلك فإن الجهد المبذول حاليا على أكثر من مستوى يراد له لجم ما قد يحصل لكي لا يغرق لبنان اولا في فراغ حكومي كما حصل سابقا، ولكي لا ينتقل التوتر الى مرحلة أخطر".