أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تفادي العطش: خطّة هيكلة قطاع المياه: الحقوق المائية بدل الملح والوسخ

الثلاثاء 28 كانون الأول , 2010 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,934 زائر

تفادي العطش: خطّة هيكلة قطاع المياه: الحقوق المائية بدل الملح والوسخ

منذ أقل من عام تقريباً بدأ العمل لإعادة هيكلة قطاع المياه المترهّل في لبنان. والنتيجة ظهرت على شكل استراتيجيا متكاملة تهدف الوزارة المعنية عبرها الى معالجة أوجه الخلل في مختلف المجالات حتّى السنة 2035. الاستثمارات المطلوبة تبلغ 7.7 مليارات دولار، فيما تبقى الخشية من العرقلة السياسية وبعض الثغر المحتملة


حسن شقراني - الاخبار

تحمل خطّة العمل الطويلة الأجل (استراتيجيا)، التي تطرحها وزارة الطاقة والمياه لمعالجة أوضاع «المورد الحيوي الأوّل للحياة»، الشعار التالي: «المياه: حق لكل مواطن... ثروة لكل الوطن». فقد أدّى إهمال هذا القطاع إلى فقدان المواطن «حقوقه المائية».

من مياه الشفة إلى الري، ومن شبكات التوزيع إلى الإدارة، يُلحظ نقص حاد. وليس هناك أبلغ من الحقائق التالية لتلخيص الحقيقة المرّة: 48% من مياه لبنان تُهدر، 50% من شبكات التوزيع يتجاوز عمرها 25 عاماً، 6% فقط من الري يتم عبر الطرق الحديثة، 8% فقط من المياه المبتذلة تُعالج، نسبة الشواغر في مؤسسات المياه 67%...

إذا استمر الوضع كما هو فسيُترجم مزيداً من العطش والجفاف والتلوث البيئي وحتّى الفقر. بل إنّ الوزير جبران باسيل كان أكثر وضوحاً وصراحة خلال تقديمه الخطّة: «الملح والوسخ» هما اللذان سيسودان إذا لم تُطبّق الاستراتيجيا بإجماع وطني.

فقد وصل الوضع في القطاع إلى درجة من البؤس لا تقارن بأوضاع المنطقة المحيطة بنا، فضلاً عن البلدان المتقدّمة. ولهذا تتحدّث الاستراتيجيا عن أهداف محدّدة: «تأمين مياه الري وخدمات الصرف الصحي على نحو دائم وتحقيق أفضل خدمة ممكنة مع احترام المعايير البيئيّة والاقتصادية والاجتماعية».

تقوم الخطة، التي أسهمت في صياغتها مؤسّسات محليّة ودولية، على إحداث نقلات نوعية في محورين أساسيين: البنى التحتية والإدارة. وفي كلّ محور مجموعة مبادرات تتصدى لكلّ مجال على حدة من أجل تطوير الصورة الكليّة والوصول إلى استدامة حقيقية.

على صعيد البنى التحتيّة تضع الخطّة نصب عينيها تحقيق مجموعة من الأهداف: 1- تحسين تصريف المصادر السطحية بقيمة 64 مليون متر مكعب. 2- التغذية الاصطناعية للمياه الجوفية حتى 200 مليون متر مكعب. 3- التخزين الجوفي في السدود والبحيرات الجبلية بحجم ثابت يبلغ 670 مليون متر مكعب، ومتحرك حجمه 880 مليون متر مكعب. 4- تأهيل أو إبدال 2800 كيلومتر من شبكات النقل و190 ألف متر مكعب من الخزانات. 5- تأهيل أو إبدال 9600 كيلومتر من شبكات التوزيع، ومليون عدّاد منزلي. 6- تأهيل أو توسيع الرقعة الزراعية بزيادة 30 ألف هكتار بين عامي 2011 و2020 لتصل الى 60 ألف هكتار عام 2035. 7- زيادة تغطية الشبكات تدريجاً وصولاً إلى 95% عام 2020.

أمّا في شأن الإدارة فتطرح الخطة سلّة من التحسينات تعنى بإعادة هيكلة أو تحسين أداء مؤسّسات المياه إضافة إلى تعديل التعرفات والانتهاء من قانون المياه الذي «جهزت مسوّدته ويحتاج إلى بعض التعديلات لإنهائه»، على تعبير باسيل، إضافة إلى التعمّق في موضوع التغيّر المناخي من خلال المبادرة البيئية وزيادة الوعي.

وتبلغ قيمة الرساميل الاستثمارية المطلوبة في المدى القصير والمتوسط والطويل لإنجاز الاستراتيجيا المطروحة وتقديم خدمات مياه «جيّدة جداً»، 7.7 مليارات دولار بين سنوات 2011 و2020. وبحسب وزير الطاقة فإنّ 1.6 مليار دولار من هذا المبلغ مؤمّنة فعلاً من خلال مشاريع قائمة أو «أموال محجوزة» (بانتظار استثمارها).

يبقى إذاً 6.1 مليارات، يُمكن تأمينها من خلال 3 مصادر، بحسب باسيل. الأوّل هو، بطبيعة الحال، هو الأموال العامّة، أي ما يُمكن تخصيصه لقطاع المياه من بند «الاستثمارات» في الموازنات العامّة. والثاني هو الاقتراض من الداخل أو الخارج، والثالث هو القطاع الخاص.

وهنا لا بدّ من التشديد على أنّ التمويل عبر الاستدانة يجب أن يتم بأفضل الفرص الممكنة نظراً للقطاع الاستراتيجي الذي نحن في صدده (بما يعني ألّا تكون القروض لمصلحة الدائن لا المدين مثلما جرت العادة بعد الحرب). والأهم هو مسألة الشراكة مع القطاع الخاص. ففي حسابات الأرباح والخسائر قد يتحوّل إيصال المياه إلى المواطنين إحداثية في محافظ المتموّلين ويُصبح الشرب والري والاستحمام رهناً برأس المال!

إلى جانب الأكلاف الاستثمارية هناك أكلاف الصيانة والتشغيل التي تقدّرها الخطّة بملياري دولار خلال السنين العشر المقبلة.

وفي المقابل، تتوقّع الخطّة، في حال تطبيقها، ارتفاع المداخيل في القطاع من 110 ملايين دولار (الرقم المسجّل عام 2009)، إلى 520 مليون دولار سنة 2020.

«تلك المداخيل هي التي يمكنها أن تحقق إصلاحاً فعلياً في القطاع» وفقاً لجبران باسيل. وفي هذا التصوّر مقاربة تقضي بتحسين الجباية ورفع عدد المشتركين من 700 ألف تقريباً إلى مليون مشترك. ولكن هنا يجب التنبّه إلى أنّ البنك الدولي، على سبيل المثال، شدّد في تقرير أصدره أخيراً على أنّ الاتفاق التعاقدي الجديد المفترض بين القطاع العام والمستهلكين يجب أن يقوم على «تقاسم الفوائد والأكلاف بين المستهلكين وشركات المياه بطريقة مقبولة من الطرفين». ولهذا يجب أن تُدرس جيّداً تداعيات رفع المداخيل في الخطّة، مثل فرض تعرفة على استخدام خدمات الصرف الصحي نسبتها 25% من كلفة المياه، بحسب الاستراتيجيا.

تقنياً، تؤمّل أرقام الخطّة بالنجاح، وتنموياً من غير المسموح لها أن تفشل، لأنّ الموضوع هنا ليس سوقاً تجارية (!) ومن المأمول ألّا يصطدم التطبيق بالعرقلة الاعتيادية للملفّات الحيوية في البلاد، وأن نمضي قدماً في بنود الاستراتيجيا بحسب شرح باسيل: إذا طُبقت الخطة يمكن أن نصل سنة 2014 إلى توازن مالي بين المداخيل وأكلاف الصيانة والتشغيل، على أن نصل سنة 2020 إلى مرحلة توازن كلي يتضمّن الاستثمارات أيضاً.

قدّم الوزير الخطة الطموحة و«غير السهلة» بالتشديد على أنّ المهمّ الآن هو «الحصول على الموافقة من مجلس الوزراء» وحذّر من أنّ «البديل من تنفيذها مخيف جداً، فالبلاد لا تملك محطات تكرير لمياه البحر». ومن هذا المنطلق يُصبح من غير المقبول تحاشي الالتزامات عبر القول: لا نملك استثمارات. «فالموضوع بكلّ بساطة غير قابل للنقاش علمياً»، ولكن من المعروف أن هناك من يسير في هذه البلاد بعيداً عن سكّة العلم كلياً، وآخر مآثره كان في عرقلة استقدام بواخر كهرباء لتغطية جزء من العجز المرضي في البلاد. فلنأمل أن تبتعد الأمراض عن مسار خطّة المياه.


1.6 مليار م3 سنوياً

القدرة الإنتاجية السنوية لمصادر المياه يمكن أن تصل إلى 2.2 مليار متر مكعب. يُهدر نصف هذه الكمية ويُخصّص 70% من الباقي للري


6 في المئة

نسبة التخزين السطحي للمياه من كمية الموارد المتجددة في لبنان، فيما تبلغ 117% في سوريا و295% في مصر. ويعود ذلك إلى عدم إنشاء السدود


أهمية السدود

سيزيد عرض المياه على نحو كبير نتيجة إنشاء السدود لأنها ستؤمّن 880 مليون متر مكعب (متحرك)، فيما الزيادات لا تتخطى 50 مليون متر مكعب في المجالات الأخرى، مع العلم أن الحلّ الذي تقترحه الخطّة لا يمكن تجزئته وفي صميمه «حسن استعمال المياه الجوفية لأنها تمثّل المخزون الإستراتيجي الأساسي لمياهنا» بحسب الوزير باسيل

Script executed in 0.19882893562317