ففي تمام الساعة الـ 11 ونصف قبل عامين من اليوم أغارت أكثر من 80 طائرة «اسرائيلية» معبأة بالحقد التلمودي على أبناء شعبنا وعلى العشرات من المواقع الفلسطينية من شمال القطاع الى جنوبه مما خلف المئات من الشهداء في اقل من ربع ساعة إيذاناً منها ببدء العدوان على غزة، أما السبب –وطبعا لا يحتاج العدو سبباً لارتكاب المجازر- فكان خيار هذا الشعب الطريق المقاومة.
كانت حصيلة شهداء هذا العدوان وكمرحلة أولى ما لا يقل عن 1500 شهيد توزعوا كالتالي: 450 طفلا أعمارهم أقل من 16 عاماً، و 117 من النساء، و 126 من كبار السن، و 15 من الطواقم الطبية، و 4 صحافيين، ومازالت حتى اليوم تستهدف قوات العدو مناطق غزة الحدودية ما أسفر عن استشهاد ما يقارب 150 غزياً خلال العام المنصرم.
ذكرى أم واقع قريب!
يحيي الفلسطينيون في قطاع غزة الذكرى الثانية للحرب الأليمة، والتي تعتبر مناسبة لتجديد عهد الصمود والمقاومة، وتكريم الشهداء والمناضلين، هذا إضافة إلى تذكير العالم باغتيال الضمير الانساني الذي لم يحرك ساكناً ضد آلة الإرهاب الصهيونية.
تستذكر غزة العدوان اليوم وسط تهديدات لقوات الاحتلال بشن حرب جديدة على القطاع، وتصعيد لافت ضد المقاومة، بالإضافة الى استمرار الانقسام المسيئ الى قضية الشعب الفلسطيني وعائق أمام الانتصار على الاحتلال، بالاضافة إلى استمرار الحصار على أكثر من مليون ونصف مواطن غالبيتهم من الأطفال.
وقد صرح القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش أمس، قائلاً: «إن المشهد خلال هذة الأيام يتكرر لما سبق الحرب الأخيرة على غزة والذي يصادف اليوم الذكرى الثانية لها».
واعتبر البطش خلال حديث صحافي، «ان الاحتلال في مأزق حقيقي وان قرار الحرب مرة أخرى على غزة قد اتخذ ولكن المسألة مسألة وقت ويجب علينا التنبه والاستعداد جيداً»، مطالباً بضرورة إنشاء وحدة عمليات مشتركة من الفصائل الفلسطينية كافة للاستعداد لما هو مقبل.
كما اعتبر أن الانقسام الداخلي هو الشئ الوحيد الذي يؤلم النفس، والذي لابد من وضع حد له وبسرعة، واصفاً وضع الانقسام بأنه أصعب من العدوان والاحتلال وان المصالحة الفلسطينية هي القوة الوحيدة لشعبنا امامه.
الاحتلال يهول إعلامياً
في هذا الإطار، كان رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال الجنرال غابي اشكنازي الاسيوع الماضي، قد حذر من ان الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة قد تكون هشة وقابلة للاشتعال .
وذكر اشكنازي انه سيتم نصب كتيبة مكلفة بتشغيل منظومة قبة الحديد لاعتراض القذائف الصاروخية على الحدود مع قطاع غزة خلال العام المقبل، مشيراً إلى ان نشاطات الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة قد ازدادت خلال العام الماضي.
كما أشار إلى ان جيش الاحتلال يعمل داخل القطاع على بعد مئات الأمتار لإحباط عمليات الفصائل الفلسطينية.
وكانت قوات الاحتلال قد قررت الاسبوع الماضي أيضاً، نشر الكتيبة «المدرعة 9» على الحدود مع قطاع غزة، وذلك في أعقاب تصاعد التوتر خلال الأيام الماضية.
وتعتبر هذه الكتيبة الوحيدة في لواء المدرعات للجيش «الاسرائيلي» التي تم فيها تزويد دبابة الميركافا 4 بمنظومة الدفاع «معطف الريح».
الحرب في أرقام
بدأت الحرب على غزة يوم السبت بتاريخ 27/12/2008 وانتهت يوم الاحد بتاريخ 18/1/2009 أطلق الاحتلال عليها اسم الرصاص المصبوب.
بدأت العملية الجوية يوم السبت الساعة 11:30 صباحا بمشاركة 80 طائرة حربية.
وبدأت العملية البرية مساء يوم السبت بتاريخ 3/1/2009 بمشاركة 35 الف جندي يهودي، وكان حصاد اليوم الاول 210 شهداء من الشرطة وتدمير 23 مركز شرطة.
الحصيلة النهائية 1417 شهيدا و5500 جريح وتدمير 3350 منزلا بشكل كامل وتدمير 27 مسجدا، واطلقت «إسرائيل» 2500 صاروخ على غزة ونفذت طائراتها 2500 غارة ومجموع المتفجرات التى نزلت على القطاع تقدر بحوالى مليون كيلو جرام (الف طن).
وزعمت قوات الاحتلال وبدعم دولي، بأنها هدفت من حربها على غزة الى عدة أهداف، منها إنهاء حكم حماس فى غزة وضرب خيار المقاومة، وتدمير منصات الصواريخ وإعادة الجندى شاليط.. ولكن في حال فشلها من تحقيق أي هدف نفت ان تكون العملية لتلك الاسباب.
دمرت منازلهم أما هم ..
وفي هذا السياق، أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً في الذكرى السنوية الثانية للعدوان على قطاع غزة (عملية الرصاص المصبوب)، ويحمل التقرير عنوان «عامان على العدوان على غزة ... أوضاع المهجرين قسرياً من ضحايا هدم المنازل».
ويبدأ التقرير بمقدمة موجزة تستعرض أوضاع حقوق الإنسان واستمرار تدهورها ثم يستعرض بدء العدوان والطابع العام للهجمات التي استهدفت المدنيين وممتلكاتهم والأعيان المدنية على نطاق واسع. ومن ثم يستعرض التقرير بإيجاز استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة للعام الرابع على التوالي ومساسه بجملة حقوق الإنسان ولاسيما آثاره الكارثية على حق الإنسان في سكن مناسب في قطاع غزة، وأثره في عرقلة جهود إعادة الإعمار، ثم ينتقل إلى تناول موقف القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من الحصار ومن انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني. وينتقل التقرير إلى استعراض جهود مساعدة ضحايا هدم المنازل من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية المحلية والدولية. ويبرز الجهات التي قدمت مساعدات مادية الى الضحايا وقيمة تلك المساعدات وأعداد المستفيدين منها وجهود الترميم وإعادة البناء، ويظهر رأي عينة صغيرة من الضحايا حول مدى رضاهم عن الجهود المبذولة لمساعدتهم.
حالات من الميدان
كما يستعرض التقرير خمس حالات دراسية لضحايا دمرت منازلهم وتعرضوا لتجربة قاسية خلال العدوان فمنهم من استخدم كدرع بشري ومنهم من أصيب وفقد أبنه. ويروي الضحايا معاناتهم بعد هدم منازلهم وفقدانهم لمقتنياتهم ومدخراتهم ومعاناتهم المستمرة جراء تشردهم المستمر ونفاد المساعدات التي قدمت اليهم. وتضيئ روايات الضحايا على جوانب أخرى من معاناة سكان قطاع غزة بسبب تفشي ظاهرتي الفقر والبطالة بين سكانه، والحصار وأثره في حرمانهم من إعادة تأهيل مساكنهم.
ويخلص التقرير إلى جملة من الحقائق يلخصها على النحو الآتي، أولاً، قامت قوات الاحتلال بهدم منازل المواطنين وتدمير ممتلكاتهم في انتهاك جسيم ومنظم لقواعد القانون الدولي، حيث تشير الحالات الواردة – وهي عينات فقط لغرض التحقق – إلى أن الهدم تم إما أمام عيون أصحابه والقوات متوغلة وتسيطر على المنطقة، وأن الحالات الأخرى كانت المنازل في مناطق حدودية كانت تحت السيطرة المطلقة لقوات الاحتلال ولا يمكن التذرع بالضرورة الحربية.
ثانياً، استهدفت قوات الاحتلال المنازل السكنية بشكل منظم كما استهدفت المدنيين في داخلها وأيضاً دونما ضرورة كما يتضح من رواية السيدة عواجة في الحالة الثانية، أما ثالثاً فتشير الروايات إلى أن رغبة السكان في الشروع في البناء كانت جامحة ولكن نقص مواد البناء وأسعارها المبالغ فيها – جراء استمرار الحصار والإغلاق المفروض على قطاع غزة ستة أشهر قبيل العدوان الإسرائيلي – عاملان أسهما في معاناة السكان وكلفا المانحين الدوليين والحكومة خسائر مضاعفة بسبب ارتفاع كلفة ترميم وصيانة المنازل المتضررة جزئياً وحالا دون الشروع في إعادة بناء المنازل المدمرة كلياً وبالتالي أسهما في مضاعفة الخسائر وأطالا من عمر معاناة الأسر المهجرة قسرياً.
رابعاً، وتشير الإحصاءات والتي تعززها المعلومات الميدانية سواء تلك التي جمعها باحثو مركز الميزان أو التي ترد في الجدول الإحصائي للجهات التي قدمت المساعدات وعدد المستفيدين إلى جملة حقائق أهمها، أنه في كثير من الحالات لم تكن هناك مراعاة للفروق بين المساكن المتضررة كلياً وكان المعيار الأهم هو حجم الهدم وأوراق الملكية.
وبعض المنازل المهدمة أعيد بناء بديل لسكانها من الطين وعلى مساحات صغيرة لا تفي بحاجة السكان الذين يقبلون بالأمر كأمر واقع في ظل غياب الخيارات، كما لم يتم توضيح المساعدة المالية وإذا ما كانت قد دفعت في سياق تحمل نفقة الإيجار من قبل الجهة التي تقدمها، أم أن جزء منها بدل إيجار والجزء الآخر هو للمساعدة في شراء متطلبات الأسرة، ما ساهم في مصدر جديد لمعاناة المهجرين وخاصة من العاطلين عن العمل، إضافة الى عدم توافر شقق للإيجار ما أسهم في مبالغة المؤجرين في قيمة الإيجارات حيث تركت قيمة الإيجارات لقانون العرض والطلب ولم يلمس أي تدخل لوقف ارتفاع قيمة الإيجارات.
انتهاك دولي
وفي خاتمة التقرير يجدد مركز الميزان تأكيده على أن الممارسات «الإسرائيلية» التي يتضمنها التقرير تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، وخصوصاً هدم المنازل على نطاق واسع دون أي ضرورة عسكرية. وقد أضافت هذه الانتهاكات عشرات الآلاف من الضحايا إلى عشرات من الآلاف قبلهم، ممن هدمت قوات الاحتلال منازلهم في السنوات التي سبقت العدوان الذي بدأ في كانون الثاني 2008.
ويؤكد التقرير أنه بينما يحتاج ضحايا هذه الانتهاكات الى الغوث والمساعدة بشكل فاعل وعاجل، فإنه من المهم جداً العمل على ضمان عدم عودة قوات الاحتلال إلى مثل هذه الممارسات في المستقبل، وهو ما لن يتأتى بدون ضمان مساءلة ومحاسبة مرتكبيها. إن أي تدخل في الوضع الذي يصفه هذا التقرير يجب أن يشمل إغاثة الضحايا وعقاب مرتكبي الانتهاكات واتخاذ خطوات لضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل، مطالباً المجتمع الدولي بعدة نقاط أهمها، ضمان محاسبة «اسرائيل» ومساندة ضحاياها المدنيين.