أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«القاعدة» في لبنان: منطلقات نظرية وأقسام متكاملة {2}

الأربعاء 29 كانون الأول , 2010 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,461 زائر

«القاعدة» في لبنان: منطلقات نظرية وأقسام متكاملة {2}

للمملكة العربية السعودية تاريخ طويل في محاربة محاولات الخروج عن الدين والملة في المنطقة العربية وديار الإسلام. لديها تجربة تكاد ترقى إلى تاريخ تأسيسها الأول على يد تحالف آل الشيخ وآل سعود. وفي التاريخ الحديث لها أياد بيضاء في إشغال الحركة الناصرية ومصر التي يرأسها جمال عبد الناصر عن مشاريعه السياسية، بغض النظر عن تقويم هذه المشاريع.

لم تكن حرب اليمن (1962ـــــ1970) في مواجهة المد الناصري أولى تجارب المملكة الغنية بالنفط والدين في وضع حد لامتداد ثورات وتحولات تهدد مصالحها ومصالح دول عربية أخرى، ومصالح الولايات المتحدة، الصديق الأبرز للأسرة الحاكمة في بلاد الحجاز. ولن تكون حرب اليمن والحد من طموحات عبد الناصر آخر الخطوات، ولا أكبرها، إذ كانت المملكة العربية تسهم بفاعلية في اجتثاث الماركسية من المنطقة العربية، وتمول حملات دينية وسياسية لضرب الأحزاب الشيوعية العربية في المرحلة نفسها.

السلاح الثقيل

آلاف من الفتاوى التي أُطلقت، استناداً إلى المذهب الوهابي المستمد من المذهب الحنبلي وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1262ـــــ 1328)، وكانت تستهدف دائماً استقرار المنطقة على ما هي عليه، من دون الكثير من التعديلات في أنظمة الحكم أو في توازنات القوى. وحين صعد نجم قوى التحرر الفلسطينية وجدت المملكة دائماً باباً لتسويات تغدق فيها على منظمة التحرير المال والعطاءات في مقابل ضمان الاستقرار.
وفي مراحل ترنّح الاتحاد السوفياتي، كانت أفضل المعادلات هي تلك التي قامت بها المملكة، حيث أرسلت خيرة شبانها من المتحمسين، والمؤمنين، ومولتهم، ودربتهم في باكستان وفي العديد من دول العالم، لقتال السوفيات الكفار، بالتحالف مع الأميركيين (أهل الكتاب). واستخدم هنا أيضاً مرة أخرى أثقل الأسلحة في المملكة، المال والفتاوى الدينية، فكف الشبان عن التفكير في أوضاعهم الداخلية، ويمموا وجوههم شطر الجهاد في بلاد الأفغان، في أقصى الشرق، بينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعيش أحلك أيامها في مواجهات عبثية مع الدول العربية من سوريا إلى لبنان، إلى صراع مستميت للحفاظ على كوادرها في مقابل موجات من الاغتيال المنظم نفذتها أطقم محترفة من الجيش الإسرائيلي والاستخبارات الخارجية الإسرائيلية.
وعاشت الانتفاضة الأولى في هم الاستمرار للوصول إلى دولة، أو تسوية، وحينها انشقت الساحة بين إسلاميين وفتحاويين. كان الجهاد المعلن في أفغانستان، ووحدها أفغانستان، وكان الشهيد المؤسس للجهاد العربي في أفغانستان، الفلسطيني الأصل الشيخ عبد الله عزام (1941ـــــ 1989) قد أطلق شعاره «فلسطين بعد قندهار» الذي مات مع مقتل الرجل. وهناك نشأت مدرسة الفكر السلفي الجهادي، المزيج ما بين الفكر الوهابي والجهاد الإخواني.
الفتاوى الصادرة حينها للجهاد أكثر من أن تعد أو تحصر، أغلبها من مشايخ هيئة العلماء في المملكة العربية السعودية. ثم أتت مرحلة الانتصار، وسقط الاتحاد السوفياتي بعيد انسحاب جيشه من أفغانستان، وحينها بدأت أزمة الأفغان العرب. ألوف من المقاتلين العائدين، الذين يطمحون إلى انتصارات في بلادهم وتغييرات في الحكم تتوافق مع الشريعة الإسلامية، دون طائل. ودارت الحروب الأمنية، وبدأت مرحلة تصفية الجهاد.
لم نصل إلى مرحلة الحادي عشر من أيلول، من دون أن تعقد العشرات من التسويات بين الجهاد وحاملي لوائه، وبين الدول والأنظمة، ولا من دون دخول الجهاديين إلى حلبة الصراعات داخل الأسر الحاكمة، سواء في المملكة السعودية أو غيرها، ولا من دون مجازر ارتكبها الجانبان أحدهما بحق اللآخر، السلطات الرسمية، والقوى الجهادية. ولم يصل تنظيم القاعدة إلى افغانستان وينطلق منها لـ«جرّ الولايات المتحدة إلى المنطقة لمقاتلتها على أرض الإسلام» عبر غزوات متكررة، بحسب استراتيجية التنظيم. لم نصل إلى هنا من دون المرور الدموي في السودان والصومال والجزائر وباكستان، وتونس ومصر ولبنان والشيشان وليبيا والسعودية نفسها، والبوسنة، وغيرها العديد من المحطات. ثم كانت مرحلة الحادي عشر من أيلول وغزوات منهاتن، وإسقاط برجي مركز التجارة العالمي، واستدراج الولايات المتحدة إلى أفغانستان، وبعدها ملاقاتها في العراق.

العدو بمأمن

وحدها الدولة الإسرائيلية لم ينلها من راية الجهاد التي رفعت في كل المنطقة أي نصيب. بل على العكس، كانت هذه الراية تصيب كل المناطق المزعجة لدولة العدو. وعلى الرغم من الشعار المعلن لكل القوى الجهادية بالعداء المطلق لإسرائيل، وعلى الرغم من توعد الفصائل الجهادية بحساب عسير مع دولة اليهود، ومن بعدها إطلاق جبهة تضم عدداً من القوى الجهادية تحت مسمى «طرد العدو الصليبي الصهيوني من بلاد الإسلام»، بعدما كان هدف الشيخ أسامة بن لادن طرد القوى الصليبية من شبه الجزيرة العربية فقط. لكن لا شيء حصل على الجبهات العربية الإسرائيلية أو في داخل المناطق التي يقطنها فلسطينيون في الدولة الإسرائيلية.
كانت إسرائيل في تلك الأعوام تمر في مرحلة تراجع بعد قضائها على القوات العسكرية للمنظمات الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية عام 1982، ثم بدأت مرحلة انحسار إسرائيلية بطيئة من سقوط مشروع سلامها مع لبنان رغم غزوها لأراضيه، وما أعقب ذلك.
حين كان الجهاديون يدورون حول الشرقين الأوسط والأقصى، كانت الدولة الإسرائيلية تنتقل في المراحل والأداء، من إسرائيل الكبرى، التي لا حدود لها، والتي تقضم من الدول العربية من دون شفقة، إلى إسرائيل العظمى، وأخيراً، بعد حرب تموز عام 2006، أصبح الشعار «إسرائيل الباقية»، وبدأت حقبة مناورات «نقطة تحول»، واتجهت نحو تعزيز الاستيطان، وحصر الانتفاضة الثانية وحصار غزة لمنع شرورها، والتمدد على حساب أي بذرة لنمو عربي في الداخل الإسرائيلي. وبدأ النقاش عن احتمالات طرد العرب الإسرائيليين، وصار الهاجس هو يهودية الدولة، وكأنها كانت علمانية، لكن بقاءها أصبح مسألة قيد النقاش اليومي.
انتهى النقاش بشأن القدس في الداخل، وبدأت عملية قضم الأراضي العربية والمراكز التي تمثل تاريخية فلسطين كالحرم الإبراهيمي، قضمة قضمة. كل ذلك وإسرائيل تواجه الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم، بينما فتاوى الجهاد تصدر يمنة ويسرة من تنظيم القاعدة حيث يعلن الجهاد حتى في دارفور، لكن ليس في فلسطين.
بل أكثر من ذلك، فإن العمليات العسكرية الجارية في أفغانستان والعراق كانت تغطي العديد من الأخبار التي ترد من إسرائيل، فخبر هدم مسجد شيد قبل نشوء دولة إسرائيل لعدم حصوله على ترخيص إنشاء تغطيه أخبار واردة من العراق عن عملية استشهادية استهدفت موكباً عاشورائياً.
وفي مقابل كل قضمة من المقدسات الإسلامية، كان يمكن الإسرائيليين الإشارة إلى العراق حيث تنظيم القاعدة يفجر المقدسات الشيعية والمسيحية، ويحيل الصراع هناك إلى صراع مذهبي ما بين السنّة والشيعة.

خرق الحصون

ومن كل الجبهات التي تحيط بفلسطين، استخدمت أرض مصر لإطلاق صواريخ نحو الأراضي المحتلة مرة، ومرتين من الأردن أيضاً نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تستخدم الجبهة السورية على الإطلاق، بينما أُطلقت عدة رشقات من الصواريخ من لبنان عبر الحدود مع إسرائيل.
وفي كل مرة كان التنظيم الدولي يحتفل بخرقه لحصار يفرضه حزب الله الشيعي، والجيش اللبناني، وقوات الطوارئ الدولية عليه، وتمكنه من توجيه ضربات إلى العدو. لكن في كل مرة كان التبني يشير إلى منع حزب الله لأي طرف كان من ممارسة المقاومة الفعلية، بينما يمارس الحزب دور الحارس للحدود مع العدو.
لكن الحزب نفسه أعلن في عدة مناسبات، على لسان قيادييه مباشرة على الإعلام، أنه غير معني بحماية الحدود الدولية وكيان العدو من ضربات أمنية مشابهة، معلناً أنه لا يتحمل مسؤولية هذه الصواريخ.
وبدل أن يعمل آلاف من المجاهدين على نصرة فلسطين، ويحاولوا اختراق الساحات التي تحيط بالعدو الإسرائيلي، كانوا ينتقلون، منذ عمليات 11أيلول، من دولة إلى دولة؛ فمن طردهم من أفغانستان إلى باكستان، ثم إلى إيران لاجئين، وإلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ومن السودان إلى الأردن، إلى كل بقاع الأرض. لكن الطاقات التي تمكنت من خرق حصون الولايات المتحدة، وضرب العاصمة التجارية الأميركية عبر عملية أمنية معقدة خلفت جرحاً لا يندمل لدى الأميركيين، وحقداً على«مصدر الشر الآتي من الشرق»، وعلى المسلمين كل المسلمين. فتنظيم القاعدة في أوج صعوده لم يتمكن من نصرة فلسطين، أو توجيه ضربة لإسرائيل، بل اكتفى برفع راية الجهاد في غزة، التي آخر ما تحتاج إليه هو تنظيم القاعدة فوق كل مشكلاتها وحصارها.
وفي تجربتين لبنانيتين، تخلى التنظيم الدولي عن مجموعات حلمت بالعمل انطلاقاً من لبنان لمواجهة إسرائيل. المجموعة الأولى كانت تجربة بسام كنج (أبو عائشة) عام 2000 التي انتهت بمجزرة نُفذت بكل أفرادها. والثانية كانت تجربة فتح الإسلام (2007ـــــ 2008) التي رفض التنظيم الدولي اعتبارها جزءاً من حركته العالمية، ولم يصل إلى تبنيها.
وحدها قد تكون تجربة أبو مصعب الزرقاوي في لبنان جديرة بأن تسجل في إطار محاولة مد اليد إلى لبنان لضرب إسرائيل، عبر أساليب متعددة.
إلا أن الزرقاوي الذي كانت له خلافات ومساومات مع التنظيم الدولي للقاعدة، والذي مد يده نحو الأردن، ولبنان، وربما أبعد، قُتل في عملية أمنية ناتجة من تسرب في المعلومات.

ضوابط وأقسام

يمكن قسمة القوى السلفية عامة في لبنان كما في المنطقة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول هو القسم الدعوي، الذي يهتم بنحو رئيسي بالدعوة الإسلامية ونشر الفكر السلفي، وينشئ الجمعيات والمعاهد التعليمية لهذا الشأن ويستقطب الشبان إلى الدين والالتزام. والقسم الثاني هو القسم الوسطي، الذي يمكنه أداء دور الدعوة والتربية والاستقطاب، ويمكنه كذلك الإعداد للجهاد والدعوة إليه، والحض عليه. والقسم الثالث هو القسم الجهادي، الذي يرى أن أرض الإسلام مدنسة، وواجب على المسلمين النهوض للجهاد لتطهيرها من المحتلين، وهنا يمكن التفرع أيضاً.
ومع بعض الفروق، ومع حفظ لمجموعات واتجاهات في السلفية الدعوية حقها في كونها جهات عقدية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بما يجري في ملفات الصراعات بين القوى في المنطقة، وأنها تعمل «في سبيل مرضاة الله»، فإن القوى الدعوية الرئيسية مصدرها السعودية، ودعوة آل الشيخ، التي بدأت مع جدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومصادرها الفكرية تأتي من الشيخ ابن تيمية وما قبله من الإمام ابن حنبل، وتلتزم ما عرف عن الرسول والصحابة، والسلف الصالح حصراً، وتمنع تطوير الفكر الديني، على قاعدة أن الجديد بدعة، والبدع محرمة في الإسلام. وتفضل هذه الجمعيات الدعوية فتوى الشيخ ناصر الدين الألباني (1914ـــــ 1999) على غيرها، حين دعا إلى عدم جواز بقاء الفلسطينيين في فلسطين تحت سلطات الاحتلال.
وهذا القسم هو الذي يؤكد ولاية الأمر، والطاعة لولي الأمر، ويتبنى الفتاوى التي تشير إلى عدم جواز الخروج على طاعة الأمير، أو الحاكم بصفته ولي الأمر، والتي كانت أبرزها فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز (1912ـــــ 1999)، وهو المفتي السابق للملكة العربية السعودية، الذي أفتى ـــــ من ضمن فتاويه ـــــ بأن من يحكم بغير ما أنزل الله ليس بالضرورة كافر كفر أكبر، على الرغم النص القرآني الذي ينص «ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون» (سورة المائدة)، وذلك في الفتوى الرقم 5741 من اللجنة الدائمة للأبحاث والإفتاء.
وتتكفل المملكة العربية السعودية والعديد من دول الخليج، والجمعيات الإسلامية السلفية في الدول النفطية بتمويل مئات من الجمعيات الإسلامية السلفية حول العالم، وحصة لبنان من هذا التمويل ليست بسيطة، رغم تفضيل المسلمين السنّة في لبنان للاتجاهات الصوفية، وقلة اقترابهم من المذهب الوهابي.
من بين صفوف هذه الجمعيات تبرز بعضها، أو بعض الشخصيات المستقلة لتمثّل القسم الثاني من القوى السلفية، التي يمكنها أن تنام لأعوام بصفتها جمعيات إسلامية خيرية أو تعليمية وتربوية، ولتظهر فجأة في ملفات رئيسية لكونها تدعم قوى جهادية وتمدها بالإمكانات وتسهل انتقال الشبان المؤمنين من الجمعيات الدعوية إلى الجهاد.
وتحصل هذه الجمعيات والشخصيات على تمويلات مشابهة من الدول النفطية ومن بعض العلماء والأمراء، وتمد شبكة علاقاتها في مدار انتشار المسلمين حول العالم، وتؤدي دوراً آخر فائق الأهمية، هو منع امتداد القوى الجهادية إلى كل القوى السلفية وإلى قوى أخرى، فتحمي بصفتها الوسطية جسم المعاهد الدينية من امتداد حملات تجنيد المجاهدين إليها مباشرة. كذلك فإنها أدت في الماضي دور الوسيط بين السلطات المدنية وبعض المجموعات الجهادية، وأدت دوراً مزدوجاً في إخفاء جهاديين وتسليمهم بعد فترة من الوقت إلى القوى الأمنية في لبنان. والقسم الثاني إضافة إلى القسم الثالث الحكر على القوى الجهادية، الذي يضم علماء ومثقفين وعلماء دين أيضاً، هما من يبعد الفكر السلفي عن التفاعل مع محيطه، كالإخوان المسلمين الذين إذا أفرزوا حالة ثورية كما حصل في فلسطين، فإن هذه القوى تكفّر إخوانها من حماس والجهاد الإسلامي، ويصبح بالتالي عدو الإسرائيلي هو نفسه عدو القوى الجهادية.

حرمة التأييد

من ألبانيا إلى داغستان، والبوسنة، والشيشان، وتركمانستان، والصومال، والجزائر وليبيا، ومصر والضنية ومخيم نهر البارد ومخيم عين الحلوة. لكن لم تصل هذه القوى المجاهدة إلى فلسطين، رغم حرقة شبانها الصادقة التي تراها حين تتواصل معهم، للجهاد على أرض المقدس. لكن هناك ما يمنع هذه القوى دائماً ويحول بينها وبين الجهاد ضد الإسرائيليين.
في عام 2006، كانت الولايات المتحدة ترسم عالماً جديداً، وكانت إسرائيل تتولى إعادة حزب الله إلى حجمه، وتعليبه، تمهيداً لوضعه في الطائرات وشحنه مع قياداته إلى المعتقل الأميركي في غوانتانامو. الدول العربية من المملكة العربية السعودية إلى آخرها لم تبد الكثير من التضامن مع الشعب اللبناني، كانت تتضامن مع دموع رئيس حكومة لبنان فؤاد السنيورة حينها على البنى التحتية التي تدمر منهجياً، ووقفت المملكة الشقيق الأكبر والأغنى لتقول إن حزب الله مجموعة من المغامرين، وزاد عليها زعيم تيار المستقبل «سنحاسبهم بعد الحرب».
الحرب بدأت يوم الثاني عشر من شهر تموز عام 2006، وبعد أيام خمسة، في السابع عشر من تموز نفسه، صدرت فتوى (رقم 15903) عن أحد كبار شيوخ هيئة العلماء في المملكة العربية السعودية الشيخ عبد الله بن جبرين (1933ـــــ 2009) تحرم تأييد حزب الله. وجاء فيها أنه رداً على سؤال: هل يجوز نصرة «ما يسمى» حزب الله الرافضي؟ وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين؟ وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنة؟
ـــــ الإجابة: لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي، ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم، ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين، ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرأوا منهم، وأن يخذلوا من ينضموا إليهم، وأن يبينوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنّة، فإن الرافضة دائماً يضمرون العداء لأهل السنّة، ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنّة والطعن فيهم والمكر بهم. وإذا كان كذلك، فإن كل من والاهم دخل في حكمهم، لقول الله تعإلى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾. وتلقت مواقع تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية هذه الفتوى بنحو واسع، وهي لا تزال إلى اليوم مرجع يستند إليه في أدبيات هؤلاء وفي نقاشاتهم.
وبعد الضجة الإعلامية التي أُثيرت حول الفتوى، أصدر الشيخ ابن جبرين توضيحاً لها جاء فيه: «إن الفتوى لا تتعلق بحزب الله فقط، لكنها تتعلق بالروافض الذين يعتبرون أهل السنّة كفاراً».


العراق ولبنان: تقسيم وفدراليات

وُضعت إمكانات كبيرة في الساحة العراقية. عملت قوى تنظيم القاعدة على استقطاب عشرات الآلاف من المقاتلين العرب من كل الدول العربية، ومن بعض الدول الإسلامية إلى بلاد الرافدين. شنّت عمليات ناجحة على القوات الأميركية، وخيضت مواجهات قاسية ربما أهمها معارك الفلوجة الأولى والثانية، ووُفِّرت إمكانات هائلة في الصراع. وكان أبرز القادة هناك أبو مصعب الزرقاوي الأردني، ومن بعده بدأ العمل العسكري يتراجع.
لم يوفر الزرقاوي الشيعة من سيفه. استخدم مئات من الانتحاريين لمطاردة الشيعة، وباليد الأخرى كانت دول رئيسية في المنطقة تموّل أجزاءً محددة من العمل القتالي للقاعدة، فوفرت المملكة العربية السعودية المد البشري، كذلك وفر العديد من أمرائها وشخصياتها ملايين الدولارات للمجاهدين في العراق. وكانت المملكة في كل موجة مطاردة لمجاهدي القاعدة على أراضيها تدفع بالمئات من الشبان للفرار إلى العراق حيث الجهاد تطوع، وحيث الطريق إلى الجنة سريع ومضمون، سواء استشهد المجاهد في عملية ضد القوات الأميركية، أو في محاولته الوصول إلى أرض الجهاد، أو فجر نفسه بالشيعة.
ما بين عامي 2003 و2008، كانت الفتاوى الصادرة عن مشايخ هيئة العلماء السعودية تكفّر الشيعة، وترميهم بالكفر الأكبر، وبالتالي فإن قتالهم واجب في أرض المسلمين. وفي خضم الصراع على أرض العراق، كان الشبان المجاهدون لا يميزون الكثير بين هذا وذاك، بين الأميركيين والشيعة. وفي حمأة الحرب، كنت لا تعدم تجد أحياءً سوّرها الأميركيون بجدران إسمنتية للفصل بين المنازل السنية وتلك الشيعية في داخل أزقة بغداد، وكان الليل هو موعد شن الهجمات المتبادلة ما بين السكان الشيعة والآخرين السنّة، وفي النهار كان يلتقي الاثنان في أعمال عادية، في الأسواق، ويحاول كل من الطرفين إخفاء هويته الطائفية عن الآخرين.
ومن خلال الصراع، كان العراق يتفتت، وهو ربما ما استبشر به بعض من في القاعدة، ومن هم على الطرف الآخر من غلاة النزعة الثقافية اللبنانية، حيث يرى القاعديون في بيان صدر خلال أزمة «وفاء وكاميليا» أن التنظيم سيرسل «كتائب من جنود الاستشهاديين» لضرب المسيحيين في العراق ومصر وبلاد الشام.
ما يمكن أن يسرّ بعض غلاة الثقافة اللبنانية المميزة، والقومية اللبنانية، أن منطق التنظيم يسهل لهم مهماتهم. وسواء أكان في صمتهم بعض من إحراج استشعروه من إصدار بيانات شجب بالتنظيم الدولي الذي لا يتمكنون دائماً من التمييز بينه وبين حليفهم الأول تيار المستقبل، أو بالتنظيم الدولي الذي يتبنى الفكر العقائدي لممولي أصحاب القومية اللبنانية، من دول خليجية، إلا أن النتيجة كانت صمت هذه الأطراف التي تفضل العيش في فدرالية أو كونفدرالية على التعايش مع المسلمين من مختلف فئاتهم. وبالتالي فإن بيانات التنظيم الدولي التي تهدد الوجود المسيحي مرحب بها، وهي أصلاً لا تعترف بالكيان اللبناني، بل تتحدث عن بلاد الشام، ما يعطي دفعاً أكبر للدعاية اللبنانوية، التي ترى أن لبنان أُنشئ أصلاً من أجل المسيحيين المشرقيين عامة والمسيحيين اللبنانيين خاصة.
أضف إلى ما تقدم، فإن في لبنان ما يمكنه أن يطمئن دعاة التقسيم، حيث في هذا البلد من أجهزة أمنية، واختراقات محلية وإقليمية، ومجموعات سلفية، ما يمكنه أن يطلق (نظرياً على الأقل) ويضبط في الوقت عينه، نشاطاً لمجموعات جهادية تسهّل عملية الانفصال إذا نضج هذا الخيار دولياً وإقليمياً.
لكن لا أحد سأل لماذا توجه التنظيم في قضية وفاء وكاميليا إلى المسيحيين في لبنان، ذلك أن مصر هي مركز الأزمة المفترضة، والعراق هو نقطة ارتكاز التنظيم ومنطلق ردات فعله. لكن لماذا بلاد الشام؟ كذلك فإن الجزائر منعت الحجاب، وفرنسا أيضاً، وسوريا منعت النقاب في الجامعات، والدنمارك سمحت بنشر الرسوم المسيئة للنبي محمد، فلماذا جرى القيام بمجزرة في كنيسة سيدة النجاة في العراق انتصاراً لوفاء وكاميليا وحدهما دون غيرهن من المسلمات؟

Script executed in 0.21803092956543