ولقد تطورت وسائل التجسس بشكل ملحوظ بعد العام 1988، هي وسائل تجسس أرضية، كناية عن أجهزة تعمل على الموجات والذبذبات فترصد الحركة في محيطها، وبمجرد أن يزرع أحدهم جهازاً في مكان ما فإن كل ما يتحرك حوله سيعطي إشارة فيرسل الجهاز الإنذار، هكذا بدأت وسائل التجسس الأرضية، ثم طُوّرت من تجسس على الموجات إلى تزويدها بكاميرات، فبات الجهاز يلتقط الموجة وعندما تتكثف الموجة يلتقط الصورة فينقل صورة الهدف، وبعد العام 1995 طوّر هذا الجهاز فصار يبث بالكاميرا الإلكترونية بثاً متواصلاً وربط الموجة الصوتية مع الصورة الضوئية، ومن ثم أضيف إلى هذا الجهاز بعد العام 2001 جهاز ليزر مهمته تعرية الهدف بعد التقاطه، والتعرية تعني التركيز على صور أكثر، تحديد مكانها، الإحداثيات ثم البعد عن المكان، طبيعة الهدف، وهذا هو أرقى مستوى توصّل إليه العلم التقني في مسألة كشف الأهداف. بعد ذلك ُربط هذا الجهاز بحاسوب جامع للمعلومات، فحين تجمع معلومات الأهداف تبوّب من قبل المتحكّم ثم يبدأ عمليّة بناء قاعدة معلومات الأهداف لتنظيم بنك الأهداف.
دخل لبنان في الحرب الاالكترونية بشكلها الحقيقي مع «إسرائيل» منذ العام 1999 عندما أخذت اسرائيل قرارها بالإنسحاب من الجنوب، يومها كان العدو يعلم أنه سيفقد المعلومات التي كانت توفرها له ميليشياته كجيش لحد وغيره من العملاء، رأت مخابراته أن البديل المتاح هو الإعتماد على المعدات التكنولوجية للحصول على هذه المعلومات، ومن هنا أصبح الخرق على شبكات الإتصالات موضوعاً أساسياً في الإستراتيجية التجسسية لدى الأجهزة الإستخباراتية الإسرائيلية، وكان هناك اطمئنان لدى قيادة المخابرات بأن هذه الوسيلة ستحصد النتائج المتوخاة منها كاستهداف قياديي ومقاتلي المقاومة وحزب الله، وبالتحديد الفرق الموكل إليها استخدام المنظومة الصاروخية لدى المقاومة، ولكن ما حصل هو أن الإسرائيليين لم يستطيعوا التوصل إلى استهداف قاطع لقيادات المقاومة ولا الى إيقاف الصواريخ في حرب تموز عام 2006، لا بل كانت أعداد الصواريخ وقوتها تزداد كلما أعلن الإسرائيليون أنهم قضوا على منظومة حزب الله الصاروخية.
تعد مرحلة ما بعد حرب تموز 2006 من المراحل الفاصلة بين لبنان و»إسرائيل» على صعيد حرب الإتصال والتجسس، فهذه الأخيرة على الرغم من فشلها في استهداف قياديين من حزب الله، ظلت تعتمد على عملائها في الداخل علها تستطيع أن تحقق شي مما أرادته.
عام الانتصارت التقنية للمقاومة
وفي هذا السياق، يشير مصدر أمني مسؤول في حديث مع «البناء»، إلى أن مرحلة ما بعد عام 2006 حتى عام 2009 كانت مرحلة الإنجازات الأمنية، ففي هذه الفترة تمكنت الأجهزة الأمنية من تفكيك عدد كبير من شبكات العملاء ممن قدموا «لإسرائيل» المعلومات. الا أن عام 2010 هو عام الانتصارت التقنية للمقاومة ففي هذا العام سجلت المقاومة انجازات نوعية على العدو في ما خصّ سلاح الاتصالات والإشارة.
ويلفت المصدر، الى أن الانتصارت التي حققها لبنان، خلال عام 2010، على صعيد سلاح الحرب الالكترونية انطلقت بحملة تفكيك شبكات التجسس في لبنان في شهر حزيران من عام 2010 وقد تم خلال هذا العام توقيف مابين 170 و180 عميلاً بجرم التعامل مع العدو «الإسرائيلي».
بدأت هذه الحملة عندما قامت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بتاريخ 28 6 2010 بإلقاء القبض على أحد عملاء إسرائيل المدعو « شربل قزي « الذي يرأس وحدة في قسم الهندسة التابعة لشركة « ألفا « للهاتف النقال بتهمة تقديم معلومات الى الموساد الإسرائيلي.
وبتاريخ 1 8 2010 ألقى فرع المعلومات في الأمن اللبناني القبض على عميل آخر يدعى « ميلاد عيد « أحد الموظفين في شركة «أوجيرو» الحكومية لتشغيل شبكة الخطوط الهاتفية الثابتة بتهمة التجسس لصالح الكيان الإسرائيلي» .
وفي 3 8 2010 أوقفت شعبة المعلومات في قوى الأمن اللبناني العميد فايز كرم بتهمة التعامل مع «إسرائيل» وأثارت مراحل محاكمته والتسريبات التي تلتها لغطاً كبيراً في الأوساط السياسية التي اعتبرت أن الأمر برمّته مسيّساً.
صنين والباروك
ويعتبر المصدر الأمني أن الحدث الأبرز خلال عام 2010، هو تفكيك منظومتى تجسس إسرائيليتين مزروعتين على قمتى جبلين فى منطقة صنين شمال شرق بيروت ومرتفعات الباروك تهدفان إلى تصوير وتحديد «أهداف أرضية»، هاتان المنظومتان كانتا على شكل صخرة مموهة على قمة الجبل تحتوى أجهزة تجسس متطورة، على غرار منظومة التجسس البريطانية على روسيا فى يناير 2006، وأوضح الجيش اللبناني في حينه أن المنظومة الأولى هي عبارة عن 5 أجزاء تحوى نظاما بصريا، ونظام إرسال الصورة، ونظام استقبال إشارات التحكم بالمنظومة، وإدارة التحكم بالمنظومة، ومصادر تغذية المنظومة بالطاقة»، كما أنها تعمل بتقنية فنية عالية تصل إلى حد كشف أهداف بعيدة المدى وتحديدها بشكل دقيق، مع تحديد إحداثيات أهداف أرضية لتسهيل ضربها، وأنها تعمل بواسطة الليزر حتى على بعد 20 كم، بما يؤمن تغطية كامل السلسلة الشرقية الجبلية ومنطقتى صنين والباروك والمناطق المجاورة، ونقل ما يجرى فيهما. مما يعني أن العدو «الإسرائيلي» في حالة حضور كثيف على الاراضي اللبنانية، يجعله يطور معداته واجهزة استخباراته بشكل دائم.
والجدير بالذكر أن اكتشاف هذه المنظومة جاء بعد أقل من أسبوعين من إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي تفجير جهازي تجسُّس فى منطقة حدودية فى جنوب لبنان بعد العثور عليهما فى الجانب اللبنانى. وبعد عدة ساعات من الكشف عن شبكتي صنين والباروك حدث انفجار على شاطئ صيدا.
وفي هذا الخصوص، يرجّح المصدر عينه أن يكون لشبكة ثالثة مرتبطة بالشبكتين اللتين تم تفكيكهما، فعلى الرغم من أن العدو كان شبه متأكد من أن هذه الشبكة لن تكشف إلا أن ارتباطها بمثيلاتها أثار مخاوف العدو من أن تكون قد كشفت أيضاً.
أسباب الانتصار
وُيرجع المصدر الأمني، سبب الإنتصار إلى أن المقاومة في هذه المرحلة وخاصة في عام 2010 أصبحت تملك معدات تسمح لها القيام بعمليات المراقبة والكشف، ويلفت الى أن المقاومة اليوم أكثر استعداداً وجهوزية عما كانت عليه من قبل، فجهوزيتها من هذه الناحية ارتفعت بشكل نوعي، ما يعني أنها باتت تملك تقنية عالية في ما يخص الحرب الالكترونية.
وفي تحليله للفشل الإسرائيلي في اختراق حزب الله من الداخل، يوضح المصدر الأمني أن ذلك مردّه الى أن التركيبة الأمنية المعقدة التي يعتمدها الحزب من خلال عدة دوائر يصعب على أي جهاز أمني بلوغ هدفه، إضافة الى أن كل الحزب بقياداته وعناصره هم من لون طائفي واحد الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان اختراقه أمنيا وهذا ما تعاني منه إسرائيل منذ العام 1982 أي السنة التي أنشئ فيها الحزب كمقاومة اثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
وكنتيجة لما مني به العدو من خسائر خلال عام 2010، صار مضطراً العودة الى الوراء ومراجعة ما يفترضه من بنك أهداف لديه، يؤكد المصدر مضيفاً أن العدو بات مضطراً أيضاً إلى استبدال آليات التجنيد والتواصل مع العملاء، كما أنه سيجد صعوبة حقيقية لا شكلية في العثور على من يتعاون معه، برغم كل المناخ السياسي الداخلي المؤاتي له في لبنان.
امتلاك القوة
وعلى الرغم من أن لبنان قدم خلال هذا العام شكوى إلى مجلس الأمن، بيّن فيها مندوب لبنان في الأمم المتحدة أن «إسرائيل» تشكل تهديداً للأمن العسكري اللبناني وللأمن الوطني عن طريق الايعاز الى عملائها للقيام بأعمال تخريبية من خلال التفجيرات وعمليات الاغتيال لشخصيات لبنانية، ومن خلال القيام بعمليات ارهابية والاعتداء على منشآت البنى التحتية فيه، فضلا عن اثارة الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي من خلال تجنيد بعض الأشخاص لجمع معلومات يمكن استثمارها في خلق فتنة داخلية، وأن ما تقوم به إسرائيل هو أنتهاك للقرار 1701 وكذلك انتهاك صارخ لقوانين الاتحاد الدولي للإتصالات، إلا أن إسرائيل أثبتت التجارب معها أن لا رادع لها إلا قوة مماثلة لما تمتلكه وأكثر.
وفي السياق نفسه، يشير المصدر الأمني الى أن السعي الى امتلاك القوة هو ما قامت به المقاومة خلال عام 2010 محققة عدة خطوات ايجابية من خلاله، وهو ما ستعمل عليه في المستقبل من أجل تطوير قدراتها وتقنياتها، بعد أن أصبحت الحرب تأخذ أكثر من شكل، منها العسكري ومنها التكنولوجي وهذا وحده الكفيل بعودة الأرض الى السيادة الوطنية.
بذلك يكون عام 2010 قد تُوّج بنصرٍ كبير أخر يضاف إلى سلسلة الإنتصارات التي حققتها المقاومة خلال الأعوام الماضية.