«التسوية آتية لا ريب فيها»، إلا إذا... وقف الأميركيون بكل ثقلهم في وجهها. يؤكد أحد المعنيين بالتسوية هذا الأمر، لافتاً إلى أن التفاؤل الذي يبثّه فريق المعارضة السابقة في لبنان يقسم إلى جزءين: الأول مبنيّ على الوقائع، والثاني هو تفاؤل «الضرورة». في الأول، يقول السياسي البارز إن التفاؤل مبني على تقدم تحقّق على أرض الواقع.
وقد تراجعت حظوظ هذا التقدم مع الوعكة الصحية التي ألمّت بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وأبعدته إلى الولايات المتحدة الأميركية للعلاج. والخشية هنا لم تكن من ضغوط أميركية على الملك وفريقه، بل خشية على صحة الملك نفسه. «فلو أنه تعرّض لسوء أدى إلى نقل دفة الحكم إلى يد وليّ العهد سلطان بن عبد العزيز وأبنائه، فستعود العلاقة بين سوريا والسعودية في هذه الحالة إلى ما قبل نقطة الصفر. فعبد العزيز بن عبد الله لن يبقى وقتئذ في الصف الأول، بل سيتحوّل في أفضل الأحوال إلى نسخة عن ابني عمه فهد، محمد وعبد العزيز. وبالتالي، لن تكون أمام الرئيس السوري فرصة تعزيز علاقة موجودة مع فريق سعودي آخر، بل إنه سيكون مضطراً إلى مواجهة فريق سياسي وأمني يكُنّ له العداء» (أبناء سلطان). لحسن الحظ، تحسّنت صحة الملك، يضيف المسؤول اللبناني البارز، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع لحظوظ التوصل قريباً إلى تسوية.
لكنّ التفاؤل ليس مبنياً على صحة الملك السعودي وحسب، يجزم المسؤول الذي يقوم برحلات مكوكية بين دمشق وبيروت. يتحفّظ على الإفصاح عن بنود التسوية، إلا أنه يؤكد أن القسم الأول منها، أي الاتفاق بين القيادتين السورية والسعودية على تخطّي التوتر الناجم عن الموقف من المحكمة الدولية صار بحكم المنتهي، وعلى هذا الأساس، يُبنى الجزء الواقعي من التفاؤل. وعلى حدّ قول المصدر ذاته، فإن البحث انتقل منذ مدة إلى ما بعد المحكمة الدولية، وبالتحديد إلى ترتيب البيت اللبناني الداخلي، بمعنى آخر، الثمن الذي ينبغي دفعه لسعد الحريري، لقاء تخلّيه، بطريقة أو بأخرى، عن المحكمة الدولية. ومن أوّل هذه الأثمان «إبقاء سعد الحريري رئيساً للحكومة قادراً على الحكم». هل يعني ذلك إطلاق يد آل الحريري في الملف الاقتصادي والإداري؟ ينفي المسؤول اللبناني ذلك، مؤكداً أنه لن تكون لأحد يد مطلقة في الشؤون الداخلية، لا في الاقتصاد ولا في الأمن، بل إن الحريري سيكون مرتاحاً في حكمه. وأن يكون الحريري مرتاحاً في حكمه، يعني أن ملفاً كملف شهود الزور سيُطوى نهائياً، وبالتالي، سيَحفظ رئيس الحكومة فريقَه الأمني والسياسي والإعلامي والقضائي، في مواقعهم. وإذا اقتربنا أكثر من الواقع، يُفسَّر هذا الكلام بأن قضية «شعبة» المعلومات، على سبيل المثال، ستُحلّ عبر التوصل إلى توافق على تشريع واقع هذه «الشعبة»، مع إلزامها في المقابل بعديد وعتاد ومهمات تنص عليها القوانين والمراسيم، بدل إبقائها غارقة في الضبابية الحالية. إلا أن ذلك، يستدرك المصدر ذاته، «لا يعني أن فريقنا السياسي سيتخلى في هذه التسوية عمّا حققه خلال السنوات الماضية»، أو أنه سيتخلى عن أي موقع أو شخصية كانت إلى جانبه أو رأس حربة في مشروعه السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.
ويؤكد المسؤول أن القسم الأول من الحوار بين الملك السعودي والرئيس السوري كان يواكبه من لبنان رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (مفوّضاً من المعارضة السابقة). أما القسم الثاني، المتصل بالشؤون اللبنانية الداخلية، فيواكبه رئيس مجلس النواب نبيه بري (بالتفويض ذاته) والحريري. وهذا القسم يتضمن «صياغة دقيقة، هي الأولى من نوعها في لبنان، لتفاصيل الاتفاق، الذي سيتضمن مشروعاً لتطبيق البنود غير المنفذة من اتفاق الطائف».
يُحصي المصدر العارفين بتفاصيل ما يجري. يقول إن المطّلعين على جميع التفاصيل هم حصراً الرئيس الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم والملك السعودي وابنه عبد العزيز، ورئيس مجلس النواب ومعاونه النائب علي حسن خليل والرئيس سعد الحريري (مستشاره وابن عمته نادر الحريري لا يعرف كامل التفاصيل) ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والأمين العام لحزب الله ومعاونه حسين الخليل. وخارج هذه الدائرة، ثمة من تصله بعض البنود مجتزأة، فيما آخرون يُكلّفون بمهمات معينة، فيطّلعون بحكم تنفيذ هذه المهمات على أجزاء مما يُبحث بين القيادتين السورية والسعودية.
إلى ما ذُكِر وغيره «مما لا يمكننا الإفصاح عنه في الوقت الحالي، نستند في القسم الواقعي من التفاؤل»، يقول المسؤول البارز في المعارضة السابقة. أما قسم «التفاؤل للضرورة»، فمردّه إلى «اقتناعنا بوجوب التوصل إلى تسوية مع الرئيس سعد الحريري لا مع غيره». فبرأي قوى 8 آذار وحلفائها، «كل ما هو أدنى من التسوية مع الحريري، يحمل في طيّاته ضرراً على البلاد نحن في غنى عنه. من هنا، تمسكنا بالمسعى السوري ـــــ السعودي الذي سيبقى فاعلاً إلى أن يُعلن دانيال فرانسين قبوله مسوّدة قرار اتهامي يُحيله عليه المدّعي العام دانيال بلمار».
كل ذلك، يضيف المسؤول البارز في المعارضة السابقة، يبقى حبراً على ورق، إذا لم يُظهر الأميركيون «رضىً ولو على شكل غضّ النظر»، فضلاً عن قدرة اللبنانيين على الاتفاق على التفاصيل الداخلية الكثيرة، التي قد يكون من بينها تأليف حكومة جديدة، برعاية من دمشق. وجزء كبير من هذه التفاصيل، على حدّ قول المصدر، سيبدأ البحث به بعد إعلان التسوية لا قبله. والشيطان في التفاصيل.