حصل ما كان يُخشى منه، وتمكنت واشنطن في ربع الساعة الأخير من إجهاض ولادة التسوية السورية ـ السعودية التي فشلت في قطع الامتار الاخيرة من السباق مع العامل الاميركي المعطل.
هكذا، ضاعت أشهر من الانتظار هباء، وعادت الازمة الى المربع الاول، بعدما استخدم الاميركيون كل فنون الضغط في الايام الاخيرة، لمنع الرياض من تغطية مشروع الحل، فيما لم يكن الرئيس سعد الحريري يبدي حماسة للسير فيه.
وليس أدل على أهمية الفرصة المتلاشية من الجهد الدولي الذي بُذل لضربها، إذ أقيمت في نيويورك خلال الايام الماضية ما يشبه «غرفة عمليات» دبلوماسية تولت توجيه الضربات المدروسة الى الجهد السوري - السعودي، وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون أول من باشر في تسديدها عبر رسالة واضحة أبلغتها الى الملك عبدالله ورئيس الحكومة، وفحواها ان أي تسوية على حساب المحكمة مرفوضة بل ممنوعة. لقد كان الاميركيون واضحين مع الحريري والقيادة السعودية: قرار المحكمة عندنا. نحن من أنشأها ودعمها، ونحن فقط من يقرر مصيرها. واننا نعتقد ان الوقت ليس ملائماً الآن للتخلي عنها، فيما يبقى العديد من الملفات الحيوية في المنطقة عالقاً مع دمشق وطهران.
هي لحظة حسم الخيارات قد دنت بعد أشهر من المناورات. ولعل قرار رئيس الحكومة بالتوجه الى واشنطن للقاء الرئيس الاميركي باراك أوباما بعد ظهر اليوم بتوقيت بيروت فيما المعارضة تلوّح باستقالة وزرائها إذا لم ينعقد مجلس الوزراء سريعاً، إنما يعطي مؤشراً واضحاً الى ماهية الخيار الذي قرر كل طرف ان يعتمده.
وما جرى يطرح التساؤل ليس فقط عن آفاق المرحلة المقبلة على الصعيد الداخلي اللبناني وإنما عن مستقبل العلاقة السورية ـ السعودية، وهل شظايا فشل المسعى المشترك ستصيب تلك العلاقة، لا سيما وان الرئيس بشار الاسد وضع كل ثقله ورصيده لإنجاح المسعى المشترك مع الملك عبدالله، علماً ان مصدراً سورياً قال لـ«السفير» إن لا علاقة لدمشق بما يجري حالياً على الساحة اللبنانية، فهذا شأن داخلي لبناني.
وربما تكون الحكومة اللبنانية هي الضحية الاولى للتعطيل الاميركي في الساعات المقبلة، ذلك ان كتاب استقالة وزراء المعارضة بات جاهزاً لتلاوته في حال رفض الحريري التجاوب مع مطلب انعقاد مجلس الوزراء او ماطل في الإجابة عليه، علماً أن النجاح في عقد الجلسة لن يفيد سوى في ربح بعض الوقت قبل ان يتأكد الجميع مما يعرفونه جيداً وهو ان ما عجزت عن إنجازه دمشق والرياض خلال أشهر لن يتمكن من تحقيقه مجلس الوزراء في يوم أو أكثر، في ظل الهوة العميقة التي تفصل بين طرح المعارضة الداعي الى وقف التعاون مع المحكمة الدولية وبين طرح الحريري المتمسك بالمحكمة.
وحسب احد السيناريوهات التي تم التداول بها ليل أمس فإن المعارضة ستعلن عن استقالة وزرائها من الرابية بعد ظهر اليوم، فيما يكون الحريري مجتمعاً او على وشك الاجتماع مع أوباما، ما يعني إذا صح هذا السيناريو ان الحريري سيعود الى بيروت بصفته رئيساً سابقاً للحكومة.
وفي المعلومات ان الملك عبدالله اتصل بالرئيس الاسد أمس الاول وأبلغه ان المملكة بذلت كل جهد ممكن للتوصل الى مخارج للأزمة اللبنانية الراهنة، ولكن هناك ظروف ومحطات لم يكن متاحاً تجاوزها، مؤكداً له ان هذا الامر لن يؤثر على العلاقة الثنائية بين سوريا والسعودية.
وعلى الاثر، توجه النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل الى دمشق حيث التقيا الرئيس الأسد وتبلغا منه ما آل اليه المسعى السوري ـ السعودي. وعاد الخليلان الى بيروت حيث عقدت مشاورت مكثفة بين قيادات المعارضة، كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله محورها. وعلم ان المعارضة قررت ان تترك للعماد ميشال عون الإعلان عن إخفاق المسعى العربي من الرابية، حتى لا يثير إعلان ذلك عن طريق حزب الله او الرئيس بري أي حساسية من نوع مذهبي.
وقد سارعت المعارضة بعد تبلغها انتهاء مفاعيل السين ـ سين الى وضع خطة مبرمجة للتعامل مع مرحلة ما بعد فشل المسعى السوري ـ السعودي، وتقرر إعطاء ما يشبه الفرصة الاخيرة للرئيس سعد الحريري من أجل تدارك الوضع، ولبننة الحل.
وفي هذا السياق، زار وفد من المعارضة رئيس الجمهورية وطرح عليه مبادرة تقضي بالدعوة الى جلسة طارئة لمجلس الوزراء اليوم، لمناقشة بند وحيد وهو كيفية مواجهة تداعيات المحكمة الدولية وفك الارتباط اللبناني عن هذه المحكمة، في ما بدا أنها خطوة تندرج في سياق تبرئة ذمة المعارضة قبل الانتقال الى مرحلة التدرج في اتخاذ القرارات الصعبة.
وعد رئيس الجمهورية الوفد بإجراء المشاورات اللازمة قبل إعطاء جوابه النهائي، وهو اتصل فعلا بالرئيس سعد الحريري وأبلغه بموقف المعارضة، فقال له رئيس الحكومة: أنا لا ألتزم بعقد جلسة لمجلس الوزراء من خارج لبنان ولا أحدد جدول الاعمال من خارج لبنان، وعندما أعود أتخذ الموقف المناسب.
وقــال مصــدر رئاســي لـ«السـفير» إن سليمان اتصل بالرئيس سعد الحريري الذي أجابه بأنه متوجه الى واشنطن للقاء الرئيس أوباما، وسيعود غداً (اليوم) الى بيروت، على ان يزور بعد عودته سليمان للتشاور معه.
وأشار المصدر الى ان وفد المعارضة لم يبلغ الرئيس سليمان ان وزراءها في وارد الاستقالة، إنما تحدث عن عدم جواز استمرار الوضع على حاله وعدم قبول استمرار الحريري في اعتماد أسلوب اللامبالاة في حين ان الامور تتطور دراماتيكياً.
وكشف المصدر عن ان سليمان أجرى اتصالات بالرئيس السوري بشار الاسد وتداول معه في آخر المستجدات وان الاسد أثنى على الجهود التي يبذلها سليمان لمعالجة الموقف المستجد.
ولاحقاً، عقد وزراء المعارضة وعدد من أطرافها اجتماعاً تنسيقياً في الرابية، خرج بعده الوزير محمد فنيش ليقول ان المسعى السوري السعودي وصل إلى طريق مسدود بسبب الضّغوط الأميركيّة وبسبب عدم قدرة الفريق الآخر على تجاوز هذه الضغوط، «وعلى الأثر، بادر فريقُنا السّياسي الى الاتصال برئيس الجمهورية وتمنّى عليه أن يسعى مع رئيس الحكومة من أجل عقد جلسة لمجلس الوزراء، لكي يتحمل مسؤوليتَه في مواجهة هذه التّطورات لا سيما في ما يتعلّق بموضوع المحكمة الدَّولية والقرار الظّني وما تسبّب به من انقسام وإشكالات على المستوى الوطني. وتمنى الرّئيس أن يأخذ فرصة للاتّصال برئيس مجلس الوزراء. وبانتظار الجواب، قرّرنا أن نبقى على تشاور دائم وجلسات مفتوحة كوزراء في الحكومة من أجل اتّخاذ الموقف المناسب على إثر الجواب الّذي سيأتي».
وعلمت «السفير» ان اجتماعاً آخر عقد ليل امس في منزل النائب علي حسن خليل ضم عدداً من قيادات المعارضة ووضعت خلاله اللمسات الاخيرة على كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد الاستقالة والخطوات الدستورية المطلوبة ومنها موضوع الاستشارات النيابية الملزمة.
المعارضة: هذه خياراتنا
ومن ناحيتها، قالت أوساط واسعة الإطلاع في المعارضة لـ«السفير» إن لديها رؤية متكاملة للبدائل الممكنة في حال رفض الرئيس الحريري التجاوب مع اقتراح المعارضة، مؤكدة انه «سيكون من المستحيل ان نقبل بالبقاء في حكومة واحدة مع من يؤيد محكمة تتآمر على المقاومة، ولن نسمح بأن يكون سعد الحريري رئيساً لوزرائنا إذا اصر على خياره»، مشيرة الى ان الدعوة الى عقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء هي فرصة أخيرة من أجل ان يتحمل اللبنانيون مسؤوليتهم بعد فشل المسعى العربي الذي أجهضه الاميركيون، والمطلوب من الحكومة الآن وضع رؤية واضحة واتخاذ موقف حاسم لحفظ البلد من المؤامرة الاميركية الاسرائيلية ضد المقاومة والاستقرار من خلال تسييسس المحكمة وقرارها الاتهامي.
وكشفت الأوساط عن ان الامر بات أوسع وأخطر من ملف شهود الزور وحتى من المحكمة وهو يتصل حالياً بكيفية حماية البلد، لافتة الانتباه الى ان المعارضة تملك أفكاراً للمعالجة ولكنها ستطرحها على طاولة مجلس الوزراء في حال انعقاده.
الحريري يدعو للحكمة
في هذه الاثناء، يلتقي الحريري اليوم الرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض، فيما أعلن روبرت غيبس المتحدث باسم البيت الابيض ان اوباما سيبحث مع الحريري في دعم الولايات المتحدة لسيادة لبنان واستقلاله واستقراره إضافة الى عمل المحكمة الدولية.
وليلاً، أصدر المكتب الاعلامي للرئيس الحريري بيانا أفاد بان الحريري أجرى مشاورات هاتفية مع الرئيس سليمان تناولت المستجدات المتعلقة بالمساعي السعودية السورية لتثبيت الاستقرار في لبنان، وانه من المقرر أن يستكمل الرئيس الحريري هذه المشاورات مع سليمان والقيادات اللبنانية فور عودته إلى بيروت.
وقد وجه الرئيس الحريري شكره إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز على الرعاية التي يحيط بها لبنان واللبنانيين واستقرارهم وأمنهم، كما شكر الرئيس بشار الأسد على المساعي السعودية السورية لتثبيت هذا الاستقرار، مؤكداً «أننا، على الرغم مما آلت إليه تطورات الساعات الأخيرة، سنعمل بكل الوسائل لإبقاء السبل مفتوحة أمام اللبنانيين للوصول إلى الحلول التي تضمن الاستقرار والهدوء وتحفظ الوحدة الوطنية التي تشكل الضمانة الوحيدة لجميع اللبنانيين في مواجهة التحديات».
وشدد على أن «هذه المرحلة تتطلب منا جميعاً أعلى درجات الحكمة والمسؤولية لأن المستفيد الأول من أي انقسام بين اللبنانيين هو العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإن واجبنا جميعا هو تفويت هذه الفرصة على كل أعداء لبنان والتمسك بالحوار والوحدة الوطنية سبيلاً لمعالجة كل المشكلات وتخطيها».
وقال مصدر مقرب من الحريري لـ«السفير» إن الأخير ليس في وارد الاستقالة، واشار الى انه «من الجيد ان يعود النقاش الى الدائرة اللبنانية، ولكن هذه الحكومة مع احترامنا لوزرائها قد لا تشكل الإطار الملائم لمعالجة مشكلة بحجم الانقسام الداخلي الحاصل حول المحكمة الدولية، ولذلك من الافضل ان يكون رئيس الجمهورية هو المرجع والراعي بحيث يجمع الزعماء السياسيين ويناقش معهم الوضع». واعتبر ان الاستقالة المحتملة لوزراء المعارضة هي من حيث الشكل حق ديموقراطي، ولكنها لن تغير الشيء الكثير لأن الحكومة في واقعها الراهن هي أصلا حكومة تصريف اعمال بسب تعطيل أعمالها منذ فترة.
جنبلاط: حذار لعبة الأمم
وفيما تلقى النائب وليد جنبلاط اتصالاً من الرئيس الحريري ويلتقي اليوم السفير السعودي، قال لـ«السفير» انه لا يوافق على التسليم بفشل خيار التسوية الداخلية، لأننا لا نستطيع ان نجاري أجواء بعض الدول التي تلعب بالوفاق والامن في لبنان، مشدداً على وجوب عدم الدخول في لعبة الامم، وداعياً الى لبننة الحل. وأضاف: إذا كانت بعض الدول قبلت ظاهرياً بالمبادرة السورية ـ السعودية ثم عطلتها في آخر لحظة، فإن علينا كلبنانيين أكثر من أي وقت مضى ان نستمر بالحوار من أجل تدارك التداعيات السلبية للقرار الظني.
تدخل تركي وقطري
الى ذلك، وفي حين أفيد أن دخولاً قطرياً وتركياً جرى على خط محاولة احتواء تداعيات فشل المسعى السوري ـ السعودي، قال رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إن «آخر الاخبار بشأن حل الازمة في لبنان غير مشجعة، برغم المساعي المبذولة»، إلا انه أكد ان «هذا لن يثنينا عن مطالبة الجهات التي يمكن ان تساعد في الوصول الى حل لهذا الموضوع». وأضاف: يجب التعاطي مع أي قضية بالحوار البناء، ويجب ألا يتعطل عمل الحكومة.
هكذا، ضاعت أشهر من الانتظار هباء، وعادت الازمة الى المربع الاول، بعدما استخدم الاميركيون كل فنون الضغط في الايام الاخيرة، لمنع الرياض من تغطية مشروع الحل، فيما لم يكن الرئيس سعد الحريري يبدي حماسة للسير فيه.
وليس أدل على أهمية الفرصة المتلاشية من الجهد الدولي الذي بُذل لضربها، إذ أقيمت في نيويورك خلال الايام الماضية ما يشبه «غرفة عمليات» دبلوماسية تولت توجيه الضربات المدروسة الى الجهد السوري - السعودي، وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون أول من باشر في تسديدها عبر رسالة واضحة أبلغتها الى الملك عبدالله ورئيس الحكومة، وفحواها ان أي تسوية على حساب المحكمة مرفوضة بل ممنوعة. لقد كان الاميركيون واضحين مع الحريري والقيادة السعودية: قرار المحكمة عندنا. نحن من أنشأها ودعمها، ونحن فقط من يقرر مصيرها. واننا نعتقد ان الوقت ليس ملائماً الآن للتخلي عنها، فيما يبقى العديد من الملفات الحيوية في المنطقة عالقاً مع دمشق وطهران.
هي لحظة حسم الخيارات قد دنت بعد أشهر من المناورات. ولعل قرار رئيس الحكومة بالتوجه الى واشنطن للقاء الرئيس الاميركي باراك أوباما بعد ظهر اليوم بتوقيت بيروت فيما المعارضة تلوّح باستقالة وزرائها إذا لم ينعقد مجلس الوزراء سريعاً، إنما يعطي مؤشراً واضحاً الى ماهية الخيار الذي قرر كل طرف ان يعتمده.
وما جرى يطرح التساؤل ليس فقط عن آفاق المرحلة المقبلة على الصعيد الداخلي اللبناني وإنما عن مستقبل العلاقة السورية ـ السعودية، وهل شظايا فشل المسعى المشترك ستصيب تلك العلاقة، لا سيما وان الرئيس بشار الاسد وضع كل ثقله ورصيده لإنجاح المسعى المشترك مع الملك عبدالله، علماً ان مصدراً سورياً قال لـ«السفير» إن لا علاقة لدمشق بما يجري حالياً على الساحة اللبنانية، فهذا شأن داخلي لبناني.
وربما تكون الحكومة اللبنانية هي الضحية الاولى للتعطيل الاميركي في الساعات المقبلة، ذلك ان كتاب استقالة وزراء المعارضة بات جاهزاً لتلاوته في حال رفض الحريري التجاوب مع مطلب انعقاد مجلس الوزراء او ماطل في الإجابة عليه، علماً أن النجاح في عقد الجلسة لن يفيد سوى في ربح بعض الوقت قبل ان يتأكد الجميع مما يعرفونه جيداً وهو ان ما عجزت عن إنجازه دمشق والرياض خلال أشهر لن يتمكن من تحقيقه مجلس الوزراء في يوم أو أكثر، في ظل الهوة العميقة التي تفصل بين طرح المعارضة الداعي الى وقف التعاون مع المحكمة الدولية وبين طرح الحريري المتمسك بالمحكمة.
وحسب احد السيناريوهات التي تم التداول بها ليل أمس فإن المعارضة ستعلن عن استقالة وزرائها من الرابية بعد ظهر اليوم، فيما يكون الحريري مجتمعاً او على وشك الاجتماع مع أوباما، ما يعني إذا صح هذا السيناريو ان الحريري سيعود الى بيروت بصفته رئيساً سابقاً للحكومة.
وفي المعلومات ان الملك عبدالله اتصل بالرئيس الاسد أمس الاول وأبلغه ان المملكة بذلت كل جهد ممكن للتوصل الى مخارج للأزمة اللبنانية الراهنة، ولكن هناك ظروف ومحطات لم يكن متاحاً تجاوزها، مؤكداً له ان هذا الامر لن يؤثر على العلاقة الثنائية بين سوريا والسعودية.
وعلى الاثر، توجه النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل الى دمشق حيث التقيا الرئيس الأسد وتبلغا منه ما آل اليه المسعى السوري ـ السعودي. وعاد الخليلان الى بيروت حيث عقدت مشاورت مكثفة بين قيادات المعارضة، كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله محورها. وعلم ان المعارضة قررت ان تترك للعماد ميشال عون الإعلان عن إخفاق المسعى العربي من الرابية، حتى لا يثير إعلان ذلك عن طريق حزب الله او الرئيس بري أي حساسية من نوع مذهبي.
وقد سارعت المعارضة بعد تبلغها انتهاء مفاعيل السين ـ سين الى وضع خطة مبرمجة للتعامل مع مرحلة ما بعد فشل المسعى السوري ـ السعودي، وتقرر إعطاء ما يشبه الفرصة الاخيرة للرئيس سعد الحريري من أجل تدارك الوضع، ولبننة الحل.
وفي هذا السياق، زار وفد من المعارضة رئيس الجمهورية وطرح عليه مبادرة تقضي بالدعوة الى جلسة طارئة لمجلس الوزراء اليوم، لمناقشة بند وحيد وهو كيفية مواجهة تداعيات المحكمة الدولية وفك الارتباط اللبناني عن هذه المحكمة، في ما بدا أنها خطوة تندرج في سياق تبرئة ذمة المعارضة قبل الانتقال الى مرحلة التدرج في اتخاذ القرارات الصعبة.
وعد رئيس الجمهورية الوفد بإجراء المشاورات اللازمة قبل إعطاء جوابه النهائي، وهو اتصل فعلا بالرئيس سعد الحريري وأبلغه بموقف المعارضة، فقال له رئيس الحكومة: أنا لا ألتزم بعقد جلسة لمجلس الوزراء من خارج لبنان ولا أحدد جدول الاعمال من خارج لبنان، وعندما أعود أتخذ الموقف المناسب.
وقــال مصــدر رئاســي لـ«السـفير» إن سليمان اتصل بالرئيس سعد الحريري الذي أجابه بأنه متوجه الى واشنطن للقاء الرئيس أوباما، وسيعود غداً (اليوم) الى بيروت، على ان يزور بعد عودته سليمان للتشاور معه.
وأشار المصدر الى ان وفد المعارضة لم يبلغ الرئيس سليمان ان وزراءها في وارد الاستقالة، إنما تحدث عن عدم جواز استمرار الوضع على حاله وعدم قبول استمرار الحريري في اعتماد أسلوب اللامبالاة في حين ان الامور تتطور دراماتيكياً.
وكشف المصدر عن ان سليمان أجرى اتصالات بالرئيس السوري بشار الاسد وتداول معه في آخر المستجدات وان الاسد أثنى على الجهود التي يبذلها سليمان لمعالجة الموقف المستجد.
ولاحقاً، عقد وزراء المعارضة وعدد من أطرافها اجتماعاً تنسيقياً في الرابية، خرج بعده الوزير محمد فنيش ليقول ان المسعى السوري السعودي وصل إلى طريق مسدود بسبب الضّغوط الأميركيّة وبسبب عدم قدرة الفريق الآخر على تجاوز هذه الضغوط، «وعلى الأثر، بادر فريقُنا السّياسي الى الاتصال برئيس الجمهورية وتمنّى عليه أن يسعى مع رئيس الحكومة من أجل عقد جلسة لمجلس الوزراء، لكي يتحمل مسؤوليتَه في مواجهة هذه التّطورات لا سيما في ما يتعلّق بموضوع المحكمة الدَّولية والقرار الظّني وما تسبّب به من انقسام وإشكالات على المستوى الوطني. وتمنى الرّئيس أن يأخذ فرصة للاتّصال برئيس مجلس الوزراء. وبانتظار الجواب، قرّرنا أن نبقى على تشاور دائم وجلسات مفتوحة كوزراء في الحكومة من أجل اتّخاذ الموقف المناسب على إثر الجواب الّذي سيأتي».
وعلمت «السفير» ان اجتماعاً آخر عقد ليل امس في منزل النائب علي حسن خليل ضم عدداً من قيادات المعارضة ووضعت خلاله اللمسات الاخيرة على كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد الاستقالة والخطوات الدستورية المطلوبة ومنها موضوع الاستشارات النيابية الملزمة.
المعارضة: هذه خياراتنا
ومن ناحيتها، قالت أوساط واسعة الإطلاع في المعارضة لـ«السفير» إن لديها رؤية متكاملة للبدائل الممكنة في حال رفض الرئيس الحريري التجاوب مع اقتراح المعارضة، مؤكدة انه «سيكون من المستحيل ان نقبل بالبقاء في حكومة واحدة مع من يؤيد محكمة تتآمر على المقاومة، ولن نسمح بأن يكون سعد الحريري رئيساً لوزرائنا إذا اصر على خياره»، مشيرة الى ان الدعوة الى عقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء هي فرصة أخيرة من أجل ان يتحمل اللبنانيون مسؤوليتهم بعد فشل المسعى العربي الذي أجهضه الاميركيون، والمطلوب من الحكومة الآن وضع رؤية واضحة واتخاذ موقف حاسم لحفظ البلد من المؤامرة الاميركية الاسرائيلية ضد المقاومة والاستقرار من خلال تسييسس المحكمة وقرارها الاتهامي.
وكشفت الأوساط عن ان الامر بات أوسع وأخطر من ملف شهود الزور وحتى من المحكمة وهو يتصل حالياً بكيفية حماية البلد، لافتة الانتباه الى ان المعارضة تملك أفكاراً للمعالجة ولكنها ستطرحها على طاولة مجلس الوزراء في حال انعقاده.
الحريري يدعو للحكمة
في هذه الاثناء، يلتقي الحريري اليوم الرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض، فيما أعلن روبرت غيبس المتحدث باسم البيت الابيض ان اوباما سيبحث مع الحريري في دعم الولايات المتحدة لسيادة لبنان واستقلاله واستقراره إضافة الى عمل المحكمة الدولية.
وليلاً، أصدر المكتب الاعلامي للرئيس الحريري بيانا أفاد بان الحريري أجرى مشاورات هاتفية مع الرئيس سليمان تناولت المستجدات المتعلقة بالمساعي السعودية السورية لتثبيت الاستقرار في لبنان، وانه من المقرر أن يستكمل الرئيس الحريري هذه المشاورات مع سليمان والقيادات اللبنانية فور عودته إلى بيروت.
وقد وجه الرئيس الحريري شكره إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز على الرعاية التي يحيط بها لبنان واللبنانيين واستقرارهم وأمنهم، كما شكر الرئيس بشار الأسد على المساعي السعودية السورية لتثبيت هذا الاستقرار، مؤكداً «أننا، على الرغم مما آلت إليه تطورات الساعات الأخيرة، سنعمل بكل الوسائل لإبقاء السبل مفتوحة أمام اللبنانيين للوصول إلى الحلول التي تضمن الاستقرار والهدوء وتحفظ الوحدة الوطنية التي تشكل الضمانة الوحيدة لجميع اللبنانيين في مواجهة التحديات».
وشدد على أن «هذه المرحلة تتطلب منا جميعاً أعلى درجات الحكمة والمسؤولية لأن المستفيد الأول من أي انقسام بين اللبنانيين هو العدو الإسرائيلي، وبالتالي فإن واجبنا جميعا هو تفويت هذه الفرصة على كل أعداء لبنان والتمسك بالحوار والوحدة الوطنية سبيلاً لمعالجة كل المشكلات وتخطيها».
وقال مصدر مقرب من الحريري لـ«السفير» إن الأخير ليس في وارد الاستقالة، واشار الى انه «من الجيد ان يعود النقاش الى الدائرة اللبنانية، ولكن هذه الحكومة مع احترامنا لوزرائها قد لا تشكل الإطار الملائم لمعالجة مشكلة بحجم الانقسام الداخلي الحاصل حول المحكمة الدولية، ولذلك من الافضل ان يكون رئيس الجمهورية هو المرجع والراعي بحيث يجمع الزعماء السياسيين ويناقش معهم الوضع». واعتبر ان الاستقالة المحتملة لوزراء المعارضة هي من حيث الشكل حق ديموقراطي، ولكنها لن تغير الشيء الكثير لأن الحكومة في واقعها الراهن هي أصلا حكومة تصريف اعمال بسب تعطيل أعمالها منذ فترة.
جنبلاط: حذار لعبة الأمم
وفيما تلقى النائب وليد جنبلاط اتصالاً من الرئيس الحريري ويلتقي اليوم السفير السعودي، قال لـ«السفير» انه لا يوافق على التسليم بفشل خيار التسوية الداخلية، لأننا لا نستطيع ان نجاري أجواء بعض الدول التي تلعب بالوفاق والامن في لبنان، مشدداً على وجوب عدم الدخول في لعبة الامم، وداعياً الى لبننة الحل. وأضاف: إذا كانت بعض الدول قبلت ظاهرياً بالمبادرة السورية ـ السعودية ثم عطلتها في آخر لحظة، فإن علينا كلبنانيين أكثر من أي وقت مضى ان نستمر بالحوار من أجل تدارك التداعيات السلبية للقرار الظني.
تدخل تركي وقطري
الى ذلك، وفي حين أفيد أن دخولاً قطرياً وتركياً جرى على خط محاولة احتواء تداعيات فشل المسعى السوري ـ السعودي، قال رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إن «آخر الاخبار بشأن حل الازمة في لبنان غير مشجعة، برغم المساعي المبذولة»، إلا انه أكد ان «هذا لن يثنينا عن مطالبة الجهات التي يمكن ان تساعد في الوصول الى حل لهذا الموضوع». وأضاف: يجب التعاطي مع أي قضية بالحوار البناء، ويجب ألا يتعطل عمل الحكومة.