انطون سعاده
«انتهت اللعبة»، أيها اللبنانيون، فتدبّروا أموركم وقلّعوا أشواككم بأيديكم.
هذا ما أبلغه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أمس، من شرم الشيخ بقوله: ان العاهل السعودي قد «رفع يده» عن الوساطة في لبنان.
ولم يحدد الوزير السعودي تاريخ رفع اليد هذه، وهو العليم بجدول الأعمال الأميركي، لأنه أحد أعضاء الفريق السعودي الذي انضم إليه الحريري أخيراً. وكان هذا الفريق معارضاً لمد اليد المباركة لخادم الحرمين الشريفين إلى لبنان من أجل حقن الدماء فيه، وتوفير الاستقرار لشعبه، وإبعاد شبح الفتنة عن أبرز اثنين من مكوناته جراء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وقرارها الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي أشارت التسريبات المختلفة إلى انه سيوجه أصابع الاتهام إلى «حزب الله» بالضلوع في الجريمة، وهو الاتهام الذي كان الوزير السعودي ينتظره بفارغ الصبر، لأنه يأتي في إطار الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية للانقضاض على «حزب الله» وتشويه سمعة المقاومة، وتحقيق انتصار إسرائيلي ـ أميركي عليها في محكمة يغطّي لبنان جزءاً مهماً من تكاليفها، كما يُدفع إلى طعن المقاومة بخنجرها، بعدما هزمت الحلفَ الأميركي ـ الإسرائيلي في حرب تموز وفوتت عليه فرصة تطويعها، بعد فشله في القضاء عليها.
ويُعتبر تصريح الفيصل الذي يجيء غداة الإعلان عن تسليم القرار الاتهامي إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، نهاية مرحلة جرى تنويم اللبنانيين فيها على حرير، والبعض يقول انها كانت مرحلة خداع لحل مستحيل التنفيذ، وشراء للوقت في انتظار صدور الأوامر الأميركية للمدعي العام الدولي دانيال بلمار بتسليم القاضي دانيال فرانسين الجزء الأخير من القرار الاتهامي، مع بدء الاستشارات النيابية ظهر الاثنين الماضي، ليأتي رداً على الصدمة ـ وفي فريق الرئيس الحريري من يصفها بالاهانة ـ التي تلقاها رئيس الحكومة قبل دقائق من مقابلته الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن أواخر الأسبوع الماضي، والتي جعلته رئيس حكومة سابقاً.
وكان يجب ان يتلقى الحريري استقالة وزراء المعارضة برحابة صدر سياسية على أساس انها تصرّف ديموقراطي بعدما وصلت مساعي التسوية إلى طريق مسدود، ما جعله ينعاها في تصريح له لجريدة «الحياة» في 30 كانون الأول الماضي، وبعدما رفض العودة من الولايات المتحدة لعقد جلسة لمجلس الوزراء تكون حاسمة لملف شهود الزور.
لا بل كان على الحريري، إذا لم يرد الاستقالة، ان يتحسب لرد فعل المعارضة، ويحاول مساعدة رئيس الجمهورية على إيجاد مخرج توافقي لمسألة تعطيل جلسات مجلس الوزراء بسبب الامتناع عن إحالة ملف شهود الزور على التصويت.
بدلاً من كل ذلك، أُلبس موضوع استقالة وزراء المعارضة ثوباً طائفياً، إذ بادر مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إلى تلاوة بيان السبت الماضي، اعتبر فيه ان ما حصل هو انتقاص من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، محذراً من «المس أو الخروج عن الثوابت الوطنية التي أرساها اتفاق الطائف، ونعتبره خروجاً عن الدستور إلى الفوضى والمجهول».
وأكد «ان تشكيل الرئيس الحريري الحكومة العتيدة فيه مصلحة لكل لبنان»، «من أجل إخراج البلاد من النفق الذي نحن فيه، والذي نخشى ان يؤدي بوطننا لبنان نحو الانهيار»، مذكّراً بأن «الرئاسة الثالثة ليست يداً ضعيفة تُلوى في كل حين».
ومع الاحترام الشديد للمفتي قباني وللموقع الذي يشغله على رأس طائفته الكريمة، فإننا، نحن الذين تابعنا مؤتمر الطائف ومناقشاته، والحلول التي استقر عليها لمشاكل المشاركة الإسلامية في السلطة، لم يتبادر إلى ذهننا يوماً ان الدولة قد تنازلت للطوائف عن مؤسساتها الدستورية، وخصوصاً الأساسية منها. ومع انه تم الاتفاق خارج الدستور على توزيع رئاسات المؤسسات الثلاث ـ رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب، ورئاسة مجلس الوزراء ـ على الطوائف الرئيسية، فإن أي إشارة لم تُلحظ في الدستور، إلى طائفية أي منها أو مذهبها، ما أوحى بأن اللبنانيين يتجهون تدريجاً نحو الدولة المدنية.
لذلك، من الخطأ تجيير أي من السلطات الثلاث، للطوائف، ومنح رؤساء الطوائف حق التصرف بها، أو اعتبار أي خلاف في شأنها، أو بين رئيسها ورئيس سلطة ثانية ينتسب إلى طائفة أخرى، انتقاصاً من حقوق طائفته، أو موضوع نزاع بين طائفتين. وهذا خطر على المؤسسات، كما على المشاركة في الحكم.
ومن الخطأ اعتبار الصلاحيات والامتيازات التي انتقلت في الطائف من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء، الذي أصبح مركز المشاركة في القرار ومصدره، إنما انتقلت من الرئيس الماروني إلى رئيس مجلس الوزراء السني.
صحيح ان العرف المتّبع منذ الاستقلال يُعطي رؤساء الطوائف حق ترشيح من يرونه مناسباً لترؤس إحدى المؤسسات الدستورية الثلاث، سواء أكانت رئاسة الجمهورية أم رئاسة مجلس النواب أم رئاسة مجلس الوزراء، إلا ان الدور الوطني لأي رئيس لا يكتمل إلا بالتوافق مع بقية الطوائف.
وثمة من يرى ان التوافق يجب ان يسبق اختيار المرشح، وإن يكن هذا هو الأقوى والأقدر والأكثر تمثيلاً لطائفته.
ففي انتخابات رئاسة الجمهورية أخيراً، طُلب من البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير قائمة بستة أسماء يعتبرها الأكثر تمثيلاً للموارنة، ففعل، ولم يكن بينها اسم العماد ميشال عون الأكثر تمثيلاً، إلا ان أياً منها لم يحظ بموافقة الطوائف الإسلامية. وفي حين رشحت قوى 14 آذار الوزير السابق نسيب لحود والنائب بطرس حرب لاختيار واحد منهما لدخول السباق إلى بعبدا، فاجأ النائب عمار الحوري، العضو في «تيار المستقبل» المنضوي تحت لواء 14 آذار، بطرحه اسم العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً، رغم معارضة البطريرك الماروني هذا الترشيح على أساس انه ضد ترئيس عسكري، ويعارض تعديل الدستور لهذا الغرض. ورغم ذلك، وصل العماد سليمان إلى بعبدا بإجماع النواب وتقديرهم شخصيته وكفاياته، وقد واكبته تظاهرة عربية ودولية داعمة ومؤيدة.
لذلك، فإن الرجل الذي ترشحه طائفته للرئاسة الثالثة، وإن يكن الأكثر تمثيلاً لها، يظل يُعتبر «ذا يد ضعيفة تُلوى في كل حين»، إلى أن تجري تقوية هذه اليد بالتوافق عليها مع ممثلي بقية الطوائف.
وبذلك، يصبح «تشكيل الرئيس المكلف أي حكومة في مصلحة كل لبنان، وتقوم على أسس راسخة ورؤية واضحة»، على ما قال المفتي قباني في بيانه.
وهذا ما يعوّل عليه اللبنانيون لتجاوز أزمة تأليف الحكومة، ما دام تم فصلها عن قضية المحكمة، وبعد رفع اليد السعودية عن أزمة لبنان.