لم يكن أشدّ المتفائلين يتوقّع أن يلتزم النائب مروان حمادة خيار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. كثيرة هي الأسباب التي تدفع حمادة إلى هذا الخيار. هو زار الموت وعاد منه بمجموعة صور يحتفظ بها بين يديه عن ذلك اليوم المشؤوم. عاد من الموت بثقة أن دمشق قرّرت اغتياله. إذاً، هو ليس في وارد مسامحتها. في الوقت عينه هو يُدرك أن أصحاب القرار في دمشق وفي الضاحية الجنوبيّة ليسوا في وارد مسامحته أيضاً، عما قام به لمحاربتهم. يُدرك حمادة أن إخفاء ملفّات وزارة الاتصالات لا يعني أن ما قام به لم يعرف به أحد، ويُدرك أيضاً أنهم يعرفون أنه كان الصلة الأولى مع رفعت الأسد لفتح الطريق أمام شاهد أراده حمادة ملكاً، محمد زهير الصديق.
صوّت مروان حمادة للرئيس سعد الحريري، ولم يكن ذلك مفاجئاً، فجنبلاط يفهم العلاقة التي تجمع حمادة مع آل الحريري منذ أيّام الرئيس رفيق الحريري، إضافة إلى سلسلة الارتباطات الخارجية لحمادة. لكنّ لم يكن أحد يتوقّع أن يتحدّث الرجل باسم النواب الذين خالفوا قرار جنبلاط (هنري الحلو، أنطوان سعد، فؤاد السعد ومحمد الحجّار)، ليقول إنهم «اللقاء الديموقراطي»، وإنهم «عملوا بضميرهم!». ولا بدّ من الإشارة إلى أن النائب فؤاد السعد لم يكن راضياً عن استبعاده عن الكلام في ذاك اليوم في قصر بعبدا.
هنا نقطة التحوّل. مروان حمادة يستعدّ ليُعلن نفسه زعيماً. يتحدّث بثقة والبسمة تعلو وجنتيه. هو مشهد يُذكّر بعام 2000. في تلك السنة، قرّر ابن بعقلين أن يستعيد الزعامة التاريخيّة لآل حمادة، فاستقر في بعقلين في منزل لآل حمادة، لكنّه ليس له أو لوالده أو جدّه، بل مملوك تاريخياً من جبّ عائلي آخر من آل حمادة. النتيجة أتت لمصلحته، فتفوّق على جنبلاط بعدد الأصوات في الشوف.
ردّ زعيم المختارة كان سريعاً: دعوة غداء، يكون ضيفها الأساسي حسن حمادة، ابن الراحل قحطان حمادة. فهم مروان حمادة رسالة جنبلاط وأقفل ذلك البيت، وقفل عائداً إلى بيروت، ليعود سياسياً ضمن فريق جنبلاط، يملك علاقات قوية مع آل الحريري ومع دول غربيّة، ونسي فكرة الزعامة الشعبيّة، مقرّاً بأن هذه الزعامة محصورة في المختارة.
لكنّ ما سرّ الزعامة التقليديّة لآل حمادة؟ يُشير العارفون بتفاصيل الشوف إلى أن زعامة آل حمادة تحالفت تقليدياً مع آل إرسلان (الزعامة اليزبكيّة) وكان في مواجهتهم في بعقلين آل تقي الدين المتحالفون مع آل جنبلاط. في عام 1957، استطاع أن يصل قحطان حمادة إلى مجلس النواب بدلاً من كمال جنبلاط، على لائحة كميل شمعون. وكانت هي المرّة الوحيدة التي يصل فيها إلى الندوة البرلمانيّة؛ إذ كان يفوز دائماً مرشّح جنبلاط بهيج تقي الدين.
وقد وصل آل حمادة إلى ذروة قوتهم يوم تولّى الشيخ رشيد حمادة مشيخة العقل في ستينيات القرن الماضي، مدعوماً من النائب الراحل مجيد إرسلان، في مقابل الشيخ محمد أبو شقرا الذي كان مدعوماً من كمال جنبلاط. وعندما توفي الشيخ حمادة، اتفق إرسلان وجنبلاط على توحيد مشيخة العقل بزعامة الشيخ أبو شقرا.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، فتح وليد جنبلاط الباب أمام مروان حمادة ليُصبح وزيراً، وهو ما رفضه العديد من آل حمادة المعارضين لجنبلاط، إذ رأوا أنه يُنزله عليهم جوّاً، خصوصاً أن والد حمادة لم يتعاط السياسة إلّا من زاوية الإدارة الرسميّة إذ كان سفيراً للبنان.
لم يستطع حمادة أن يُجيّر أصواتاً من عائلته لوليد جنبلاط ولائحته في الدورات التي ترشّح فيها، إضافةً إلى أنه لم يستطع في أي من الجولات الانتخابيّة الحصول على النسبة الأكبر من أصوات آل حمادة في بعقلين وجوارها، إذ لا يزال المتشبثون بالحيثيّة العائليّة يرون أن حسن حمادة، المقرّب من النائب طلال إرسلان، هو الممثّل الحقيقي لهذه العائلة.
من هنا، يرى المتابعون للشوف والحركة السياسيّة فيه، أن حمادة لا يستطيع في يوم من الأيّام تكوين حيثيّة حقيقيّة في وجه جنبلاط، وأن يوافق أحد هؤلاء على أن موقف جنبلاط من حمادة أشرس بكثير من موقفه من رئيس مؤسسة العرفان الشيخ علي زين الدين لحظة الخلاف الحاد بينهما، «لكن لا أحد يتحدّث عن حمادة أمام جنبلاط، لكون الموضوع يعنيه هو فقط، وسيتصرف معه على طريقته» يقول أحد القريبين من جنبلاط.
في الوقت عينه، يُشير آخرون إلى أن هذا مؤشّر لواقع أن قيادة جنبلاط لشخصيات الطائفة الدرزيّة وزعامته لها، باتت أقلّ متانة من ذي قبل، من دون الوهم أنه خسر زعامته، وذلك بعد الإشارة إلى المشكلة مع الشيخ علي زين الدين.
لذلك، يقول مقرّبون من حمادة إن رهان الرجل الأساسي هو ضمان المقعد الدرزي في بيروت لابنه كريم، بديلاً من الوزير غازي العريضي إذا ما حسبنا أن الخلاف السياسي بين جنبلاط وسعد الحريري سيستمر حتى يوم الانتخابات.
هنا، يبرز إشكال إضافي. فالزميل علي حمادة هو مرشّح مفترض للمقعد الدرزي في بيروت، و«مواقفه السياسيّة تأتي من هذا المنطلق» يقول أحد أصدقاء حمادة السابقين. لذلك فإن المشكلة يُفترض أن تُحلّ، لترضي حمادة الذي يطمح لإدخال ابنه إلى المعترك السياسي، والصحافي علي حمادة الطامح للمقعد النيابي. ويلفت هؤلاء إلى أن خطوة جمع النواب في بعبدا خلفه، هي قرض سلّفه حمادة للحريري، ليقبضه بعد سنتين في انتخابات عام 2013.
لكنّ دور حمادة لا يقف هنا. لم يذهب الرجل إلى منزله. استمرّ في دوره السياسي، صلة وصل مع الغرب. ذهب الرجل يوم أمس إلى فرنسا، في ظلّ معلومات عن أنه موفد من الحريري، وأنه قد يلتقي مساعد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان، الذي سيلتقي شخصيّات لبنانيّة وتونسيّة، في محاولة للإيحاء أن حركة ما بقي من 14 آذار تُشبه ثورة الشعب التونسي.