ماذا بعد حسني مبارك؟ فالانتفاضة الشعبية المستمرة في مصر أكدت سيرها باتجاه التخلص من نظام مبارك وملحقاته، وهي ماضية في هذا الاتجاه لتحقيق هذا الهدف في وقت سريع، لكن ما لفت الأوساط المراقبة أمس ان الولايات المتحدة كشفت وبشكل سافر عن محاولات تدخلها من أجل القوطبة على هذه الانتفاضة واحتوائها بأشخاص وبنظام يواصل السياسة الخارجية للنظام البائد خدمة لمصلحة «إسرائيل» وللعلاقة معها. والأمر الآخر هو ان المعارضة دخلت في مشاورات جدية أمس للتوافق على البديل، فإذا كانت لم تتوصل الى تسمية شخص يقود المرحلة الانتقالية حتى ليل أمس، إلا انها متفقة على العناوين وهي: رحيل مبارك، عدم تسليم باقي أطراف نظامه، إلغاء حالة الطوارئ، تعديل الدستور، وحل البرلمان واجراء انتخابات جديدة. فمن المؤكد ان العد العكسي لهذا المشهد في مصر قد بدأ فعلا ولن يتمكن احد من المعسكر المضاد للشعب والامة وقضية الحرية ان يوقفه. فما هي الا ساعات تاريخية (تستغرق اياما او اسابيع) قبل استعادة مصر لحريتها ودورها، حيث لن ينفع النظام لا الاستعانة بطائراته الحربية وممارسة ارهاب الدولة على شعبه، ولا سينفعه كم افواه الإعلام كما جرى مع الزميلة قناة الجزيرة التي مارست دورها الوطني بتقنية عالية. ورغم محاولات الإدارة الأميركية حماية النظام المصري من خلال مطالبته بالاصلاحات ومشاركة أوسع قوى سياسية في الحكم، إلا ان سياسة الخوف التي سيطرت على الشعب المصري لم يعد لها وجود في الوجدان المصري، الذي برغم دخله اليومي الذي يصل الى دولارين فقط لا غير، فإن هذ الشعب الذي انتفض بقوة ضد الظلم والجوع أصبح كطوفان النيل الذي يجرف في كل عام كل القذارات والأوساخ، وسيكون النظام المصري هو الثمن الذي سيجرفه معه هذا الطوفان بعيداً عن مصر واهل مصر «الغلابة». وكانت السلطات المصرية قد منعت أمس بث قناة الجزيرة على قمر نايل سايت المملوك للحكومة، وذلك بعد ساعات على منع القناة من العمل في مصر. وفي وقت سابق من يوم أمس، قرر وزير الإعلام في الحكومة المصرية المقالة أنس الفقي إغلاق وإيقاف نشاط قناة الجزيرة في مصر وإلغاء التراخيص وسحب البطاقات الممنوحة لجميع العاملين فيها. وعلمت «البناء» أن مئات القضاة والضباط انضموا لآلاف المنتفضين في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية. وتأتي هذه الوقائع وسط أنباء عن إجلاء وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي إثر محاصرة مبنى وزارة الداخلية وإطلاق نار كثيف. من جهتها، دعت الشبكة الدولية للحقوق والتنمية النائب العام في مصر إلى فتح تحقيق فوري في قيام قوات الأمن ومن سمتها ميليشيات مسلحة من الحزب الحاكم بقتل 119 مصريا يوم الجمعة فقط بينهم 18 طفلا، وإصابة أكثر من 3745 شخصا، واختفاء 416 مصريا بينهم 14 امرأة. وفي بيان لها، أكدت الشبكة أن ما حدث الجمعة الماضي كان جرائم ضدّ الإنسانية يُحاسَب المسؤولون عنها وفق القانون الدولي، وانها ستبدأ حملة لملاحقة الجناة. الوضع الداخلي وبالعودة الى الوضع الداخلي، وبدءاً من اليوم، يبدأ العد العكسي لعملية تأليف حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الثانية، بعد أن أنهى استشاراته النيابية، وعمل على جوجلة الأفكار والطروحات مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. الرئيس ميقاتي الذي يحاذر التسرع في عملية التأليف، نقلت عنه أوساطه انه سيستنفد كل الوقت سعياً لضمان مشاركة الجميع في الحكومة، أما إذا أصر فريق ما على عدم المشاركة، فيكون ذلك من ضمن اللعبة الديمقراطية التي توجب احترام رأي الجميع. من هنا، وحسب توقعات المراقبين، فإن تأليف الحكومة الذي يجب ألاّ يتأخر كثيراً، لن يشهد تعقيدات صعبة، خصوصاً بعد أن حسم تيار «المستقبل» وغالبية فريق 14 آذار خيارهم لجهة عدم الاشتراك، في موازاة تأكيد فريق المعارضة السابقة على تسهيل كل ما يحتاجه الرئيس ميقاتي لتشكيل الحكومة، وأنه لن يكون لدى هذا الفريق أية شروط أو ضغوطات سواء من ناحية الأسماء أم الحقائب. ووفق المعلومات المتوافرة لـ»البناء» من مصادر مطلعة فإن الـ48 ساعة الماضية شهدت مشاورات جدية حول شكل الحكومة، كما تطرقت الى موضوع توزيع الحقائب، ولكن ليس بشكل حاسم ولا سيما أن الرئيس ميقاتي يسعى الى مزيد من الاتصالات مع كل الأطراف. وتضيف المعلومات انه وفي حال كان هناك توافق على عملية التوزيع فإن الولادة الطبيعية للحكومة ستكون قبل نهاية الأسبوع الحالي. من ناحيتها، أوساط مطلعة على أجواء رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ذكرت ان اتصالات انضاج الطبخة الحكومية موضوعة على «نار هادئة» بعيداً عن التسرع، لأن هناك تعقيدات وعقبات تحتاج الى حلول، والوصول الى مثل هذه الحكومة يفترض إجراء اتصالات مكثفة مع كل القوى والأحزاب والتيارات التي قد تشارك فيها، وبخاصة ما يتعلق بموقف أطراف 14 آذار. وأوضحت المصادر ان صيغة الحكومة العتيدة لم تحسم حتى يوم أمس، في ما إذا كانت ستكون حكومة سياسية بالكامل، أم حكومة مطعمة بتكنوقراط، مشيرة الى أن الأمر الوحيد المحسوم يتعلق بضرورة أن تكون موسعة، وتالياً فالاتجاه أن تكون مؤلفة من 14 أو 30 وزيراً، حتى ان هناك من يتحدث عن امكان توسيعها الى 32 وزيراً من أجل تمثيل الطائفة العلوية والأقليات. وذكرت ان الرئيس المكلف بدأ في الساعات الماضية سلسلة اتصالات بعيدة عن الأضواء مع القوى السياسية المختلفة بما في ذلك قوى 14 آذار، بعد أن كان قد تفاهم في اللقاء أول من أمس مع رئيس الجمهورية حول العناوية الأساسية. إرباك «14 آذار» وفي ما يؤكد حالة الارباك التي يعيشها فريق 14 آذار، فقد ذكرت مصادر مطلعة ان هناك رأيين داخل فريق 14 آذار: الأول يدعو الى المشاركة لأن المقاطعة لن تفيد هذا الفريق، ووجهة نظر أخرى تدعو الى المقاطعة، ويبدو أنها الغالبة. لكن المصادر أوضحت أيضاً أنه داخل كل حزب وتيار سياسي في فريق 14 آذار هناك أكثر من رأي حول مسألة المشاركة في الحكومة. وذكرت ان لا شيء يمنع مشاركة بعض الأحزاب من هذا الفريق في الحكومة، وقوى أخرى قد تمتنع عن المشاركة، بمعنى انه قد لا يسري قرار المقاطعة في حال اتخاذه على كل الأحزاب المنضوية داخل هذا الفريق. وأشارت الى ان موقف حزب الكتائب مثلاً قد يذهب نحو المشاركة بغض النظر عن مواقف القوى الأخرى في هذا الفريق، وان كانت المصادر ترهن المشاركة لهذا الحزب أو ذاك من فريق 14 آذار بما سيسمعونه من الرئيس المكلف حول القضايا الحساسة، وبخاصة تأكيد الأخير انه لم يلتزم بأي شيء مع المعارضة حول الموقف من المحكمة. وعلى الصعيد السياسي العام الداخلي والخارجي فإن مصادر مطلعة قالت لـ»البناء» ان الرئيس ميقاتي بات مرتاحاً بنجاح تشكيل حكومته وانه يتطلع الى انطلاقة قوية على غير مستوى. جنبلاط وفي الوقت الذي لم تسجل فيه حركة بارزة على صعيد المواقف السايسية أمس، فقد لفت كلام لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط خلال جمعية عمومية استثنائية للحزب أكد فيه على تموضعه الجديد الى جانب سورية والمقاومة، كما أكد استمراره في الخط الوطني والعربي المتمثل بالعلاقات المميزة والاستراتيجية بين لبنان وسورية وحماية المقاومة، لافتاً إلى أن موقفه الأخير جنب البلاد خطر الانزلاق نحو الصدام الداخلي وأسهم في شكل كبير في تنفيس حالة الاحتقان. وأشار إلى أن المحكمة الدولية تثبت انحرافها عن مسار العدالة وقد اصبحت نقيضا للاستقرار. على صعيد آخر، اعتبر وزير الخارجية البريطانية وليم هيغ أن «الحكومة في لبنان ستتشكل وفق ما سينتج من اتفاقات بين الفرقاء»، مشيراً إلى «أننا لا نحاول من الخارج أن نفرض من يجب أن يكون في الحكومة أو ما عليهم أن يفعلوه، فإننا نرغب في أن تكون نتيجة ما يجري حكومة تضم كل الفرقاء، أي أن تكون حكومة على أساس التوافق، ولكن من الخارج لا نستطيع أن نعرف ما هي الاتفاقات والعروض التي تتم بينهم، فأنا هنا لا أدعو لأن ينضم البعض للحكومة من دون شروط». وأوضح في حديث إلى «الوطن» السورية، أننا «لسنا مع إمكانية تنازل أو صفقة لتوقيف تأثير المحكمة في الشؤون الداخلية اللبنانية، لأن هذا مسار عدالة يتم العمل عليه بعد جريمة مروعة بحق قائد وآخرين. وفي الوقت ذاته، الحكومة اللبنانية هي التي دعت الى الدعم الدولي لتأسيس المحكمة، وإذا لم نتابع هذا المسار فإن هذا سيجلب عدم استقرار أكبر في المستقبل، فمن المهم أن يبتعد لبنان عن ثقافة الاغتيالات». وأكد أنه لهذا السبب «نحن وأمم أخرى نريد أن نرى المحكمة قادرة على القيام بعملها والاستمرار بذلك، وليس جزءاً من ثقافتنا أن نقوم بصفقات لتوقيف مسار العدالة». سماحه من ناحيته، وفي حديث الى A.N.B رأى الوزير السابق ميشال سماحه اننا «نعيش هذا الاسبوع في لبنان انكفاء وسقوطا لكل ما هو مرتبط بالولايات المتحدة، ولا سيما على صعيد النظام، وهذا ايضا انتصار للديناميكية التغييرية التي اطلقت من سورية في التغيير انطلاقا من الانتماء الى الذات والقضايا والعلاقات مع قوى التغيير في المنطقة». وعن توقيف سورية الانترنت، اشار الى ان «قناة «العربية هي من اطلقت هذه الشائعة، والانترنت لم يتوقف في سورية، لافتا الى ان هناك انسجاماً بين الشعب والقيادة السورية». واستغرب عدم ظهور وزير خارجية مصر احمد ابو الغيط في هذه الايام التي يمر بها الشعب المصري ولم نره، مشيرا الى ان «حركة الشعوب لا احد يستطيع ان يوقفها».