أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«نصيحة» جنبلاط: اقرأوا «الجغرافيا السياسية» وإلا «فالمنفى»!

الثلاثاء 01 شباط , 2011 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,400 زائر

«نصيحة» جنبلاط: اقرأوا «الجغرافيا السياسية» وإلا «فالمنفى»!
إلا أنه يدرك اليوم أن لعبة «الدومينو» لن تتوقف قبل سقوطه، وأن رياح «التغيير الديموقراطي» التي هبت على المنطقة، ستجعل الأميركيين يتخلون عنه وعن خدماته ضمن «حلف المعتدلين»، بعد أن اكتشفوا أنه استهلك كل مقومات وجوده وصار لزاماً عليهم التعاطي مع الوقائع الجديدة.
ليست صدفة أن يصيب «الانهيار» معظم من كانوا يسيرون خلف الولايات المتحدة الأميركية، وإن كانت الشعوب العربية الثائرة لا تخوض نضالها لمصلحة واشنطن ومصالحها، بل بهدف التخلّص من أنظمة هرمة لا تحقق تطلعات هذه الشعوب وأجيالها. لكن ليست صدفة أيضاً أن خريطة الاهتزازات في العالم العربي تكاد تكون عامة، باستثناء سوريا التي تعيش استقراراً في نظامها السياسي بعد أن كانت أول المستهدفين في العام 2005 واستطاعت الصمود في مواجهة العاصفة التي أرادت أن تبدأ حجارة «الدومينو» بالسقوط انطلاقاً من دمشق، ففرض صمودها بداية من مكان آخر غير محسوب.
ولذلك فإن ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد يوم أمس، كان يؤشّر إلى اطمئنانه لاستقرار النظام السياسي في سوريا لأنه لم «يتورّط» في المشروع الأميركي الذي يطيح الآن رموز فشله في تحقيق أهدافه في المنطقة.
ربما كان تزامن توقيت ما جرى في تونس وما يجري في مصر هو الذي سمح بحصول التغيير في لبنان بطريقة دستورية سلسة، على اعتبار أن بنية لبنان السياسية والطائفية الهشّة لا تتحمّل «إعصاراً» كالذي جرى في تونس ومصر، فجرى الاكتفاء بـ«نسمة هواء» أطاحت قوى 14 آذار من السلطة من دون أن تلغي وجودهم أو تدفعهم إلى طلب «اللجوء السياسي» في بلد آخر، وإن كان بعض قيادات هذا الفريق قد بدأ يدرك أن التغيير الذي جرى في لبنان هو بداية الطريق لتحوّل كبير لا بد أن يزيد من أزمة هذا الفريق بما يدفعه إما إلى مزيد من الانكفاء، أو الالتحاق بركب «الموجة» السياسية التي أطاحتهم وتملك من قوة الاندفاع ما يكفي لـ«جرف» أعمدة هذه السلطة.
ثمة شيء كبير تغيّر في إدارة الواقع اللبناني، ومن كان لا يدرك هذه الحقيقة فإنه يحاول التخفيف من وطأة وقعها عليه، تماماً كما يحاول الرئيس المصري تخفيف «كارثة» خروجه من نظام بوليسي وحشي حكم مصر على مدى ثلاثين عاماً، وبدا كأنه تآكل ونخره السوس حتى تهاوى بهذه السرعة.
ما الذي يربط ما يجري في مصر وما جرى في تونس مع ما يجرى في لبنان؟
تفيد الوقائع أن «الجغرافيا السياسية»، التي تحدّث عنها رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في «نصيحته» إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، استعادت زمام المبادرة وأكدت موقعها ودورها في التأثير وإدارة ملفات المنطقة، وإن كانت قد قبلت «مؤقتاً» بتسوية مرحلية صاغتها فرنسا وقطر وجاءت بالرئيس نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة في لبنان، من دون أن يعني ذلك أنها غير قادرة على قلب الطاولة بالكامل، ما يعطي للرئيس ميقاتي فرصة زمنية ضيّقة لصياغة تسوية لبنانية تحفظ جميع القوى في إطار الحكومة ولا تستبعد أحداً من التركيبة الجديدة للسلطة في لبنان، وبما يؤمن استقراراً طويلاً، على غرار تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 1992. أما في حال فشل الرئيس ميقاتي في إنجاز «توليفة» تؤمن مشاركة كل الأطراف في الحكم، فإن ذلك سيؤدي إلى قلب الطاولة بالكامل في وجه قوى 14 آذار، وبالتالي إطاحة فرصة تسوية كان يمكنها أن تقطع الطريق على إنهاء كل مفاعيل التغيير الذي جرى في 2005، وعلى كل المستويات السياسية والأمنية والإدارية.
من هنا يمكن القول، إن اللحظة السياسية في المنطقة قصيرة جداً، وهي تشكّل بالنسبة للبنان فرصة مؤاتية لصياغة «ميني» تحول هادئ لا يدفع أحداً للبحث عن مقرّ إقامة خارج التركيبة السياسية التي ستقوم بمن حضر في لبنان، خصوصاً أن الرهانات على أدوار خارجية باتت خارج المنطق الطبيعي لمجرى الأمور في كل المنطقة.
وإذا كان في لبنان مصفقون كُثر، معظمهم من أهل 8 آذار، لسقوط نظام تونس وترنّح نظام مصر، فإن في لبنان أيضاً من يراهن على ثبات نظام مصر، وفي أسوأ الأحوال أن يأتي نظام حليف آخر يكمل مسيرة تحالف «الاعتدال العربي»، ويؤمّن لهم سنداً سياسياً عبر إدخال مصر إلى الواقع اللبناني للمشاغبة على الدور السوري استكمالاً لما كان معمولاً به خلال السنوات السابقة.
أمسك وليد جنبلاط منذ فترة طرف خيط في التحوّلات الكبرى، فلم يتردّد بإعلان الاعتراف بالخطأ الذي أغفل سهواً «الجغرافيا السياسية»، فاستعاد موقعه داخل التركيبة الداخلية كلاعب أساسي، وهو اليوم يقدّم «خبرته»، لعل النصيحة تنقذ ما بقي من حلفاء سابقين من الوقوع خارج «الجغرافيا اللبنانية».. سياسياً.

Script executed in 0.20218110084534