جلست مجموعة من الصحافيين، أمس، في المقهى الأخضر في مدينة شتورة للاستراحة وارتشاف القهوة بعد مواكبتهم الميدانية لحركة نزول جمهور تيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب إلى ساحة الشهداء في بيروت. استراحة احتدم فيها النقاش السياسي بين الزملاء بشأن شعار 14 آذار الجديد ـــــ القديم المطالب بإسقاط وصاية السلاح، وأعداد الجمهور البقاعي المشارك في مهرجان ساحة الشهداء. يقطع النقاش «الساخن» تلقّي زميل يعمل مراسلاً لإذاعة ترفض «وصاية السلاح» اتصالاً من مكتب التحرير لينقل مشاهداته على الهواء مباشرة.
يؤكد الزميل للمستمعين أن أكثر من 50 ألف بقاعي توجّهوا منذ الصباح الباكر و«قبل طلوع الشمس» إلى ساحة «الحرية». ينهي رسالته الإذاعية، ويبدأ بالضحك حين ينتقده بقية الزملاء على الرقم الخيالي الذي أعلنه، ما ألزمه برد «فكاهي» على انتقاداتهم: «شو نسيتوا يا شباب إنو في بقاعيين ساكنين ببيروت، وراح ينزلوا على الساحة. هودي كمان لازم نحسبهم بالعدد»!
حجم المشاركة البقاعية، أمس، في ذكرى 14 آذار، وبعيداً عن «المزحة» الإعلامية المذكوره، كان الشغل الشاغل لمختلف وسائل الإعلام والقوى السياسية المتنوعة للبناء عليه، وكان أيضاً محط اهتمام مبالغ فيه من مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية التي وضعت نقاط مراقبة و«إحصاء» لأعداد المشاركين ومدى تجاوب أبناء البقاع مع دعوة المستقبل وحلفائه، نزولاً عند مقتضيات «الأمن السياسي». اتفق الجميع على أن أعداد المشاركين لم تتجاوز 17 ألفاً من شمال البقاع، مروراً بوسطه، وصولاً إلى غربه (إحصاءات حزبية معارضة وأمنية رسمية) واتفق الجميع على أن جولات قادة المستقبل في طول سهل البقاع وعرضه، خلال الأسبوع الماضي، لم تستطع تسجيل خروق في جبهة اعتكاف الناس عن تلبية نداء تيار آمنوا به، لكنه لم يحسن التعاطي السياسي والاجتماعي والإنمائي معهم ومع قراهم وبلداتهم، ففضلوا الاعتراض على أسلوب عمل تيار المستقبل على طريقتهم الخاصة والمكوث في منازلهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
«أفعال» تيار المستقبل خلال السنوات الماضية مع جمهوره البقاعي، ولا سيما منذ تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة وحتى إبعاده عنها، دفع ثمنها الباهظ أمس. ثمن يحقّ للقوى المعارضة لهذا التيار، أقله على الساحة البقاعية، أن تسأل عن المستقبل السياسي للمستقبل الذي انكشف «شعبياً» أمس من خلال المشاركة الخجولة من البقاعين الأوسط والغربي (نحو 3500 مشارك من البقاع الغربي وحده وفق إحصاء جهاز أمني رسمي) في تلبية نداءات الرئيس سعد الحريري وقادة 14 آذار الآخرين الذين لم ينجحوا أيضاً في حضّ جمهورهم في زحلة وبعض قراها على المشاركة الكبيرة، إذ جاءت حساباتهم مناقضة لحسابات «الورقة والقلم»، فيما يسجل خرق محدود جداً لتيار المستقبل في جبهة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في منطقة راشيا الوادي من خلال مشاركة متواضعة، أفضت في نهايتها الى تقديم رئيس بلدية ضهر الأحمر شوقي بحمد استقالته من الحزب الاشتراكي مع أعضاء آخرين في فروع للحزب في قرى معدودة في قضاء راشيا.
حسابات الحقل البقاعي للمستقبل، لا يمكن اعتبارها نصراً مبيناً لقوى الثامن من آذار التي لم تحسن بدورها مخاطبة جمهور ترجم فعلاً وقولاً، اعتراضه على أداء تيار المستقبل منذ تولي الحريري الابن رئاسة الحكومة. فقوى وشخصيات الثامن من آذار يبدو أن عدوى خريف تيار المستقبل قد أصابتها، وهم في الأصل والفصل لم يضعوا في «أجندتهم» شكل ومضمون استيعاب حالة شعبية تتململ منذ أكثر من سنة، بل لم تزل مصنّفة في قاموسهم السياسي والإعلامي بأنها حالة «معادية» يمنع استيعابها أو حتى استعادتها إلى موقعها الصحيح.
حالات الاعتراض على أداء تيار المستقبل وقادته في مجدل عنجر وقب الياس وسعد نايل وبر الياس وكامد اللوز وجب جنين والقرعون وبعلبك وعرسال، كانت صورتها واضحة أمس. ففي متابعة ميدانية لحراك «المستقبل» في ميادينه البقاعية، تبرز مجدل عنجر التي لم تلبّ النداء بعدما كانت خزاناً للتيار، بل فضّل شبابها المشاركة في ورشة تدريبية في قاعة النادي تتناول أهمية العمل الاجتماعي وتنمية المجتمع المحلي على المشاركة في الاستماع إلى خطاب سياسي لم يقدم لهم فرص عمل أو حماية سياسية. وشباب سعد نايل وجدوا في المتابعة التلفزيونية أفضل مشاركة، وأهالي عرسال فضّلوا الاستمتاع بأشعة شمس دافئة بعدما غطت الثلوج بلدتهم وكرومهم المهجورة، وقب الياس لم تجد في المشاركة مهمة وطنية، و«قريطم البقاع» كامد اللوز لم تحمّسها زيارة الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، الأسبوع الماضي، وجب جنين لم تجد في قراءة النائب أحمد فتفت، أول من أمس، سورة الفاتحة على أرواح الشهداء، ما يستدعي من أهلها النزول إلى ساحة الشهداء، متمنّياً على نواب 14 آذار تلاوة فعل الندامة على انتخابهم رئيس حركة أمل نبيه بري رئيساً لمجلس النواب.