فجأة على اللبنانيين المقيمين هنا، صورة لها مركباتها المعقدة والقديمة، ذلك أنه وراء اندلاع المواجهة بين الرئيسين المنتهية ولايته لوران غباغبو والمعترف بشرعيته الحسن واتارا، تفاصيل كثيرة، يتعلق بعضها بملابسات التدخل الفرنسي لجانب فريق دون آخر منذ أعوام، والأهم أن هذا السرد يضيء على الأسباب التي حدت اللبنانيين الى عدم مغادرة هذه الأرض المنكوبة حين دق جرس الإنذار منذ أكثر من 4 أشهر، ويجيب عن سؤال وجيه: لم يتشبث هؤلاء بأرض ليست أرضهم؟ والسؤال البارز ايضا يتعلق بالتدابير التي اتخذتها وزارة الخارجية والمغتربين والتي بدأت منذ 4 اشهر إثر اللقاء الذي حصل بين الوزير علي الشامي وسفيري فرنسا دوني بييتون والولايات المتحدة الأميركية مورا كونيللي، الى اسئلة أخرى بديهية عن «آذان صمّاء» في حكومة تصريف الأعمال.
لطالما اعتبر الرئيس العاجي الراحل ومؤسس دولة الإستقلال الوطني فيليكس هوفويت بوانييه الملقّب بـ«حكيم إفريقيا» أن اللبنانيين المقيمين في بلده «ليسوا أناسا عاديين، بل رسل بعث بهم الله إلينا لتنمية هذه الأرض وإعمارها وتقدّمها»، كما كان يردّد. وبناء على هذه الأرضية، انتشر اللبنانيون في ساحل العاج، واندمج عدد كبير منهم في «بلاد الكاكاو»، ونالوا الجنسية العاجية وباتوا من المقيمين الدائمين، حتى أن عددا كبيرا منهم لا يمتلك منازل في لبنان.
وشجعت الثروات الطبيعية التي تحفل بها ساحل العاج من كاكاو وأخشاب ومعادن ثمينة وبترول وغاز، المغتربين اللبنانيين على التوجه الى «درّة إفريقيا» الفرنكوفونية، ووصل التطور والإزدهار اللذان لحقا بها لا سيما في عهد الرئيس بوانييه حدّ وصفها بـ«باريس إفريقيا». هذه النهضة العمرانية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الفائت قامت خصوصا على ايدي اللبنانيين والفرنسيين من بعدهم، علما بأن فرنسا استعمرت ساحل العاج منذ عام 1893 وأعطته استقلاله عام 1960.
إبان الحرب الأهلية اللبنانية، فتح بوانييه أبواب بلده للبنانيين بلا قيود ولا تأشيرات دخول، فبلغت الجالية اللبنانية رقما قياسيا هو 100 ألف لبناني، وما لبث أن انتشر بعض هؤلاء في الدول الإفريقية المجاورة حتى بلغ عدد المغتربين في ساحل العاج الـ80 ألفا، وكان يزداد وينخفض تبعا لتطوّر الأحداث في إفريقيا. في تسعينيات القرن الفائت وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي وبروز النظام العالمي الجديد، بدأ مسلسل الصراعات الأفريقية وما يزال مستمرا لغاية اليوم، فوقع انقلابان في ساحل العاج في العامين 1999 و2001، ووقعت حرب أهلية عام 2004 حيث نشب صراع يشبه ما يحصل حاليا، وانشطرت البلاد الى قسمين. في تلك الحرب تم استهداف الفرنسيين ولم تسلم أرزاق بعض اللبنانيين. آنذاك وقع الخلاف بين الرئيس لوران غباغبو والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك على تنظيم الإنتخابات الرئاسية، لم يكن شيراك يرغب بمجيء غباغبو الأستاذ الجامعي في مادة التاريخ وخريج الجامعات الفرنسية لأن الأخير كان من داعمي الحزب الإشتراكي الفرنسي المناوئ لشيراك، وقتها طرد غباغبو الفرنسيين فخرجوا تاركين املاكهم وارزاقهم ومدارسهم ما خلق جرحا فرنسيا عميقا.
تحوّل الأعمال اللبنانية
اشترى اللبنانيون أغلب الاستثمارات الفرنسية، لكن الجدير ذكره أن هؤلاء ومنذ أوائل التسعينيات بدأوا بالتحوّل من التجارة البسيطة الى الصناعة بتوجيه من الدولة اللبنانية وخصوصا بعد إنشاء وزارة المغتربين عام 1993، بحسب رواية مسؤول بارز في مديرية المغتربين في وزارة الخارجية «والسبب أن التجارة ترتبط بأعمال أهل البلد أما التوجه نحو الصناعة فيجنّب اللبنانيين الحساسيات، فضلا عن كونها تستوجب يدا عاملة من العاجيين ما يعزّز الترابط بينهم وبين أبناء لبنان».
بدأ التوتر يتسلل شيئا فشيئا الى ساحل العاج بعد حوادث 2004، ولم يعد الإستقرار مضمونا إذ انقسم البلد الى شمال وجنوب، وتكيف اللبنانيون مع هذه الانقسام وشكل تعلقهم بهذا البلد دافعا لعدم مغادرته حتى إبان حوادث 2004.
لم تكن العودة الى لبنان رحلة سعيدة بالنسبة الى هؤلاء، لأن المجيء القسري يعني ترك أرزاقهم وتكبدهم خسائر جمة «وبالتالي فإن رحلتهم جدّ مكلفة»، يقول المسؤول في مديرية المغتربين.
لكن لما يحتاج المغتربون لمن يدفع عنهم ثمن بطاقات السفر إذا كانوا يعملون في بلد ثري ومنذ أعوام طويلة؟ يجيب المصدر في مديرية المغتربين «إن التجمّع المغترب كما المقيم متعدد المستويات المادية، فثمة 25 في المئة من الأثرياء و50 في المئة من الطبقة المتوسطة، و25 في المئة من المسحوقين الذين يعيشون في ظروف قاسية».
لدى اللبنانيين في ساحل العاج 5 مدارس أبرزها الإرسالية اللبنانية، مدرسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، المدرسة اللبنانية وهي تستقبل تلامذة لبنانيين وعاجيين ودروسها هي بحسب المنهاجين اللبناني والعاجي، وثمة مستشفى لبناني في أبيدجان يعمل فيه أطباء لبنانيون ذوو سمعة مهنية عالية.
تدابير استباقية و«آذان صمّاء»
ويلفت دبلوماسي لبناني عاش في ساحل العاج الانتباه إلى «أن الوضع في هذا البلد هو «تحت العناية الفائقة منذ عام 2004 ويخضع لتتبع دقيق، وقبل اندلاع الأزمة الأخيرة أنشئت لجنة طوارئ من أجل تضامن الجالية اللبنانية بإيعاز مباشر من مدير المغتربين هيثم جمعة، ووضعت بإشراف السفير اللبناني وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم والجمعيات العاملة في ساحل العاج والممثلة لمختلف أطياف المجتمع اللبناني بغية مواكبة أي تطوّر قد يحصل، وقد لوحظ أنه منذ 5 أعوام والخلاف حول الانتخابات الرئاسية مؤجل، لكن التوتر الأخير جاء عاجلا بعد الانتخابات الأخيرة في تشرين الثاني الفائت وإعلان كل من الحسن واتارا ولوران غباغبو فوزهما.
ومنذ ذلك الحين بادرت وزارة الخارجية والمغتربين بحسب مصدر دبلوماسي فيها الى «الاتصال بالجالية اللبنانية للوقوف على رأيها في الخطوات المنوي اتخاذها بما لا يتعارض مع مصالحها، كما تم الاتصال بقوات الأمم المتحدة وجرى اجتماع في وزارة الخارجية منذ 4 اشهر بين الوزير علي الشامي والسفيرين دوني بييتون ومورا كونيللي للبحث في السبل الآيلة الى تقديم المساعدة للجالية اللبنانية في حال تدهور الأوضاع وخصوصا أن للفرنسيين قاعدة عسكرية وللأميركيين أسطولا بحريا ضخما، كما نسقت الوزارة مع السفير اللبناني في باريس بطرس عساكر لكي يؤكد على الاتفاق السابق مع الدولة الفرنسية من أجل تقديم الحماية للجالية اللبنانية».
في إطار الحماية عينها، يدرج المسؤولون في وزارة الخارجية والمغتربين المشاركة اللبنانية في حفل تنصيب غباغبو «لأن غالبية اللبنانيين موجودون في مناطق نفوذه، وترافق هذا الحضور مع اتصال توضيحي بواتارا للتعبير عن تمسك لبنان بالشرعية الدولية، وقد صوّت لبنان الى جانب قرارات الأمم المتحدة المؤيدة لواتارا».
في الوقت عينه، تشكلت في ساحل العاج لجنة برئاسة السفير علي عجمي واعضاء الجالية اللبنانية برئاسة نجيب زهر وممثلين عن الجمعيات الفاعلة لبحث سبل حماية الجالية اللبنانية، وبعد اندلاع الحوادث تم استهداف مدنيين أجانب وفرنسيين على وجه التحديد وتمت عمليات خطف لفرنسيين وتعرض بعض أبناء الجالية الفرنسية للضرب، لكن لم يتعرض أي لبناني لحالات مماثلة من المضايقات، وإن حصل أي أمر مشابه فكان لاعتقاد المهاجمين بأن الشخص فرنسي وليس لبنانيا بحسب ما تؤكده المراسلات الدبلوماسية منذ ذلك الحين.
إلا أن الصعوبة الأساسية وقعت بعد تشديد العقوبات الإقتصادية على ساحل العاج ما شكّل ضربة للتجارة اللبنانية وللبنانيين بشكل عام، وفي الوقت ذاته وجهت لجنة الطوارئ المذكورة طلبات إلى الجالية اللبنانية بالمغادرة «لمن ليس له عمل ملح»، وخصوصا النساء والأطفال، وفي البداية يروي دبلوماسي لبناني معني بالملف العاجي «لبّت بعض العائلات هذا النداء، وانتقلت إلى لبنان، ثم تم الاتفاق مع «الميدل إيست» بتخفيض الأسعار على بطاقات السفر بنسبة 25 في المئة، إلا أن معظم اللبنانيين آثروا البقاء لحماية أرزاقهم غير آبهين بالخطر الداهم المتأتي من تدهور الأوضاع».
ومنذ بداية الأزمة، عكفت وزارة الخارجية والمغتربين على الإتصال بالبعثة اللبنانية في أبيدجان، وبالدول المعنية مثل فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة، إلا أن الوزارة مكبلة ماليا، وقد تولى الوزير علي الشامي إعلام المسـؤولين اللبنانيين كافة بخطورة ما يجري متصلا بالرؤساء جميعهم بمن فيهم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، منبها الى عدم وجود ميزانية في الوزارة لمساعدة اللبنانيين المحتاجين، لكن تلبية النداء لم تكن سريعة باستثناء الإتصال الذي اجراه رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالحريري والطلب إليه الإسراع في تلبية طلب تجهيز طائرات «الميدل إيست» فاستجاب الحريري لطلب سليمان، ويقول دبلوماسي لبناني «إننا كوزارة الخارجية واقعون بين سندان المطالب المحقة للناس والآذان الصماء لبعض المسؤولين في الدولة، علما بأن هذه المسؤولية هي وطنية ولا يجب إدخال العنصر المناطقي أو الطائفي اليها».
لطالما اعتبر الرئيس العاجي الراحل ومؤسس دولة الإستقلال الوطني فيليكس هوفويت بوانييه الملقّب بـ«حكيم إفريقيا» أن اللبنانيين المقيمين في بلده «ليسوا أناسا عاديين، بل رسل بعث بهم الله إلينا لتنمية هذه الأرض وإعمارها وتقدّمها»، كما كان يردّد. وبناء على هذه الأرضية، انتشر اللبنانيون في ساحل العاج، واندمج عدد كبير منهم في «بلاد الكاكاو»، ونالوا الجنسية العاجية وباتوا من المقيمين الدائمين، حتى أن عددا كبيرا منهم لا يمتلك منازل في لبنان.
وشجعت الثروات الطبيعية التي تحفل بها ساحل العاج من كاكاو وأخشاب ومعادن ثمينة وبترول وغاز، المغتربين اللبنانيين على التوجه الى «درّة إفريقيا» الفرنكوفونية، ووصل التطور والإزدهار اللذان لحقا بها لا سيما في عهد الرئيس بوانييه حدّ وصفها بـ«باريس إفريقيا». هذه النهضة العمرانية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الفائت قامت خصوصا على ايدي اللبنانيين والفرنسيين من بعدهم، علما بأن فرنسا استعمرت ساحل العاج منذ عام 1893 وأعطته استقلاله عام 1960.
إبان الحرب الأهلية اللبنانية، فتح بوانييه أبواب بلده للبنانيين بلا قيود ولا تأشيرات دخول، فبلغت الجالية اللبنانية رقما قياسيا هو 100 ألف لبناني، وما لبث أن انتشر بعض هؤلاء في الدول الإفريقية المجاورة حتى بلغ عدد المغتربين في ساحل العاج الـ80 ألفا، وكان يزداد وينخفض تبعا لتطوّر الأحداث في إفريقيا. في تسعينيات القرن الفائت وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي وبروز النظام العالمي الجديد، بدأ مسلسل الصراعات الأفريقية وما يزال مستمرا لغاية اليوم، فوقع انقلابان في ساحل العاج في العامين 1999 و2001، ووقعت حرب أهلية عام 2004 حيث نشب صراع يشبه ما يحصل حاليا، وانشطرت البلاد الى قسمين. في تلك الحرب تم استهداف الفرنسيين ولم تسلم أرزاق بعض اللبنانيين. آنذاك وقع الخلاف بين الرئيس لوران غباغبو والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك على تنظيم الإنتخابات الرئاسية، لم يكن شيراك يرغب بمجيء غباغبو الأستاذ الجامعي في مادة التاريخ وخريج الجامعات الفرنسية لأن الأخير كان من داعمي الحزب الإشتراكي الفرنسي المناوئ لشيراك، وقتها طرد غباغبو الفرنسيين فخرجوا تاركين املاكهم وارزاقهم ومدارسهم ما خلق جرحا فرنسيا عميقا.
تحوّل الأعمال اللبنانية
اشترى اللبنانيون أغلب الاستثمارات الفرنسية، لكن الجدير ذكره أن هؤلاء ومنذ أوائل التسعينيات بدأوا بالتحوّل من التجارة البسيطة الى الصناعة بتوجيه من الدولة اللبنانية وخصوصا بعد إنشاء وزارة المغتربين عام 1993، بحسب رواية مسؤول بارز في مديرية المغتربين في وزارة الخارجية «والسبب أن التجارة ترتبط بأعمال أهل البلد أما التوجه نحو الصناعة فيجنّب اللبنانيين الحساسيات، فضلا عن كونها تستوجب يدا عاملة من العاجيين ما يعزّز الترابط بينهم وبين أبناء لبنان».
بدأ التوتر يتسلل شيئا فشيئا الى ساحل العاج بعد حوادث 2004، ولم يعد الإستقرار مضمونا إذ انقسم البلد الى شمال وجنوب، وتكيف اللبنانيون مع هذه الانقسام وشكل تعلقهم بهذا البلد دافعا لعدم مغادرته حتى إبان حوادث 2004.
لم تكن العودة الى لبنان رحلة سعيدة بالنسبة الى هؤلاء، لأن المجيء القسري يعني ترك أرزاقهم وتكبدهم خسائر جمة «وبالتالي فإن رحلتهم جدّ مكلفة»، يقول المسؤول في مديرية المغتربين.
لكن لما يحتاج المغتربون لمن يدفع عنهم ثمن بطاقات السفر إذا كانوا يعملون في بلد ثري ومنذ أعوام طويلة؟ يجيب المصدر في مديرية المغتربين «إن التجمّع المغترب كما المقيم متعدد المستويات المادية، فثمة 25 في المئة من الأثرياء و50 في المئة من الطبقة المتوسطة، و25 في المئة من المسحوقين الذين يعيشون في ظروف قاسية».
لدى اللبنانيين في ساحل العاج 5 مدارس أبرزها الإرسالية اللبنانية، مدرسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، المدرسة اللبنانية وهي تستقبل تلامذة لبنانيين وعاجيين ودروسها هي بحسب المنهاجين اللبناني والعاجي، وثمة مستشفى لبناني في أبيدجان يعمل فيه أطباء لبنانيون ذوو سمعة مهنية عالية.
تدابير استباقية و«آذان صمّاء»
ويلفت دبلوماسي لبناني عاش في ساحل العاج الانتباه إلى «أن الوضع في هذا البلد هو «تحت العناية الفائقة منذ عام 2004 ويخضع لتتبع دقيق، وقبل اندلاع الأزمة الأخيرة أنشئت لجنة طوارئ من أجل تضامن الجالية اللبنانية بإيعاز مباشر من مدير المغتربين هيثم جمعة، ووضعت بإشراف السفير اللبناني وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم والجمعيات العاملة في ساحل العاج والممثلة لمختلف أطياف المجتمع اللبناني بغية مواكبة أي تطوّر قد يحصل، وقد لوحظ أنه منذ 5 أعوام والخلاف حول الانتخابات الرئاسية مؤجل، لكن التوتر الأخير جاء عاجلا بعد الانتخابات الأخيرة في تشرين الثاني الفائت وإعلان كل من الحسن واتارا ولوران غباغبو فوزهما.
ومنذ ذلك الحين بادرت وزارة الخارجية والمغتربين بحسب مصدر دبلوماسي فيها الى «الاتصال بالجالية اللبنانية للوقوف على رأيها في الخطوات المنوي اتخاذها بما لا يتعارض مع مصالحها، كما تم الاتصال بقوات الأمم المتحدة وجرى اجتماع في وزارة الخارجية منذ 4 اشهر بين الوزير علي الشامي والسفيرين دوني بييتون ومورا كونيللي للبحث في السبل الآيلة الى تقديم المساعدة للجالية اللبنانية في حال تدهور الأوضاع وخصوصا أن للفرنسيين قاعدة عسكرية وللأميركيين أسطولا بحريا ضخما، كما نسقت الوزارة مع السفير اللبناني في باريس بطرس عساكر لكي يؤكد على الاتفاق السابق مع الدولة الفرنسية من أجل تقديم الحماية للجالية اللبنانية».
في إطار الحماية عينها، يدرج المسؤولون في وزارة الخارجية والمغتربين المشاركة اللبنانية في حفل تنصيب غباغبو «لأن غالبية اللبنانيين موجودون في مناطق نفوذه، وترافق هذا الحضور مع اتصال توضيحي بواتارا للتعبير عن تمسك لبنان بالشرعية الدولية، وقد صوّت لبنان الى جانب قرارات الأمم المتحدة المؤيدة لواتارا».
في الوقت عينه، تشكلت في ساحل العاج لجنة برئاسة السفير علي عجمي واعضاء الجالية اللبنانية برئاسة نجيب زهر وممثلين عن الجمعيات الفاعلة لبحث سبل حماية الجالية اللبنانية، وبعد اندلاع الحوادث تم استهداف مدنيين أجانب وفرنسيين على وجه التحديد وتمت عمليات خطف لفرنسيين وتعرض بعض أبناء الجالية الفرنسية للضرب، لكن لم يتعرض أي لبناني لحالات مماثلة من المضايقات، وإن حصل أي أمر مشابه فكان لاعتقاد المهاجمين بأن الشخص فرنسي وليس لبنانيا بحسب ما تؤكده المراسلات الدبلوماسية منذ ذلك الحين.
إلا أن الصعوبة الأساسية وقعت بعد تشديد العقوبات الإقتصادية على ساحل العاج ما شكّل ضربة للتجارة اللبنانية وللبنانيين بشكل عام، وفي الوقت ذاته وجهت لجنة الطوارئ المذكورة طلبات إلى الجالية اللبنانية بالمغادرة «لمن ليس له عمل ملح»، وخصوصا النساء والأطفال، وفي البداية يروي دبلوماسي لبناني معني بالملف العاجي «لبّت بعض العائلات هذا النداء، وانتقلت إلى لبنان، ثم تم الاتفاق مع «الميدل إيست» بتخفيض الأسعار على بطاقات السفر بنسبة 25 في المئة، إلا أن معظم اللبنانيين آثروا البقاء لحماية أرزاقهم غير آبهين بالخطر الداهم المتأتي من تدهور الأوضاع».
ومنذ بداية الأزمة، عكفت وزارة الخارجية والمغتربين على الإتصال بالبعثة اللبنانية في أبيدجان، وبالدول المعنية مثل فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة، إلا أن الوزارة مكبلة ماليا، وقد تولى الوزير علي الشامي إعلام المسـؤولين اللبنانيين كافة بخطورة ما يجري متصلا بالرؤساء جميعهم بمن فيهم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، منبها الى عدم وجود ميزانية في الوزارة لمساعدة اللبنانيين المحتاجين، لكن تلبية النداء لم تكن سريعة باستثناء الإتصال الذي اجراه رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالحريري والطلب إليه الإسراع في تلبية طلب تجهيز طائرات «الميدل إيست» فاستجاب الحريري لطلب سليمان، ويقول دبلوماسي لبناني «إننا كوزارة الخارجية واقعون بين سندان المطالب المحقة للناس والآذان الصماء لبعض المسؤولين في الدولة، علما بأن هذه المسؤولية هي وطنية ولا يجب إدخال العنصر المناطقي أو الطائفي اليها».