وذكر التلفزيون المصري أن مبارك وابنيه علاء وجمال سيعرضون على محكمة في القاهرة في 19 نيسان الحالي لاستجوابهم.
ويواجه الرئيس السابق خمس تهم تتعلق بالتحريض والاشتراك في قتل متظاهرين أثناء الثورة، وتسهيل الاستيلاء على المال العام والإضرار به، وتضخم الثروة، وهي الاتهامات التي جاءت في بلاغات للنائب العام من مواطنين.
ويواجه جمال وعلاء تهما مشابهة تتعلق بالفساد والتحريض على قتل المتظاهرين. ونقل علاء (50 عاما) وهو رجل أعمال، وجمال (48 عاماً)، وهو مصرفي وقيادي في «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم سابقا، من مدينة شرم الشيخ، حيث كان يتم التحقيق
معهما حتى وقت متأخر من مساء الثلاثاء الماضي، إلى سجن طرة في جنوبي القاهرة السادسة من صباح أمس بمروحية عسكرية.
أما والدهما، الذي نقل إلى العناية المركزة في مستشفى شرم الشيخ أثناء التحقيق معه، لكن حالته سمحت باستمرار استجوابه بعد ذلك، فكان من المفترض نقله إلى مستشفى في القاهرة مساء أمس. وقالت مصادر لـ«السفير» إن السبب في ذلك عدم جهوزية مستشفى شرم الشيخ لرعايته صحياً، وإن نقله إلى القاهرة بهدف توفيرها له، وإن زوجته بصحبته. ونفى المصدر ما تردد عن نية النائب العام حبس سوزان مبارك.
وقال المتحدث الرسمي باسم النيابة العامة، في تصريح نشر على صفحتها على «فيسبوك»، إن «النائب العام أمر بحبس كل من الرئيس السابق محمد حسني مبارك وابنيه علاء وجمال مبارك 15 يوما على ذمة التحقيقات بعد أن واجهتهم النيابة العامة بما توصلت إليه المرحلة التي قطعتها التحقيقات من اتهامات وتم تسليم قرارات الحبس» إلى جهات الشرطة المختصة.
وأضاف أنه ثبت من تقرير اللجنة الطبية التي كلفتها النيابة بالكشف على الرئيس السابق في مقر إقامته بشرم الشيخ انه «يعاني من ظروف صحية تستلزم نقله إلى أحد المستشفيات ليكون تحت الرعاية الطبية أثناء استجوابه. لذلك قرر النائب العام أن يتم التحقيق معه في مستشفى شرم الشيخ».
وبعدما وصفت الحال الصحية لمبارك بأنها «غير مستقرة»، قال احمد السباعي رئيس فريق الأطباء الشرعيين الذين كلفهم النائب العام تقييم الحال الصحية لمبارك إن الوضع الصحي للرئيس السابق بات مستقرا بعد تلقيه العلاج اللازم.
وتزامنت هذه التطورات مع قرار رئيس جهاز الكسب غير المشروع حبس رئيس مجلس الشعب فتحي سرور 15 يوما هو الآخر بتهمة تضخم ثروته بما لا يتناسب مع دخله. وأيدت محكمة جنايات القاهرة قرار التحفظ على أموال وجميع ممتلكات وزير البترول السابق سامح فهمي وزوجته.
وبذلك يكون سجن «مزرعة طرة» أشبه بمقر لأبرز أعضاء آخر حكومة شكلها مبارك قبل خلعه، بمن في ذلك رئيس الوزراء السابق احمد نظيف، إضافة إلى رجاله وأعوانه هو وابنه الأصغر جمال. ولأن هذا التطور، بما استجد عليه أمس بقرار حبس مبارك وابنيه، جسيم، استدعى ردود أفعال على المستوى ذاته. وبدأ المصريون يهنئون بعضهم بعضا في الصباح، ثم يتندرون على ما آلت إليه الأمور.
وتراجع ائتلاف «شباب 25 يناير» عن الذهاب إلى ساحة التحرير غدا الجمعة، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، كما كان مخططاً.
على موقع «تويتر» ظل الخبر يسيطر على ما يكتبه المستخدمون طوال اليوم، بعبارات مثل «آخر طلعة جوية... للسجن مع الحرامية» في إشارة للدور الذي زعمه مبارك لنفسه في حرب أكتوبر 1973 عندما ادعى انه صاحب الضربة الجوية الأولى ضد إسرائيل. آخرون شبهوا سجن طرة ببرنامج «ستار أكاديمي» حيث «نتابع أخبار النزلاء ونشوف مين اتخانق مع مين ومين منفسن من مين».
ففي هذا السجن الشهير، الذي كان مقر قيادات «الإخوان» وأعضاء الجماعات الإسلامية والمعارضين لعقود طويلة، يستضيف أكثر الشخصيات نفوذاً في عصر مبارك الذي وصف بأنه الأكثر فساداً، خاصة منذ صعود ابنه جمال إلى الواجهة في العام 2001 مع طموحه في خلافة والده في السلطة. وكان جمال يعتبر الحاكم الفعلي لمصر، أو على الأقل، مشاركاً في الحكم في السنوات الأخيرة: يطبق سياسات اقتصادية ضارة، يأتي ويذهب بوزارات، ويدير ملفات حساسة. ومن سخرية القدر أن جمال أصبح سجيناً في العام ذاته، الذي كان يتوقع أن يتولى حكم مصر، حيث إن ولاية مبارك كانت ستنتهي هذا العام.
ووصف المؤرخ المصري - الفلسطيني بشير نافع هذا التصعيد بأنه «غير مسبوق في تاريخ الدولة الحديثة في العالم العربي»، فالدولة السابقة «كلها في عنبر واحد» كما قال لـ«السفير».
وجاء قرار حبس مبارك بعد يومين فقط من قرار النائب العام استدعاءه للتحقيق بعد ساعتين فقط من بث قناة «العربية»، تسجيلا صوتيا قصيرا للرئيس السابق، نفى فيه ما تردد عن حجم ثروته (قدرت بـ70 مليار دولار) أو أنه يمتلك أي أصول أو عقارات خارج مصر. وتوعد أن يقاضي من يتعرض له أو أسرته في هذا الشأن.
واعتبر هذا التسجيل استفزازاً للرأي العام المصري الذي كان يطالب بمحاكمته في آخر مليونية «تطهير ومحاكمة» احتشدت في ميدان التحرير ومدن مصرية أخرى الجمعة الماضية. وربما تسبب أيضا في إحراج المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يتعرض للنقد الشديد من بعض النشطاء السياسيين لما اعتبروه تباطؤا في محاكمة مبارك وأعوانه. وتزامن ذلك مع انضمام عدد من ضباط الجيش للمتظاهرين الذين هاجموا المجلس العسكري وقائده الأعلى المشير محمد حسين طنطاوي، واتهموه بالخيانة. وجرى تصعيد الموقف عندما هاجمت الشرطة العسكرية اعتصام هؤلاء مع مدنيين فجر السبت الماضي، بالرصاص، ما تسبب في قتل شاب عمره 17 عاماً وإصابة آخرين، واعتقال كل الضباط المنشقين وأكثر من 40 من المتظاهرين. وتعالت بعدها أصوات ليست قليلة معادية للمجلس العسكري اتهمته بقيادة «الثورة المضادة».
فهل أسرع المجلس بحبس مبارك لاستعادة ثقة الشعب؟ يقول طلعت مسلم، وهو لواء أركان حرب متقاعد بالجيش، إنه من الصعب ربط الأمرين هكذا، وكأنه تم تسليم مبارك مقابل استعادة سمعة الجيش. واستنكر مسلم اتهام المجلس «بالتواطؤ» لحماية مبارك، كما تردد، أو انه تمت التضحية به حتى يستعيد الجيش سمعته التي تأثرت بعد هجوم 9 نيسان. وقال لـ«السفير» انه «بالعكس، المجلس لم يكن حازماً بالشكل المطلوب وكان متهاوناً» مع المتظاهرين منذ أول الثورة.
ولكن تظل هناك علامات استفهام على تطور وضع الرئيس السابق وعائلته منذ تنحيه. ففي خطابة الأخير في 10 شباط الماضي، قال مبارك انه سيموت ويدفن في مصر. وانتقل إلى مقره الفاخر في منتجع شرم الشيخ بعد ذلك مع أسرته، وهو الوضع الذي استمر لمدة أسبوع إلى أن انتقده محمد حسنين هيكل الذي حذر من «بؤرة» شرم الشيخ والثورة المضادة التي تدار من هناك. بعدها بدأت تتعالى أصوات بضرورة مغادرة مبارك لمصر، ولكن لم يكن مطروحاً آنذاك محاكمته أو تعرضه للمساءلة. وكان الانطباع السائد أن المجلس العسكري، عندما أجبر مبارك على التنحي، قد عقد معه صفقة ما أو وعده بعدم الملاحقة القانونية، وهو ما يفسر استمرار بقاء مبارك في شرم الشيخ بعد ذلك، وعدم محاولته ترك البلاد، إلى أن صدر بيان للمجلس العسكري، في 28 آذار الماضي، بأنه تحت الإقامة الجبرية، وذلك بعد انتشار شائعات بأن مبارك سافر إلى تبوك في السعودية.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة «هناك احتمال بأن الجيش وعده بالأمان من دون ضمانات مكتوبة» ما يفسر استمرار بقائه في البلاد الذي اتضح بعد ذلك انه كان «سوء تقدير منه».
ووصف نافعة لـ«السفير» تسارع الأحداث لتصل إلى هذه النقطة بأنها تدخل من «العناية قد تكون إلهية» التي جعلت الضغط الشعبي لمحاكمته يتزامن مع «الأخطاء» التي وقع فيها مبارك: بقائه في مصر والتسجيل الصوتي الذي أرسله لقناة «العربية» من دون استشارة المجلس العسكري أو علمه.
وأيا كان المستشفى الذي سينقل إليه مبارك الآن، فسيظل سجيناً. ويقول رجال القانون إن العجلة القانونية بدأت في ما يخصه. ويعتقد نافعة أن مبارك سيحاكم حتى لو لم تسمح له حالته الصحية «فسيظل في المستشفى وينقل إلى المحكمة عندما يكون مطلوبا». ولا يوجد مجال لصدور عفو صحي عنه الآن كما ردد البعض، لان العفو يكون لحكم قضائي بالإدانة. السؤال الآن، كما يمزح البعض، أو لا يمزح، على «تويتر»: هل سيعيش مبارك حتى يحاكم أمام القضاء؟.