أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الفدرالية طموح للقذافي هل تتحوّل إلى واقع؟

السبت 07 أيار , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,585 زائر

الفدرالية طموح للقذافي هل تتحوّل إلى واقع؟

مثّل اتهام رئيس فريق إدارة الأزمة في المجلس الوطني الانتقالي الليبي، محمود جبريل، العقيد معمر القذافي، بأنه يسعى الى إقامة نظام فدرالي في ليبيا تتقاسمه السلطة والمعارضة، مادة دسمة للمراقبين الذين ينظرون إلى مستقبل الهضبة الأفريقية في ضوء التطورات العسكرية، التي لم تحسم خيار المعركة لمصلحة أيّ من الطرفين المُتقاتلين.
وأعاد تصريح جبريل إلى الأذهان تقسيم ليبيا التاريخي بين ثلاثة أقاليم: طرابلس وبرقة وفزان. وذلك بقوله «إن النظام يريد من خلال القصف الكثيف لمصراتة والجبل الغربي في غرب ليبيا تحقيق أمرين، أوّلهما أن ينجح في السيطرة على المنطقتين حتى يدعو بعد ذلك إلى إقامة نظام فدرالي، كما كان ذلك في الماضي. أما الهدف الثاني، فهو رغبة النظام في أن يؤدي ذلك إلى تدخل عسكري بري أجنبي حتى يستغل ذلك ليدعو الليبيين إلى مكافحة المستعمر».
وكما هو معروف فإن الفدرالية شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسّمة دستورياً بين حكومة مركزية وأقاليم، أو ولايات، لكل ولاية نظامها الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بمعنى تمتع كل إقليم بالحكم الذاتي. أما السلطة المركزية، فتفوَّض ببعض من الصلاحيات المشتركة مثل الدفاع والسياسة الخارجية والأمن العام، مع الاحتفاظ ببعض الصلاحيات للولايات. وفي ليبيا، التي لا يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة، مساحات شاسعة من الأراضي تبلغ 1,759,540 كيلومتراً مربعاً. بيد أن تمركز السكان هناك يكاد يتكثف في المناطق والمدن الساحلية، حيث تملك الجماهيرية أطول ساحل بين الدول المطلة على البحر المتوسط، يبلغ قُرابة 1955 كيلومتراًً.
الواقع الليبي الحالي يسهم في ترجيح كفّة هذا الخيار، بعد الانقسام القائم بين منطقة شرقية عُرفت تاريخياً بعدم رضاها عن النظام، وأخرى غربية تمكّن العقيد القذافي من السيطرة على معظم مناطقها لأسباب لوجستية وعسكرية وديموغرافية متعلقة بالثقل القبائلي في منطقتَي سرت وسبها الغربيتين، حيث معقل قبيلتي القذاذفة وأبناء سليمان اللتين تؤيدان القذافي.
الواقع الحالي بات يفرض التعاطي مع منطقتين ليبيتين لكل منهما هويتها، واحدة في الغرب عاصمتها طرابلس ويحكمها القذافي، باستثناء بعض الجيوب في مصراتة والجبل الغربي وبعض المناطق الحدودية القريبة من تونس، وأخرى في الشرق مقرها بنغازي، ثاني أكبر مدينة ليبية، وتحكمها المعارضة ممثلة بالمجلس الوطني الانتقالي، باستثناء بعض المدن المهمة مثل البريقة ورأس لانوف، اللتين لا تزالان بأيدي كتائب النظام.
وبحسب التقسيم الحالي للجماهيرية، فإن ليبيا تتكوّن من 22 شعبية (محافظة). وكل شعبية تنقسم إلى مؤتمرات شعبية أساسية. وينقسم كل مؤتمر شعبي أساسي إلى عدد من الكومونات (أصغر وحدة سياسية).
وتتوزع هذه الشعبيات على المنطقتين الشرقيّة والغربيّة على الشكل الآتي:
المنطقة الشرقية: بنغازي (نحو 700000 نسمة)، وشعبيات الجبل الأخضر وعاصمتها البيضاء، وإجدابيا، والبطنان وعاصمتها طبرق، ودرنة، والقبة عاصمة العبيدات، والكفرة وعاصمتها الجوف.
وفي الغرب شعبية طرابلس (نحو 1100000 نسمة) وشعبيات سبها وسرت ومصراتة، والمرج والزاوية، وشعبية النقاط الخمس في زوارة، وشعبية الجفارة في العزيزية، والمرقب في الخمس، وصبراتة وصرمان، وشعبية ترهونة ومسلاتة، وشعبية نالوت، ومرزق، وبني وليد، وشعبية المرقب في زليتين، والجبل الغربي وعاصمتها غريان.
وفي سياق الحديث عن تقسيم ليبيا بين المعارضة والسلطة، فإن النفط سيكون له الدور الأبرز في هذا الواقع الذي لا يزال مُستبعداً، بما يُمثّل من مادة حيوية غنية إلى جانب الغاز الطبيعي. وفي بلد يُمثّل النفط نحو 94 في المئة من عائداته، تتركّز عيون الطرفين المُتخاصمين على الذهب الأسود، الذي لا بد من توظيفه في معركة التنمية التي ستصبح مجال منافسة بين الجانبين، فيما لو تحقّقت فرضية التقسيم الفدرالي.
وبذلك سيكون الوضع على الشكل الآتي: يسيطر الثوار في الشرق على الحقول التي تقع في منطقة سرير ومصافي التكرير في طبرق وبنغازي والبريقة، وهي مناطق تسهم في أكثر من ثلث عائدات قطاع النفط الليبي، بينما يسيطر القذافي على الحقول في الفيل والزاوية وطرابلس، فيما تبقى مناطق وسط البلاد الصحراوية غير مُستكشفة، لكنها ستكون مجال صراع بين الطرفين، في ظل الدراسات العلمية التي تؤكّد أن باطن هذه الأرض قد يحمل احتياطات مهمة من الذهب الأسود. وعلى الأرجح ستبقى هناك مناطق أو بؤر خلافية بين المنطقتين مثل منطقة رأس لانوف ومرسي البريقة في الوسط بين الشرق والغرب، حيث تقع مصافي ومواقع مهمة.
وفيما لو جرى التقسيم من مدينة سرت في الوسط الى الزوارة على الحدود التونسية للسلطة، ومن سرت شرقاً حتى السلوم على الحدود مع مصر للمعارضة، قد تُحسم بعض هذه النقاط الخلافية لمصلحة المعارضة.
في أيّ حال سيكون النفط هو محور الصراع الرئيس، لكونه يمثّل أكبر احتياطات النفط في القارة الأفريقية (تقدر بما بين 40 و60 مليار برميل). وتتميز نوعية النفط الليبي بأنها سهلة الاستخراج ومرغوبة لكونها منخفضة الكبريت. وتحتل دول أوروبية، على رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، طليعة الدول المستهلكة للإنتاج الليبي من النفط. ولا سيما أن فرنسا وإيطاليا كانتا سبّاقتين في الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلاً للشعب الليبي.
وعن إيرادات المنطقة الشرقية، يوضح متحدث باسم الثوار الليبيين، أن حقول النفط الواقعة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار من البلاد تنتج ما بين 100 إلى 130 ألف برميل في اليوم. وهذه نسبة ضئيلة من حجم إنتاج البلاد، حيث تتجاوز الـ 2 مليون برميل يومياً من النفط. أما الغاز، فمعدل إنتاجه 399 بليون متر مكعب وذلك من احتياطي مؤكّد قدره: 52.7 ترليون متر مكعّب.
ومن المهم الإشارة الى موارد أخرى يمكن أن تستفيد منها السلطة والمعارضة على حد سواء، مثل الصناعات التي تشمل، الحديد والصلب والإسمنت ومواد البناء والصودا الكاوية وأسمدة اليوريا والصناعات البتروكيماوية الأخرى. أما على الصعيد الزراعي، فهناك الشعير والقمح والطماطم والبطاطا والزيتون والخضروات والفواكة واللحوم. وتتوزع هذه القطاعات على كلتا المنطقتين أيضاً. يبقى هناك عامل آخر يمكن أن يرفد كل منطقة بموارد مالية إضافية، وهو السياحة. فالهضبة الأفريقية غنية بالآثار والمعالم التاريخية، غير أن سياسة السلطة في طرابلس لم تكن لتهتم بهذا القطاع، واضعةً كل اهتمامها في الإنتاج النفطي والغاز. غير أن هناك تاريخاً إغريقيّاً ورومانياً وتركياً وإيطالياً في لبدة وصبراته وشحات وفي طلميثة وسوسة ويوسبريدس وتوكرة وقصر ليبيا، بما يعني توزع هذه الآثار على كلتا المنطقتين على غرار الساحل الطويل، الذي يقسم ليبيا أيضاً بين المنطقتين، والذي يمكن أن يصبح أحد أهم مراكز الجذب السياحي.
لكن اللافت في الموضوع هو أن المناطق الشرقية تحتاج إلى تأهيل على مستوى البنى التحتية والخدمات والمرافئ السياحية، ففي السنوات الأخيرة، بعد رفع الحظر الجوي وتطبيع العلاقات بين سلطة القذافي والغرب، شهدت العاصمة طرابلس نهضة عمرانية شملت إنشاء فنادق ومراكز تسوق وتحديث شبكات الطرق والبدء بتنفيذ مطار طرابلس العالمي الجديد، والقادر على تقديم الخدمات لـ20 مليون مسافر سنوياً. لكن رغم إطلاق مشروع بنغازي 2025 للتنمية والتطوير بقي تركيز الحكومة على إقامة مشاريع في الغرب.
ومن الأماكن الحيوية الأخرى، المطارات والموانئ التي تتوزع على المنطقتين أيضاً. ففي الجماهيرية نحو 60 مطاراً ذي مدرج معبّد، وهناك أكثر من هذا العدد بمدارج غير معبّدة. ففي المنطقة الشرقية مطار بنينة الدولي (جنوب بنغازي) ومطارات طبرق والبيضاء (ثالث أكبر المدن) والبريقة وغيرها. أما في الغرب، فهناك مطار طرابلس العالمي (جنوب العاصمة) ومطار معيتقية الدولي (شرق العاصمة) ومطار سرت الدولي ومطار مصراتة الدولي ومطارات أخرى مثل أوباري وبني وليد وزوارة وغدامس وغات. وبحكم انتشار المدن على الساحل شرقاً وغرباً، جاء توزيع الموانئ أيضاً شبه متساو بين الغرب والشرق. ففي الغرب، هناك موانئ: طرابلس ومصراتة والخمس وزوارة وسرت، بينما موانئ بنغازي وطبرق ودرنه ورأس لانوف في الشرق.
في أي حال، يبدو أن مشروع التقسيم الفدرالي غير واقعي في ظل الخلاف الدائر على النظرة الى السلطة، ففيما تُصرّ المعارضة على رحيل القذافي وأفراد عائلته عن الحكم كشرط لأي حوار بشأن مستقبل ليبيا، يُشدّد الزعيم الليبي على ضرورة بقائه أو بقاء أحد أبنائه في السلطة، وبذلك ستكون المعارضة خاضعة لسلطة مركزية لا تزال بصمات النظام السابق تحكمها، وهذا مخالف لرؤيتها لمستقبل البلاد.
وعليه فإن التقسيم الفدرالي لا يزال موضوع تداول في جانب واحد هو جانب السلطة، التي يحاول القذاذفة أن يحافظوا من خلالها على ما بقي من ماء وجه العقيد. من هنا يبقى مشروع الحل الفدرالي رهناً بتطورات الأوضاع الميدانية، وإمكان صنع وقائع جديدة على المستوى العسكري تغيّر المعادلات لمصلحة هذا الطرف أو ذاك. وترى الأوساط أن العقيد يمكن أن يرمي ورقة الفدرالية على الطاولة على سبيل الاعتراف بحقوق المنطقة الشرقية، على أن يبقى هو ممسكاً بالسلطات السيادية في طرابلس.


شرطة بنغازي

قد تكون الشرطة من إرهاصات الفدرالية الليبية، ولا سيما مع التحوّل الذي طرأ على عملها. فقبل بضعة أشهر كان العقيد في شرطة بنغازي، عبد الله شويطر، يقضي وقته في التعامل مع أوامر بإسكات منتقدي الزعيم الليبي معمر القذافي، أمّا هذه الأيام، فهو مشغول بأداء وظيفته الحقيقية، وهي ملاحقة اللصوص والمحتالين والبحث عن السيارات المسروقة. يقول شويطر «في ما سبق كانت الشرطة تعمل لخدمة النظام السياسي، بينما كان الأمن في المرتبة الثانية، لكن الشرطة الآن تقوم بما يجب أن تقوم به، وهو مساعدة الناس والحفاظ على أمنهم وأمانهم». وبعد نحو ثلاثة أشهر من قيام المعارضة المسلحة بانتفاضة على حكم القذافي، تحاول شرطة بنغازي، أو ما بقي منها، أن تعيد تقديم نفسها بوصفها قوة جديرة بالثقة، أملاً في طمأنة السكان الذين يخشون من انهيار الأمن تحت حكم المعارضة.

Script executed in 0.16980910301208