على الصعيد الأمني، بدت بوادر الأزمة جليّة من خلال تبادل الاتهامات بين قيادة المنطقة الشمالية للجيش والاستخبارات العسكرية «أمان». وقالت أوساط عسكرية إنَّ قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي لم يكن لديها أي معلومات استخبارية متعلقة بالأحداث، وإنَّ الحديث يجري عن تظاهرة عفوية خرجت من تلّ الصيحات.
إلا أنَّ مسؤولين في «أمان» أشاروا إلى أن المعلومات الاستخبارية نُقلت إلى قيادة المنطقة الشمالية، والقرار العملاني عن كيفية العمل اتّخذه القادة المسؤولون في الميدان. وأضافوا «بينما تحرّكت 90 حافلة باتجاه تل الصيحات، نُقل أثناء حصوله» أن تحرّك المتظاهرين من تلّ الصيحات إلى ما بعد الحدود «لم يكن عفوياً بل منظّماً».
وقد دفع ادّعاء الاستخبارات العسكرية أوساطاً من الجيش الإسرائيلي إلى الردّ بأنَّ هناك أطرافاً تعمل على الإساءة إلى قائد المنطقة الشمالية غادي آيزنكوت قبل أن ينهي مهمّاته قريباً. وقد انتقد محلل الشؤون العسكرية لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، رؤساء الأجهزة الأمنية الذين أجروا حفلاً لتنصيب رئيس جديد لجهاز الأمن الإسرائيلي العام، بقوله إنهم «كانوا واثقين جداً بأنَّ الجيش يستعد لكل التطورات، وأنّ أحداث يوم النكبة في الجيب الصغير»، مستخلصاً أنّه «مرّة أخرى، تعود الفجوة بين نشر الوعود للجمهور بأنّ كل شيء على ما يرام، وما يجري على أرض الواقع».
وقال فيشمان إن «الحديث يدور هنا عن حدث تم الاستعداد له على مدى أشهر طويلة، ويمكن أن تكون له آثار شديدة على جودة ردع الجيش الإسرائيلي في المستقبل. يحتمل أنه بسبب هذا الخلل سيتعين، ابتداءً من اليوم فصاعداً التصرف حيال الحدود مع سوريا بطريقة مغايرة تماماً. نجاح أمس يمكن أن يخلق محاولات أخرى لمسيرات جماهيرية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، وليس فقط من جهة سوريا. هذا قد يحصل في حزيران ـــــ بالتوازي مع الأسطول إلى غزة، وقد يحصل في أيلول ـــــ حيال إعلان دولة فلسطينية».
بدوره، وجّه مراسل الشؤون العسكرية لكن صحيفة «هآرتس» رأت أنّ ما جرى أول من أمس كان على علاقة بما يجري في العالم العربي والثورات الأخيرة. وقال محلل الشؤون السياسية ألوف بن إنَّ «الثورة العربية طرقت أمس باب إسرائيل في التظاهرات التي نظّمها الفلسطينيون من سوريا ولبنان ومجدل شمس ومارون الراس لإحياء يوم النكبة»، موضحاً أن «دخول المتظاهرين إلى البلدة الدرزية الواقعة على سفوح جبل الشيخ بدّد الوهم بأن إسرائيل تعيش في نعيم، في فيلا داخل غابة، ومنقطعة تماماً عن الأحداث الدراماتيكية من حولها».
وكتب عوفر شيلح في «معاريف» أن الناطقين العسكريين اضطرا إلى «الاعتراف بأن اقتحام المتظاهرين قرب مجدل شمس فاجأهم، وأن القوات استعدّت بالذات أمام القنيطرة، حيث كان الإخطار بأعمال الإخلال بالنظام على مستوى واسع. وبناءً على ذلك، إذا كانوا يعرفون على هذا القدر الجيد: كيف حصل أننا لم نعرف؟».
وقال: «الواضح هو أننا لم نتلق فقط تمرينة أولى لما من شأنه أن يحصل في أيلول، بل أيضاً فهماً لكيف سيبدو الواقع والاستخبارات في عصر التفكك والتغييرات التي تميّز المحيط اليوم». وأضاف: «في واقع الأنظمة الضعيفة أو غير القائمة، فإن الأمور من شأنها أن تندلع في الأماكن الأقل توقعاً، دون الكثير من الاستعدادات المسبقة».
وفي افتتاحية «هآرتس»، جاء أن «ما حصل أمس على أسيجة الحدود، سيذكر كتاريخ تمثيلي. التوقع الأساس كان لتظاهرات شعبية في الضفة وفي القدس، تضاف إليها أحداث في حدود غزة مع إسرائيل ومع مصر. عملياً، العملية الأشد نفذت في تل أبيب، على يد عربي إسرائيلي، والجبهتان في الشمال اشتعلتا».
ورأت أنه «في نظرة تكتيكية، سجل خطأ استخباري ما ـــــ قيادة المنطقة الشمالية قدّرت أن التظاهرة الأساسية ستجري في منطقة القنيطرة، وفوجئت بأن المتظاهرين، أغلب الظن بتكليف من الحكم في دمشق، اختاروا مجدل شمس. هذا يعني أن (الرئيس السوري) بشار الأسد و(الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله معنيان بذلك. المتظاهرون الفلسطينيون، اللبنانيون والسوريون، نسّقوا رسائلهم بحيث تصل إلى آذان باراك أوباما وبنيامين نتنياهو في بداية الأسبوع الشرق أوسطي لواشنطن. من يتخلّ عن المبادرة ويتركها للآخرين، يستيقظ على واقع أليم».
وفي «يديعوت أحرونوت»، أورد تقرير إخباري أنه «لمرة أخرى أمسك بنا بشار الأسد ونحن غير مستعدين، وهذه المرة أمام 2500 لاجئ فلسطيني من سوريا وصلوا إلى الحدود مع إسرائيل في شمال هضبة الجولان. أسقطوا مئات الأمتار من السياج، وتسللوا من دون عراقيل. كان يكفي المرء أن يرى أمس في مجدل شمس ضباط الاستخبارات الذين تجوّلوا مطأطئي الرؤوس كي يفهم حجم التقصير».