أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

جلسة الأربعاء بين صلاحيّة دستوريّة ونصاب سياسي

الثلاثاء 07 حزيران , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,572 زائر

جلسة الأربعاء بين صلاحيّة دستوريّة ونصاب سياسي

على غرار الجدل السياسي والدستوري الذي أحاط بشرعية الحكومة الأولى للرئيس فؤاد السنيورة، على أثر استقالة ستة وزراء منها، بينهم خمسة وزراء شيعة هم ممثلو الطائفة فيها، فحيل دون مثولها أمام مجلس النواب، يُستعاد جدل سياسي ودستوري مماثل حيال المجلس هذه المرة، برفض التئام المجلس في ظلّ حكومة تصريف أعمال.
كلا الجدلين طبعتهما نبرة مذهبية: في الأول غياب طائفة عن مؤسسة دستورية لا يصحّ التئامها ولا مثولها أمام البرلمان من دونها. وفي الثاني، تصفية لحساب قديم لتلك السابقة ـــــ معارضة اجتماع الهيئة العامة كي لا تحلّ محل مجلس الوزراء في استخدام صلاحية تقتصر ممارستها على السلطة الإجرائية. كلا الجدلين احتميا بالميثاقية لتبرير وجهتي النظر المتناقضتين. وفي الحالين انتهى ذلك الجدل إلى إفقاد النظام الدستوري اللبناني مرجعيتين لكل منهما صلاحيات مستقلة عن الأخرى، إلا أنهما أضحتا في حكم المعطلتين: لا مجلس النواب يلتئم لأن لا حكومة تمثل أمامه، ولا حكومة يتيسّر تأليفها، ولا أكثرية نيابية قادرة على استعمال غالبيتها.
لم يُتح للأكثرية النيابية السابقة عام 2005 استخدام غالبيتها سوى ثلاث مرات في ثلاث جلسات اشتراع فقط للهيئة العامة للمجلس من مجموع 15 جلسة انعقدت بين نيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثقة في 28 تموز 2005، وآخر اجتماع للمجلس قبل انقطاعه عن عقد جلساته في 4 أيار 2006 مع استقالة الوزراء الشيعة في 11 تشرين الثاني عامذاك.
في صلب الاشتباك المشابه عام 2006، مستمراً حتى إعلان اتفاق الدوحة عام 2008، تبيّن للأقلية النيابية أنها لا تقل تأثيراً لتعطيل فاعلية الغالبية النيابية القائمة. لم تلجأ قوى 8 آذار عندما كانت أقلية إلى السلاح لشلّ قدرات حكومة الأكثرية آنذاك على العمل واتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ، واكتفت برفع النبرة المذهبية لتعزيز وجهة نظرها بعدم شرعية تلك الحكومة وميثاقيتها. وهي اللعبة نفسها يستعيرها اليوم الفريق نفسه، قوى 14 آذار وقد أصبحت أقلية كي تحول دون التئام البرلمان لأسباب سياسية بمقدار ما هي دستورية، وترفع بدورها اللهجة المذهبية كي تفصل بين ما هو ميثاقي وما هو غير ميثاقي.
يحول ذلك دون التئام الهيئة العامة غداً. لا تملك أقلية اليوم، كأقلية أمس، الأصوات الكافية للحؤول دون اكتمال النصاب القانوني لاجتماع البرلمان، بيد أنها تملك الحجج المذهبية الكافية لمنعه ودقّ إنذار التهديد بها.
لسبب كهذا، يتجه رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى عدم مشاركة جبهة النضال الوطني في الجلسة، وتالياً حرمان قوى 8 آذار نصاباً قانونياً في أول جلسة عامة للمجلس تختبر فيها قوتها وسيطرتها بصفتها تمثّل الأكثرية النيابية.
ولأنه الأب الفعلي لتكوّن الغالبية الحالية ـــــ بل الأصحّ أنه صانع التوازنات عندما يقوّض أكثرية كي يقيم أخرى، مرة عام 2005 وأخرى عام 2011 ـــــ يحاول جنبلاط الموازنة بين انتمائه إلى الغالبية الجديدة في مسألتي العلاقة مع سوريا وسلاح المقاومة، وبين مراعاة توازن داخلي يبقيه على مسافة متساوية من الطرفين. لا يأخذ في الاعتبار حسابات قوى 14 آذار ورغبتها في العودة إلى الحكم، إلا أنه لا يشجع قوى 8 آذار على مغالاتها في مواجهة داخلية بعيدة عن ساحتي سوريا وسلاح حزب الله.
الواقع أن إصرار رئيس المجلس نبيه برّي على عقد جلسة الهيئة العامة يتصل بدفاعه عن صلاحياته داخل هيئة مكتب المجلس، مقدار دفاعه عن موقفه بجواز التئام البرلمان في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، تبعاً لملاحظات منها:
1 ـــــ تقع دعوة الهيئة العامة في صلب صلاحيات رئيس المجلس منفرداً، وليست جزءاً لا يتجزأ من الصلاحيات المنوطة بهيئة مكتب المجلس كتلك الواردة في المادة الثامنة من النظام الداخلي. تالياً ليس لهيئة المكتب أن تتحفّظ عن دعوته المجلس إلى الانعقاد، بيد أن في وسع أكثريتها الحؤول دون الاتفاق على جدول الأعمال المخصص لتلك الجلسة. عندئذ يتعذّر على رئيس المجلس تحديد موعد جلسة لا جدول أعمال لها.
2 ـــــ بعدما حدّد موعداً لاجتماع الهيئة العامة سبق التئام هيئة المكتب، أكد برّي الموعد نفسه في دعوة ثانية على أثر ارفضاض اجتماع هيئة المكتب استناداً إلى ما استخلصه من مداولاتها. طلب الأعضاء الخمسة في هيئة المكتب، المنضوون إلى قوى 14 آذار، عدم توجيه الدعوة من دون مناقشة جدول الأعمال ولا الخوض في بنوده. بدا هؤلاء يتحفّظون عن توقيت توجيه الدعوة، في وقت لمس فيه رئيس المجلس أنهم لم يبحثوا في الصلاحية الواردة في المادة الثامنة، وهي تقرير وضع جدول الأعمال، الأمر الذي حمله ـــــ وقد فصل تماماً بين صلاحيته في الدعوة يريد أن يمارسها وبين صلاحية هيئة المكتب التي لم يصطدم بها ـــــ على إدراج مشاريع القوانين واقتراحات القوانين التي أنجزتها اللجان النيابية المختصة في جدول أعمال واحد توطئة لعرضها على الهيئة العامة، صاحبة الكلمة الفصل في ما تصدّق عليه أو تردّه. دافع عن صلاحيته في توجيه الدعوة، من غير أن يستجيب لمناشدة الأعضاء الخمسة الذين شككوا في وقت لاحق على اجتماع هيئة المكتب في قانونية دعوة برّي المجلس إلى الانعقاد.
3 ـــــ لم يُدوّن في محضر جلسة هيئة المكتب تحفّظ الأعضاء الخمسة عن جدول الأعمال. لم يقولوا برفضه ـــــ وإن انطوت معارضتهم الدعوة على رغبتهم في عدم الخوض في جدول الأعمال ـــــ عندما وضع برّي بين أيديهم لائحة بمشاريع القوانين واقتراحات القوانين. لم يطلبوا أيضاً التصويت على خلافهم مع رئيس المجلس. بل لم تعتد هيئة مكتب المجلس مرة على مرّ تاريخها الطويل على التصويت، وتصرّفت على الدوام على أن تكوينها مكمّلٌ لانتخاب رئيس المجلس وتقع معه في الاقتناعات السياسية نفسها، ولا تقف على طرف نقيض منه كالواقع الراهن: هو في قوى 8 آذار، وأكثر من نصفها في قوى 14 آذار. بعدما برّروا أن ليس للمجلس الانعقاد في ظلّ حكومة تصريف أعمال، اقترح الأعضاء الخمسة حلاً معاكساً هو اجتماع حكومة تصريف الأعمال في مجلس الوزراء لإقرار ما يريده برّي من اجتماع الهيئة العامة، وهو بقاء حاكم مصرف لبنان في منصبه.

Script executed in 0.20166707038879