وقد جاء هذا الأمر على شكل تحذير للحكومة بضرورة «نبذ العنف، وخصوصاً محاولات الثأر من مسؤولين حكوميين آخرين». وفي اليوم التالي لاقت كتلة المستقبل «أمر اليوم» الأميركي، بتشديد أكبر على منع محاولات الثأر.
لم يكن «أمر اليوم» بعيداً كثيراً عن الأكثريّة الجديدة، التي يتناقل العديد من سياسييها كلمة سرّ، عن ضرورة إعطاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الوقت الكافي قبل إجراء أي تدبير إداري، إضافةً إلى ضرورة «ضبط» الموظفين الحكوميين الذين خرجوا على القانون سابقاً وليس محاسبتهم. من جهتها، جهات قريبة من ميقاتي تتحدّث عن ضرورة انتظار عاصفة قوى 14 آذار لتهدأ قبل بدء البحث بتغييرات إداريّة. ويتحدّث عدد من السياسيين في الأكثريّة الجديدة أن القرار الأولي الذي اتخذ هو إبقاء كلّ شيء على ما هو عليه، ويبقى حتى الساعة، رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، خار ج توافق الأكثريين.
بدوره، شارك رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان في المطالبة بعدم الثأر، عندما قال في جلسة مجلس الوزراء الأولى إن العمل الحكومي هو عمل مستمر «ولن يتمكن أي وزير من الانطلاق من نقطة الصفر». أضاف سليمان أن هذا يتطلب فريق عمل رسمياً، «يقوم على موظفي الإدارة من جميع الفئات ولا سيما منهم المديرين العامين الذين لهم صفة الاستمراريّة أكثر من الوزير. وهنا أطلب من معالي الوزراء أن يكونوا حكماء في معاملة هذه الفئة بالإضافة إلى بقيّة فئات الموظفين. وأعرف أن أي وزير لن يقدم على التشفي من أي موظف بل سيتمكن بحكمته من المحافظة على هرميّة الموظفين والاستفادة من خبرة المستشارين بالتعاون والتنسيق في ما بينهم».
هذا في مجلس الوزراء. أمّا على الأرض، فيُسمع في هيئة «أوجيرو» كلام واضح بين جزء كبير من الموظفين عن انتظارهم تغيير مديرهم العام عبد المنعم يوسف، خصوصاً أولئك الذين تعرّضوا للانتقام سابقاً من يوسف. وهو كلامٌ يُردّده أيضاً بعض ضباط قوى الأمن الداخلي عن اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن.
لكن من الضروري التذكير، بأن «الموظفين» الذين تخشى واشنطن عليهم من الانتقام هم |موظفين ارتكبوا في الفترة الماضية عدداً كبيراً من المخالفات، ما يستوجب اتخاذ إجراءات إداريّة بحقهم، وإلّا فإن مبدأ العقاب والثواب الذي يُفترض أن يحكم الإدارة يزول بالكامل» كما يقول الداعون إلى إجراء تغييرات سريعة في الإدارة.
فالأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، انتدب بموجب المرسوم رقم 4340 تاريخ 11 كانون الأول 2000، لمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء، وبحسب عدد من الدراسات القانونيّة التي أجراها قضاة مختصون، فإن مدّة الانتداب تنتهي بعد ست سنوات، أي منذ كانون الأوّل 2006، وعليه فإن بقاء بوجي في منصبه منذ ذلك الوقت حتى اليوم، يُعتبر إجراءاً غير قانوني. وبحسب الخبير الدستوري والقانوني حسن الرفاعي، فإن بوجي هو «المسؤول الوحيد عن معرفة تاريخ انتهاء انتدابه، أي في 12 كانون الأول من عام 2006، كما أنه المسؤول الوحيد عما ينتج من عدم التحاقه بمنصبه القديم. وفي هذه الحال، يوجب القانون اعتباره مستقيلاً حكماً بعد مضيّ 15 يوماً على تاريخ انتهاء مدة انتدابه». وعلى هذا الأساس دعا الرفاعي وزير العدل إبراهيم نجار ووزير التنمية الإدارية محمد فنيش ورئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، إلى وقف صرف رواتب بوجي وملحقاتها، في أيّار العام 2010. وأتى تمسّك الرئيس سعد الحريري به، لقدرة بوجي على تنظيم جلسات مجلس الوزراء وجدول الأعمال بدلاً عن الحريري، إذ إن القانون ينص على أن رئيس الحكومة هو من يضع الجدول بالتنسيق مع رئيس الجمهوريّة. فهل يُريد ميقاتي أن يبدأ عهده بمخالفة القانون؟
أمّا مآثر المدير العام لهيئة «أوجيرو» والمدير العام للصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف، فلا تبدأ في كانون الثاني من العام الحالي عندما منع يوسف أحد المدراء الذين عيّنهم وزير الاتصالات حينها شربل نحاس من استلام مكتبه وادعى أن «ميليشيات تحتل وزارة الاتصالات». وفي آذار ادعى يوسف بأن الاتصالات ستتوقف نهائياً في البلد ما عرّض أعمال الناس للخطر، إضافة إلى تنكيله بعدد من الموظفين الذين يعتبرهم معارضين سياسياً له، والتهديد بوقف أعمال «أوجيرو» بسبب عدم توافر الكابلات وغيرها من الأمور. علماً، بأن عدداً من الدعاوى القضائيّة أقامتها الدولة اللبنانية ضده، بعدما طلب وزير الاتصالات السابق شربل نحاس من هيئة القضايا في وزارة العدل رفع تلك الدعاوى. ومن المعروف أن يوسف يشغل منصبه في هيئة «أوجيرو» بالتكليف، وليس بالأصالة، كما أن ديوان المحاسبة اعترض عند تعيينه مديراً عاماً للاستثمار في وزارة الاتصالات، كون هيئة «أوجيرو» تُنفّذ أعمال وزارة الاتصالات، ومن يُكلفها ويراقبها هو مدير عام الصيانة والاستثمار، ولذلك لا يجوز جمع هاتين الوظيفتين بشخص واحد بحسب ديوان المحاسبة. إلى جانب ذلك، يبدو أن وزير الاتصالات نيقولا صحناوي، يتجه إلى الطلب من مجلس الوزراء تعيين مدير عام أصيل في هيئة «أوجيرو».
وفيما يخصّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، فيكفي ذكر أنه رفض تنفيذ أوامر وزيره المباشر (وزير الداخليّة) بإخلاء مبنى وزارة الاتصالات بعد «احتلاله»، إضافةً إلى رفضه طلباً مباشراً من رئيس الجمهوريّة الذي هاتفه لمدة نصف ساعة للغاية ذاتها، فضلاً عن أمره عناصر فرع المعلومات منع وزير من التصرف بمعدات عائدىة لوزارته. وفي تلك الحادثة، أشهر رجال قوى الامن الداخلي السلاح بعضهم بوجه بعض، ما كان يُمكن أن يؤدي إلى اقتتال بين عناصر فرع المعلومات وعناصر جهاز أمن السفارات المخوّل حماية مباني الوزارات (وهما جهازان تابعان لإمرة ريفي).
يُضاف إلى هؤلاء الموظفين الثلاثة، رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن، الذي يرأس قطعة أمنية غير مشرعة قانوناً، والمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا. وللتذكر أيضاً فإن الرئيس سعد الحريري، أدرج ضمن مطالبه في ورقة «السين ـــ السين» التي عرضها النائب وليد جنبلاط حماية هؤلاء الموظفين.
بحسب المعلومات المتوافرة، فإن يوسف ويليه بوجي هما من يُمكن أن يطالهما التغيير أكثر من غيرهما. ويقول أحد السياسيين المطالبين بتغييرات سريعة في الإدارة، أن المثل الواضح للتنكيل هو ما قام وزير البيئة السابق محمّد رحّال مع مدير عام الوزارة، بيرج هتجيان، إذ هدده وفرض عليه إجازات مفتوحة ومنعه من دخول مكتبه.