منذ صباح أمس، تناقل العاملون في هيئة «أوجيرو» أنباءً عن سفر مديرهم العام إلى باريس. ورغم أن يوم أمس هو يوم عطلة، فإن الخبر انتشر بسرعةٍ كبيرة وبدأت التحليلات: عبد المنعم يوسف «هرب» من الملاحقة القضائيّة. وقد تأكّد خبر السفر مع نشر الوكالة الوطنيّة للإعلام لهذا الخبر. ساعات وبدأت المعلومات ـــــ الشائعات تتلاحق: سافر بجواز سفره الفرنسي. النائب مروان حمادة سهّل مروره في مطار بيروت. خرج على متن طائرة خاصة مع الرئيس أمين الجميل... الثابت أن عبد المنعم يوسف غادر الأراضي اللبنانيّة إلى فرنسا. أصلاً، يوسف بنفسه يؤكّد الخبر في اتصال مع «الأخبار»، ويُضيف: «سافرت بجواز سفري اللبناني ـــــ المهني (لونه أخضر)، والسبب هو وجود موعد مع طبيبي الذي يُعالجني من مرض الروماتيزم يوم غد (اليوم) عند الساعة الثالثة بعد الظهر. وأؤكّد للجميع أنني سأعود إلى لبنان يوم الثلاثاء أو الأربعاء. أنا لم أهرب، ولن أهرب. هناك من يتمنى أن أهرب، لكنني لم ولن أهرب، أنا تحت سقف القانون. أضف أنه لو سافرت مستعملاً جواز السفر الفرنسي، فما المشكلة في ذلك؟».
يجزم يوسف بأن مغادرته الأراضي اللبنانيّة تمت وفقاً للقانون: «تقدّمتُ بطلب للحصول على إجازة مرضيّة مرفقة بتقرير طبي من طبيبي في مستشفى الجامعة الأميركيّة. وضعي قانوني جداً، والوزير يعرف تماماً قانونيّة وضعي، إذ أرسلت كتاباً رسمياً إلى وزير الاتصالات وهو عند أمانة سر الوزير».
في المقابل، يؤكّد وزير الاتصالات نقولا صحناوي أنه لم يوقّع أي إجازة أو إذناً بالسفر ليوسف.
طيب ما الذي يحصل؟ في الأساس، عندما يُقدّم أي موظف إجازةً مرضيّة، فإنه لا يحتاج إلى موافقة عليها من المسؤول عنه (وبحالة يوسف، فإنه وزير الاتصالات)، لكن سفر أي مديرٍ عام في الدولة اللبنانيّة ولأي سببٍ كان، يحتاج إلى موافقة مسبقة من وزيره، وهو ما لم يحصل بحالة يوسف، بحسب تأكيد وزير الاتصالات.
إضافةً إلى ذلك، يؤكّد يوسف أن طلب الإجازة سُجّل يوم السبت عند الساعة التاسعة والنصف صباحاً، لكن صحناوي يؤكّد أنه لم يطّلع عليه، رغم أنه اطّلع على كامل بريده، وهو ما يُعزّز النظريّة التي تقول إن يوسف قدّم إجازته وسُجّلت في المصلحة الإداريّة المشتركة في ساعات الدوام الأخيرة، أي بين الثانية عشرة ظهراً والواحدة بعد الظهر، بحسب ما يؤكّد مصدر إداري مطّلع في وزارة الاتصالات. لكن يوسف مصرّ على أنها سُجّلت عند التاسعة والنصف صباحاً.
النقطة الثالثة المهمّة، بحسب المتابعين لهذه القضيّة، هي لماذا قدّم يوسف طلب الإجازة في اللحظات الأخيرة، وسافر بعدها بيوم على نحو مستعجل، «فإذا كان الأمر موعداً مع الطبيب، فإن تحديد المواعيد لا يكون بهذه السرعة، ما يعني أن يوسف اتجه إلى فرنسا مستعجلاً لأمرٍ ما، ووجد في الإجازة المرضيّة مخرجاً» يقول أحد المتابعين لهذا الملف بدقة. وهنا، تدخل السياسة على الخط. في عمليّة التفاوض الدائرة بين قوى الأكثرية الجديدة حول سبل التعامل مع «موظفي الحريري» في الإدارات الرسمية، يبرز يوسف كالحلقة الأضعف. وبحسب المعلومات المتوافرة بشأنه، فإن يوسف معرّض لأن تستمر ملاحقته القانونيّة لتأخذ مجراها القانوني. وبحسب هذه المعلومات، فإن الرئيس سعد الحريري لم يستطع حماية جميع أفراد فريقه. ولذلك بدأت المساومات التي ربما ستؤدي إلى أن يكون يوسف كبش فداء. من هنا، يرى بعض متابعي ملف يوسف أن هدف زيارته الأساسي إلى باريس هو لقاء الحريري والتفاهم معه، ليعرف ما الذي يُفترض به أن يفعله.
إذاً، ما الذي يقوله عبد المنعم يوسف؟
يؤكّد الرجل مظلوميّته، «لماذا تُصرّون على اتهامي؟ ألا يحق لي كمواطن لبناني أن أمرض؟ ألا يحق لي أن أخضع للعلاج؟ لماذا هذا التهشيم الدائم بموظّف ناجح؟ ألا ترون الإنجازات التي قمت بها في قطاع الاتصالات؟ لماذا هذا الضرب الدائم بموظّف ناجح؟ أتريدون تطفيش الناجحين؟ أنا الأوّل بين المديرين العامين في الدولة اللبنانيّة منذ خمس سنوات بحسب تقويم التفتيش المركزي، وأتحدّى أحداً أن يقول إن لديّ نشاطاً سياسياً، أو إنني شاركت بمؤتمر لهذا الحزب أو ذاك؟ أنا لن أهرب. في المرّة الأولى (عام 1998) اتهموني، وتبيّن أنني بريء».
يُدافع يوسف عن نفسه طويلاً. يذكر مآثره: «في عام 2006، وتحت القصف في حرب تموز، كنت أصلح شبكة الهاتف في الجنوب، ثم يتهمني البعض بأنني صهيوني». يُضيف المدير العام لهيئة «أوجيرو» والمدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات، إنه تحت القانون «ولينتظروا الأحكام القضائيّة بالدعاوى التي رُفعت ضدي، لا أن يُصدروا هم الأحكام. كثيرون ينتظرون هربي، لكنني لن أهرب. ولو كانت هناك مخالفة في سفري فليتقدموا بدعوى جديدة ضدي. التفتيش المركزي يُلاحق الموظفين الذين يُخالفون مهماتهم ويتغيّبون عن دوامهم». ينفي يوسف تهربه من «المباشِر» الذي أراد تبليغه الدعاوى المقامة ضدّه من وزير الاتصالات السابق شربل نحاس، قائلاً: «كنت موجوداً في مكتبي ولم أتهرب».
يُكرّر يوسف مراراً خلال الاتصال به عبارة: «سأعود خلال 48 ساعة، وستنفطر قلوب من يُريدني أن أهرب وأصبح خارجاً عن القانون».