ما يعني أن صغار المزارعين لن يتمكنوا من تصريف إنتاجهم، وسيضطرون لتركه عرضة لابتزاز تجار الحسبة في بيروت، حتى أن سائقي التاكسي يبحثون عن سائح غير موجود، فيما موظفو المقاهي تحول عملهم من خدمة الزبائن داخل المقهى إلى استجداء المارة من أمام المقاهي، فيما كانوا في السابق يعتذرون للرواد لعدم وجود أماكن. ويردد بعض أصحاب فنادق المنطقة بسخـــرية «العـــــبارة التي يقولها وزير السياحة فادي عبود: السياحة بألف خير.. فالسياحة لدينا ليست بألف خير!».
«حتى الربيع العربي يمرّ عبر لبنان»، كما يقول أحد أصحاب الفنادق في قضاء عاليه، ويضيف بسخرية تستحضر بعضاً من خيبة «المطلوب من الدولة أن تؤسس لسياحة الاستقرار التي تتطلب أن يكثر المسؤولون من العمل، ويمسكوا عن الكلام خصوصاً مع بداية كل صيف، فيسدوا للسياحة الوطنية خدمة أكبر بما لا يقاس من مناظراتهم التلفزيونية». ثمة نقمة في صيف عاليه والمتن الأعلى، وإرباك عبّر عنه أحد أصحاب الفنادق «موسم 2006 (العدوان الإسرائيلي) كان أفضل بكثير»، ويؤكد أن «خيار الإقفال وارد مع بداية الأسبوع المقبل إذا بقيت وحدي مع الموظفين»، وواقع الحال يطال كذلك الفنادق الكبيرة، فقد أشارت مسؤولة إدارية في أحد تلك الفنادق إلى أن «الحركة تحسنت مع بداية الشهر الحالي لكنها ما تزال دون ما كانت عليه في من العام الماضي». من جهته، أكد رئيس بلدية عاليه وجدي مراد أن «السياحة باتت تعتمد على المغتربين اللبنانيين أيضاً، فلا خوف على موسم الصيف بالرغم من أن كثيرين من الأخوة الخليجيين والعرب بدأوا بالتوافد الى عاليه، وهناك نسبة كبيرة منهم من أصحاب الأملاك».
خليجيو المتن الأعلى
ففي المتن الأعلى، تعتبر بلدة القلعة، التي تضم أكثر وأكبر المجمعات السكنية الكويتية بشكل خاص والخليجية بشكل عام، مقياساً لتحديد نسبة الوافدين وتقديم أرقام تقارب الواقع، وفي ذلك السياق، أكد رئيس البلدية العميد المتقاعد رياض الأعور أن «النسبة هي في حدود 20 و25 بالمئة وهم من أصحاب الشقق والملاكين»، وقال: «لقد تأثر الموسم السياحي بالظروف السياسية الداخلية والتأخر في تشكيل الحكومة، يضاف إلى ذلك الأحداث في سوريا التي أثرت على حركة القادمين عبر البر». ولفت الأعور إلى أن «هناك 400 وحدة سكنية للأخوة من دولة الكويت في بلدة القلعة»، وقال: «الموسم الماضي، وفي مقارنة مع الفترة نفسها، تخطت نسبة الوافدين الـ 50 بالمئة»، وأضاف: «رغم كل شيء نحن متفائلون وننظر إلى القسم الملآن إلى الكأس، فرئيس بلدية الكويت سيحضر للمشاركة في معرض القلعة السنوي الثاني. وقد أطلقنا ورشة عمل كبيرة والافتتاح سيكون في 19 الشهر الجاري، ونحن نعرف أن بعض الأخوة الخليجيين بدلوا وجهتهم السياحية من لبنان إلى أوروبا، ورغم ذلك نتوقع حضور كثيرين منهم بعد شهر رمضان».
في بلدات فالوغا – خلوات فالوغا، وقرنايل، والشبانية، حيث ثمة تجمعات سكنية كبيرة للخليجيين، تراوحت النسب بين 5 بالمئة و20 بالمئة. إلا أن قطاع الإيجارات الصيفية غاب عن الخارطة السياحية في الموسم الحالي. ويقول أحد الوسطاء في مكتب عقاري (شادي زين الدين): إنه «لا طلب حتى الآن على الشقق إلا في ما ندر»، لافتاً إلى أن «الأمر طاول أيضاً المصطافين من بيروت، الذين ما زالوا متريثين في استئجار شقق لتمضية الصيف». وأكد زين الدين أن «نسبة الإيجارات لم تتعدّ الـ 3 بالمئة كي نترك هامشاً بسيطاً كي لا نقع في لعبة الأرقام القابلة لزيادات لا تعكس حركة الواقع».
بالتوازي، بدأت تظهر علامات التذمر والخوف من قبل المواطنين الذين يعولون على بدلات إيجار المنازل كمورد رزق اساسي، «كنا في مواسم الصيف الماضية نؤجر شقة كبيرة في منزلنا لأربع عائلات في فترات زمنية متفاوتة»، يقول أحمد المغربي. يضيف: «كنا نؤمن مردودا يتراوح بين 10 و15 ألف دولار، أما اليوم فليس ثمة طلب إلا في ما ندر وبأسعار متدنية جداً». وقال: «من بين مئة شقة سكنية معدة للإيجار الصيفي ثمة 5 شقق تم استئجارها حتى الآن وما زلنا ننتظر».
صاحب أحد الفنادق في فالوغا – المتن الأعلى لويس الرامي، قال: «ما في شي، أيام الحرب كانت أفضل، ما في حدا أبدا، ما في حجوزات، لم نشهد مثل السنة الحالية من قبل». ولفت إلى أن «المشكلة لا تقتصر على فندقنا، الذي أعدنا تأهيله بعد الحرب، فهناك فندق ضخم بين بحمدون وعاليه لم يكن لديه سوى أربع غرف مشغولة». وقال: «المشكلة عامة، وأسمع شكاوى أصدقاء من عاليه والمتن. ندفع رواتب من (اللحم الحي) للموظفين في فنادق ومؤسسات سياحية خالية من الرواد».
وأضاف الرامي: «في السنوات العجاف 2005 و2006 و2007 وصلت نسبة التشغيل إلى 30 بالمئة، فيما اليوم لم تبدأ حركة التشغيل أساسا، بالرغم من التحضيرات التي أنجزناها قبل أسبوعين، حتى المغترب اللبناني يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة نتيجة الأزمة المالية العالمية، والأوضاع التي تمر بها بعض الدول العربية». وأشار إلى أن «نسبة التشغيل في الشقق السكنية العائدة للخليجيين لم تتعدَّ الـ 5 بالمئة في فالوغا». أما مدير أحد الفنادق (تمنى عدم ذكر اسمه) فيقول: «نفاجأ بأن وزير السياحة فادي عبود والمديرية العامة للوزارة، يؤكدان في مناسبة وغير مناسبة على أن السياحة في لبنان بألف خير، فهل يقصدان السياحة في بيروت وحسب؟ لكن يبدو أن إشاعة أجواء التفاؤل من خلال التصريحات لا تكفي وحدها، ثم نحن نعلم بأن الواقع السياحي برمته ليس (بألف خير)، فعندما تمتلئ فنادق العاصمة ينشط القطاع الفندقي في الجبل».
كما أن قطاع الايجارات ليس بمنأى عن الازمة، اذ يؤكد محمود الصايغ في شركة لتأجير السيارت ان «حركة العمل لا تختلف عما كان قائماً في الشتاء وان بزيادة بسيطة لا تتعدى الـعشرة بالمئة»، وقال: «اضطررنا لخفض الاسعار ورغم ذلك لم نلحظ إقبالا، فالصيف الماضي كانت سياراتنا كلها مستأجرة وسط حركة لا تهدأ ولم نتمكن من تأمين سيارات لزبائننا خصوصا من المغتربين اللبنانيين، أما اليوم فتراجع عملنا بنسبة 80 بالمئة. وأمل الصايغ أن «تتحسن وتنشط الحركة في منتصف الشهر الجاري».
محطة بحمدون
في محطة بحمدون كما في مدينة عاليه، حركة ناشطة لكن ليس بمستوى ما كان قائماً في مواسم ماضية، وكما في مدينة عاليه تزين محطة بحمدون لافتات لحفلات الصيف. ويؤكد العاملون في القطاع السياحي أن كل المعطيات تشير إلى أن اعتمادنا سيكون على السياحة الداخلية ونسبة قليلة جدا من الخليجيين. رئيس بلدية محطة بحمدون أسطه أبو رجيلي، قال: «ليس هناك تقصير، لكن ليس سراً على احد ما هو وضع جارتنا (سوريا) وجارة جارتنا (الأردن)، الجميع يمرون في ظروف صعبة جدا، ونأسف لما يحدث، ولا شك في أن أغلب المصطافين العرب يعلمون أن لا بديل عن لبنان، لكنهم اضطروا إلى تغيير وجهتهم السياحية». ولفت إلى أن «العدد الأكبر من المصطافين يأتون عبر الطريق البرية بسياراتهم الخاصة ولديهم حرية التصرف وحرية العودة ساعة يريدون إلى بلادهم، غير مقيدين بتذاكر سفر وحجوزات في المطار، وهؤلاء هم مصطافون وسياح يحضرون عائلاتهم ولا يقصدون بيروت، لأنهم اعتادوا على استئجار منازل وشقق تستوعب ستة أشخاص». وأكد أن «نسبة قليلة حضرت إلى محطة بحمدون من الأخوة الخليجيين ومعظمهم سيغادر لبنان مع حلول شهر رمضان المبارك»، ولفت إلى أن قطاع إيجار الشقق تراجع إلى 15 بالمئة فيما سجل في السنوات الماضية نسبة تراوحت بين 80 و100 بالمئة». وقال ابو رجيلي: «يهمنا التأكيد أننا لا ننعى الصيف ولا الموسم، فما نشــهده رغــم الظروف الصعبة يشكل نوعا من التحدي».
وسط كل ما هو قائم، يتبدى سؤال: هل هي غيمة صيف وتمر أم هو صيف عالق وسط غيوم السياسة الداخلية والاقليمية الملبدة بسيل من الاسئلة والهواجس؟ ربما الأيام القليلة المقبلة ستقدم إجابات واضحة بعيداً من الاستنتاجات المسبقة.