أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

جنبلاط ـ 8 آذار: بين اللعب بالغالبيّة والتلاعب بها

الأحد 31 تموز , 2011 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,250 زائر

جنبلاط ـ 8 آذار: بين اللعب بالغالبيّة والتلاعب بها

أكثر من جهة في قوى 8 آذار التقطت أكثر من إشارة سلبية انطوت عليها المواقف الأخيرة لرئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، حيال ما قاله عن الاضطرابات المستمرة في سوريا، والانتقادات التي ساقها إلى نظام الرئيس بشّار الأسد، وحضّه على استعجال إصلاحات بطريقة مشابهة لما يقول به مناوئو النظام. ورغم تحذيره من الكيدية والانتقام، لم يقل جنبلاط كلاماً مماثلاً في الملفات الداخلية العالقة بين قوى الغالبية، أو بينها وبين قوى 14 آذار. لم يوحِ بنبرة انتقاد غير مألوفة لحلفائه مشابهة لتلك التي طبعت ملاحظاته على أحداث سوريا. مع ذلك، ساء أفرقاء فاعلين في الغالبية الدوران الجديد لجنبلاط في لعبة التوازنات الداخلية، مع يقينهم الكامل بأن الزعيم الدرزي ليس في وارد العودة عن خيار علاقته بسوريا وحزب الله، ولا يخطط لانتقال تدريجي. لذلك، يبدأ بإيحاءات غامضة وبطيئة وينتهي بصدمات مفاجئة. ولم يتوصل إلى اقتناعات بأن حلفاءه الجدد منذ 2 آب 2009، ثم في مرحلة ما بعد مصالحته مع سوريا في آذار 2010، لم يعودوا يملأون دوره ولا الخيارات التي تحفظ له هذا الدور.
لم يرَ هؤلاء الإشارات السلبية تلك في ما قاله جنبلاط عن سوريا، ولا في الإيضاحات المتبادلة التي تنتظر علاقته بدمشق في الوقت المناسب: يتقبّلها النظام برحابة صدر، أو يتجاهلها، أو يحاسب عليها حتى. في سوريا يسمع النظام من الداخل حدّة أكثر إقلاقاً من كلام الزعيم الدرزي. إلا أن أياً من حلفاء دمشق، في المقابل، لم يشأ حتى الآن على الأقل أن يلقي بنفسه في نار الصراع القائم هناك، مع النظام وعليه.
كان بعض السياسيين في قوى 14 آذار ـــــ وبينهم أعضاء في تيّار المستقبل ـــــ سمعوا من مسؤول رسمي ملاحظات حيال الحماسة التي تبديها أحزاب هؤلاء بإزاء ما يجري في سوريا، واستعجالهم توقع سقوط نظام الأسد، والرهان على حتمية انهياره.
كان جواب المسؤول الرسمي أن من الخطأ الرهان على سقوط نظام الأسد، ومن الوهم الاعتقاد بأن نظاماً آخر ـــــ لا الفوضى ـــــ هو الذي سيحلّ محله.
كان جنبلاط قد قارب هذا الموقف بإبداء خشيته من انزلاق سوريا إلى فتنة مذهبية.
قال المسؤول الرسمي لزائريه أيضاً: لسقوط الأسد ارتدادات على لبنان. لكن لبقائه أيضاً ارتدادات. لا توصدوا الأبواب نهائياً.
يكمن مغزى الإشارات السلبية التي استخلصها حلفاء جنبلاط في الغالبية الجديدة، إذاً، في دورانه من حول العلاقة المتدهورة بينها والمعارضة، تبعاً للآتي:
1 ـــــ إصراره على تمييز نفسه عن حلفائه هؤلاء، على نحو باتوا يعتقدون بأنه أضحى نافراً. أتاح جنبلاط لنفسه هامشاً واسعاً من التحرّك، قلص في الوقت نفسه من الفسحة العريضة التي ظنّت الغالبية أنها تجتمع وإياه عليها. تارة يفصح عن خلاف عميق مع الرئيس سعد الحريري يختلط الشخصي فيه بالسياسي ويحمّله وزر فشل التسوية ويأخذ عليه استسلامه لمعاونيه، وطوراً يفاجئ حلفاءه بمخابرته إياه ويتحدّث بإطراء عنه ويحذر قوى 8 آذار من المغالاة في الخصومة السياسية معه. مرة هو مع الغالبية ضد الحريري، وأخرى يتوسّط الطرفين. مرة يرفض المحكمة الدولية، وأخرى يتمسّك بها.
2 ـــــ حوّل الزعيم الدرزي وزنه داخل الغالبية إلى سلاح يُشعرها بأنه موجّه إليها. صارت تلاحظ أنه يحاول التلاعب بتوازن القوى داخل هذه الغالبية بغية تذكيرها دائماً بحاجتها إليه. تعرف قوى 8 آذار أنها من دون جنبلاط لم يسعها تكوين أكثرية نيابية جديدة. لم تحتج إلى دوره لإسقاط حكومة الحريري وكانت تملك الثلث +1، بيد أن نجاحها في إسقاط حكومة الوحدة الوطنية لا يترجمه بالتأكيد من دون جنبلاط نجاحها في تأليف حكومة جديدة وإقصاء الحريري عن رئاستها.
بين غالبية نيابية كان يملكها رئيس تيّار المستقبل ونصاب معطل كانت تملكه قوى 8 آذار، كان الخيار الوحيد للبلاد الدخول في فراغ حكومي لا مخرج منه. قلب جنبلاط التوازنات الداخلية رأساً على عقب، بأن أحال الأكثرية أقلية، والأقلية أكثرية. وهو التهديد نفسه الذي تجابهه معه قوى 8 آذار اليوم. من دونه تعود قوى 8 آذار مجدّداً أقلية، من دون أن تسترجع قوى 14 آذار بالضرورة أكثريتها. بل يقف جنبلاط ـــــ وكذلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكتلته النيابية ـــــ بينهما. على أن الأكثريتين القاصرتين عن امتلاك أي منهما النصف +1 هما في الواقع عاجزتان تماماً.
3 ـــــ لا تخفي الغالبية الحالية أن بين يديها سرّ بقاء جنبلاط في صفوفها: العصا والجزرة. كلاهما خبرهما الزعيم الدرزي في عزّ المواجهة مع حزب الله، ثم في مرحلة المصالحة التي أثقلت كاهليه كي يستقر أخيراً على الخيار الذي عدّ نفسه عاد إليه. لا يقلق الغالبية، ولا عمودها الفقري حزب الله، تلاعب جنبلاط بمعادلة استنزفت دوره بين عامي 2005 و2008، وهما حماية سلاح حزب الله والعلاقة مع سوريا. لم يوحِ بتخليه عنهما، ولم يرَ نفسه جزءاً لا يتجزأ من الأكثرية الحالية إلا من خلالهما. تنصّل من الحريري عندما فاضَلَ الأخير بين القرار الاتهامي وسلاح المقاومة. ما خلا خياريه هذين، تصبح الغالبية الحالية على صورة مختلفة، غير ملزمة له في توازن القوى الداخلي في كل ما عداهما من ملفات شائكة ومربكة.
هكذا يحتاج جنبلاط ـــــ بعد كل ما قاله فيهما ـــــ إلى مصالحة مع الحريري ومع الرئيس فؤاد السنيورة، وإلى المحافظة على صداقة معمّرة مع النائب مروان حمادة، وإلى الشعور المتنامي خصوصاً باستحالة التفاهم مع الرئيس ميشال عون.

Script executed in 0.16900420188904