بدا النائب غسان مخيبر أمس كمن تلقى صدمة. هو لم يفهم كيف لزميل له، في الكتلة نفسها، أن يرفض إقرار قانون خفص السنة السجنية في مجلس النواب؟ «صراحة، لا أعرف لماذا فعل ذلك آلان عون». يقولها مخيبر، قبل أن يجزم بأن موقف عون هو رأي شخصي، لا رأي تكتل «التغيير والإصلاح». وبعيداً عن اختلاف الآراء بين أعضاء الكتلة الواحدة، يستغرب مخيبر «قصر النظر لدى بعض المسؤولين، فرفض الاقتراح كان غير منصف إطلاقاً. ولكن على أي حال، لقد خسرنا معركة، لكننا لم نخسر الحرب». هكذا، أظهر النائب، الذي قضى وقتاً طويلاً في دراسة الاقتراح في لجنة الإدارة والعدل، كمّاً من الغضب تجاه «الذين يخوضون في مواضيع هم ليسوا من متابعيها، ومن مختلف الكتل، فتراهم يزايدون على سواهم في القانون، وينسون أن السجون اللبنانية تعيش حالة استثنائية من الظلم وتفتقر إلى كثير من معايير حقوق الإنسان».
من جهة ثانية، بدا أن ما توقعته «الأخبار» لناحية ردود فعل السجناء وأهاليهم قد بدأت بالظهور. فقد قطع عدد من المحتجين على إسقاط الاقتراح طريق المطار، عصر أمس، بالإطارات المشتعلة والحاويات المعدنية. أدّى هذا الأمر إلى زحمة سير خانقة، فالاحتجاج دام نحو ساعتين وقبل موعد الإفطار، تدخلت بعدها دورية من القوى الأمنية وأعادت فتح الطريق بالقوة.
ولأنهم «في الهم سجناء» وتوحدهم المطالب، قطع عدد من أهالي الموقوفين الإسلاميين الطريق الدولية في منطقة البداوي (الشمال) التي تربط طرابلس بعكار والحدود السورية. رددوا هتافات تطالب الحكومة والقضاء بضرورة بت ملفات أبنائهم الموقوفين منذ نحو 4 سنوات دون محاكمة. كما دعوا إلى تعيين هيئة المجلس العدلي الشاغرة منذ سنوات، والتي أحال عليها مجلس الوزراء في حكومة فؤاد السنيورة عشرات الملفات بعد تفجيري التل والبحصاص في طرابلس. وأكد الأهالي أن الكثير من الموقوفين الإسلاميين «لا علاقة لهم، لا من من قريب أو من بعيد، بالأعمال التفجيرية والتخريب، وأن الكثير منهم لا يستدعي توقيفهم أكثر من سنة أو سنتين، وذلك استناداً إلى الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية خلال العام الماضي في قضايا مماثلة». هكذا، يبدو أن السجناء الإسلاميين أقل ضرراً من سواهم في عدم خفض السنة السجنية إلى 9 أشهر، ذلك لأن قسماً كبيراً لا أحكام قضائية بحقهم، وبالتالي فإن مشكلتهم الأساس هي التأخير في بت المحاكمات، وهذه المشكلة «العقيمة» في لبنان يكون سببها تارة قاض «قليل المروّة» أو غياب تعيينات وشغور مراكز تارة أخرى. ويعترض هؤلاء الموقوفون اليوم على عدم سنّ نواب الأمة أيَّ قوانين بديلة تحل مشاكلهم، طالما أنهم رفضوا الاقتراحات الموضوعة، فهم «كمن لا يريد أن يرحم ولا يريد لرحمة الله أن تنزل على أحد».
من جهته، لفت وزير العدل شكيب قرطباوي إلى أن المطلوب هو «سياسة عقابية شاملة للتعامل مع السجناء، الذين هم بشر ولهم حقوق، وذلك بعيداً عن عقلية «الترقيع» التي يُلجأ إليها كل مرة في لبنان». وذكّر قرطباوي في حديث مع «الأخبار» بأهمية تسريع المحاكمات، التي «يمكنها أن تحل مشكلة الموقوفين»، واعداً بإيلاء هذه المسألة أهمية قصوى من منطلق خبرته في هذه المشكلة.
وفي السياق نفسه، علمت «الأخبار» أن أهالي الموقوفين الإسلاميين يعتزمون تنفيذ اعتصام تضامني مفتوح في طرابلس مع أبنائهم، الذين أعلنوا أمس إضراباً مفتوحاً عن الطعام، احتجاجاً على «عدم إقرار مجلس النواب قانون خفض السنة السجنية، إضافة إلى التأخير في بت المحاكمات ومنع الأهالي من زيارة أبنائهم في سجن رومية». وأوضح الشيخ نبيل رحيم، أحد أبرز الموقوفين الإسلاميين الذي أطلق سراحه قبل أيام، والذي يتواصل مع رفاقه السابقين الباقين في سجن رومية، أن هذه الخطوات «تأتي بهدف الضغط على مجلس النواب قبل جلسة يوم الأربعاء المقبل، لدفعه إلى النظر مجدداً باقتراح قانون خفض سنة السجين».
من جهتهم، أعلن سجناء رومية في بيان نشروه، أمس، عبر سفير حقوق الإنسان علي عقيل خليل، أنهم باشروا «إضراباً سلمياً عن الطعام، يليه خطوة تصعيدية، مكررين مطالبنا السابقة التي على أساسها، وبوعد من الوزير زياد بارود والنائب غسان مخيبر والعميد جبران (قائد الدرك صلاح جبران)، علقنا الإضراب سابقاً». البيان الصادر بعد مشاورات بين السجناء في المبنيين «د» و«ب» تضمن دعوة إلى كل الهيئات والمنظمات، المحلية والدولية، للقدوم إلى السجن وفتح أبواب الزنازين «لنقل حقيقة ما يجري، محملين الدولة اللبنانية كامل المسؤولية عما سيحدث... وقد أعذر من أنذر».
وفي سياق ردود الفعل، انتقد مركز «الخيام» لتأهيل ضحايا التعذيب عدم إقرار مجلس النواب تخفيف السنة السجنية، أسوة بـ«البلدان المتحضرة». وجاء في بيان للمركز أنه كان «أحرى بالذين أسقطوه أن يطرحوا مشروعاً متكاملاً، بدءاً من تسريع المحاكمات وإطلاق سراح المنتهية مدّة محكوميتهم، وتحسين الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية للسجناء». ولفت المركز إلى أن الطريقة التي تعامل بها مجلس النواب مع قضية السجون، هي «استمرار لإدارة الظهر لهذه القضية الإنسانية، وغياب للمعالجة الجدّية، التي يتحمل مسؤوليتها الجميع سواء الذين عارضوا الاقتراح أو وافقوا عليه. فهذا الأمر سيشعل السجون من جديد، وهنا ستكون الحكومة والمجلس النيابي أمام استحقاق جديد اسمه السجون اللبنانية، وهذه قنابل ستتفجر مجدداً إذا لم يبادر المسؤولون إلى تأليف لجنة وزارية لوضع مشروع متكامل لإعادة تأهيل السجون واحترام كرامة السجناء الإنسانية».
أخيراً، يُذكر أن ثمة اقتراحاً للعفو عن بعض الجرائم المرتكبة قبل 31/12/2010 مقدماً من النائب ميشال موسى، وقد أعيد إلى اللجان النيابية في الجلسة التشريعية لمجلس النواب أول من أمس لإعادة دراسته، على أن يعرض في الجلسة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري يوم الأربعاء المقبل. ويشار إلى أن اقتراح العفو المذكور، وإن كان لا يلبي طموح السجناء، إلا أنه ينص على العفو عن جرائم سرقة الدراجات النارية، واستبدال ما بقي من جميع عقوبات الحبس الجناحية، ما عدا تلك المنصوص عليها في قانون المخدرات، بغرامة مالية قدرها 10 آلاف ليرة لبنانية عن كل يوم حبس، إضافة إلى شموله بعض جرائم التزوير وانتحال الهوية، وكذلك ينص على تعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بغية التخفيف من قسوة التوقيف الاحتياطي المعمول به.