عكس ما يتصوّره البعض، سمير جعجع مرتاح. يتابع حياته اليومية على نحو اعتيادي ويسأل عن تفاصيل التطوّرات في الداخل والخارج. يستقبل ويودّع. يتّصل ويردّ. يكتب ويقرأ. لا تغيب عنه التفاصيل الصغيرة داخل جلسات مجلس الوزراء ولا «أصغر» نقاشات الجلسات العامة في مجلس النواب. هذا من جهة. ومن جهة أخرى يتابع عن كثب الأوضاع في المنطقة، وخصوصاً في سوريا. جنبلاط و«الرقيب شولز» نادراً ما يبتسم سمير جعجع عندما تواجهه بسؤال، وهو يحتفظ بضحكته ليطلقها عندما يسمع تعليقاً ما أو يتقدّم هو بـ«نهفة». وحده النائب وليد جنبلاط قادر على تحريك ابتسامة الحكيم. يفضل عدم الحديث بالمباشر، فيقول «إنّ جنبلاط هو كشخصية الرقيب شولز في مسلسل «هوغانز هيروز» (Hogan›s heroes)، الذي نتيجة التأنيب المتواصل له، لم يعد يجيب عن أسئلة مرؤوسيه سوى بالعبارة الآتية: «see nothing, and I know nothing» (أي لا أرى شيئاً ولا أعرف شيئاً)». يضحك جعجع. كيف يمكن توضيح ذلك أكثر؟ «عبر نكتة الزحلاوي والديك: مرّ رجل زحلاوي بأحد الحواجز العسكرية على مدخل مدينته، وهو يضع ديكاً في صندوق سيارته. عند سؤال العسكري له عما يطعمه لديكه، أجاب السائق: «القمح»، فنال نصيبه من الضرب. وفي المرة الثانية أجابه «الشعير»، فنال المصير نفسه. وفي مرة ثالثة ردّ قائلاً: أعطي الديك مصروفه وهو يهتمّ بنفسه». هذه حالة النائب وليد جنبلاط وفق جعجع. الحوار في بكركي وبعبدا بعد «موجة» الضحك إثر «خبرية» الكولونيل هوفنز والعريف شولز، وقف جعجع من مكانه وتوجّه إلى «هاوس» المكيّف. رفعه وعاد ليجلس في مكانه وقد تذرّع مبتسماً بأنّ «تصوير ألدو (أيوب، مصوّره الشخصي) زاد الجلسة حماوة». ماذا يحصل بين معراب وبكركي؟ كان من المفترض أن يزيد هذا السؤال حماوة الجلسة، لكن جعجع تلقّف السؤال وردّ عليه بأسلوب دبلوماسي: «البطريرك بشارة الراعي شخص ديناميكي ومتحرّك وجولاته على المناطق تعطي الثقة للجميع». هل يسعى الراعي لأن يكون نجماً سياسياً؟ يجيب: «زعامة الراعي هي أقوى وأهم من أي زعامة سياسية. طريقة العمل التي يقوم بها البطريرك هي خياره، ولكلٍّ أسلوبه، والأمر بالطبع متروك له». الحكومة و«بوطة الأولاد» من أداء 14 آذار تجاه سوريا إلى أدائها في المعارضة، «لا بأس بما تقوم به المعارضة حتى اليوم»، يقول جعجع، ويمرّر لطشة «على الماشي»: «إلا إذا اعتاد الناس على أسلوب معارضة حزب الله للأمور»، أي عبر نمط 7 أيار وإقفال مجلس النواب وغيرهما. يسأل: «هل مرّ يوم من دون أن تشنّ قوى المعارضة هجوماً على الحكومة؟ طبعاً من باب المنطق». يؤكد أنّ 14 آذار لم تضع سقفاً سياسياً لأي من أطرافها أو شخصياتها، «إنما فقط جرى تأكيد الثوابت، وكلٌ منا يعبّر عن هذه الثوابت بما يراه مناسباً وبما يتلاءم مع ظروفه وواقعه». وعن الحكومة أيضاً، يقول جعجع: «لاحقينها على الدعسة، وناطرين»، مشدداً على أنه لا أحد يعلم متى تكون الضربة القاضية التي ستسقط بها الحكومة وتستقيل.
كان يسهل على رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، كما يقول هو في مجلسه، أن يرفع الصوت ويحمل الشعارات ويدفع الناس للمطالبة بإسقاط النظام السوري. «أواجه هذا النظام منذ 1976 وكان يسهل عليّ أن أفقد أعصابي وأخرج عن طوري» لمواجهة حزب البعث، يقول وهو يمسك خدّه. يستوي في مقعده. يفرك يديه إحداهما بالأخرى. ويعلن الخلاصة التي لا بدّ منها بخصوص سوريا: «ما يحصل ليس مقبولاً في كل المقاييس، يجب ترك الشعب السوري ينتصر وحده». لكن، لماذا يضع هو وحلفاؤه هذه القيود حيال ما يجري في الشام؟ يجيب: «من موقعنا وحجمنا نستطيع التعبير عن معارضتنا للظلم الذي يلحق بالشعب السوري، وهو موقف أخلاقي ومبدئي تجاه شعب يسير نحو الحرية والديموقراطية والحداثة». ونظراً الى طبيعة الأحداث على الأراضي السورية، «وهي أحداث داخلية لا عوامل خارجية فيها»، فلا يمكن التدخّل أكثر في الساحة السورية.
يضيف: «لو كان لبنان دولة ذات إمكانية، لكنا تصرّفنا بأسلوب آخر». مثلاً لكان لبنان، بحسب جعجع، قد فرض عقوبات على النظام في سوريا.
وجد جعجع منطلقاً لهذا الموقف السابق، فيقول إنّه في واقع الأمور «حلفاء دمشق يتمنّون أن نتدخّل في الشأن السوري وهم يحاولون إقحامنا في الأزمة السورية ويفعلون كل الأمور الممكنة لنقوم بذلك». يتناول فنجان القهوة. يرتشف منه، ثم يعيده إلى مكانه، ليغوص في فرضية أن تتحرّك قوى 14 آذار شعبياً لدعم الشعب السوري. يسأل: «حينها، ماذا سيحصل»؟ يبدو أنه يحسب جيّداً حساب خصومه ويزن الخطوات منطقياً: «أليس من قوى موالية لسوريا؟ سننزل ساحة مقابل أخرى، وهذا الموقف سيجرّ لبنان إلى أزمة».
في خلاصة هذا الموقف الواضح في دعم الثورة السورية والحذر في التحرّك من أجلها، يقول جعجع إنّ الأوان «ليس لحظة تصفية حساب»، ولا القضية هي «استكمال لمعركة قوى 14 آذار مع النظام في سوريا». ماذا إذاً؟ «الشعب السوري خرج من القمقم ولا عودة إلى الوراء»، أي أنّ النظام في دمشق يتراجع نحو السقوط و«أنا أشكّ في أن يعود التاريخ إلى الوراء». ليس هذا بالأمر السهل كما يقول جعجع، إذ إنّ «الشعب السوري، وللأسف، قد يحتاج إلى النضال لأيام طويلة».
يشير جعجع إلى أنّ خلاصته هذه هي نتيجة أسباب استراتيجية، أولّها أنّ الحزب الحاكم لم يعد له أي سند خارجي. يتحدث عن الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن، ثم ينظر إلى ساعة يده ويسأل عن حركة الحكومة التركية وزيارة وزير الخارجية فيها أحمد داوود أوغلو. ونتيجة فقدان هذه المساندات الخارجية «ثمة احتمال واحد لا غير: أن تتتابع الأحداث حتى النهاية منتجة مرحلة جديدة في سوريا». لكن ماذا عن هذه المرحلة الجديدة؟ يضيف جعجع على هذا السؤال علامة استفهام ثانية: «ماذا عن المرحلة الجديدة؟ لا أحد يستطيع تحديدها لكون المعارضة في سوريا غير منظّمة. وكان أسهل تحديد التطوّر في مصر لأن المعالم السياسية في القاهرة كانت واضحة مبدئياً».
وماذا عن العلاقة بالرئيس سعد الحريري؟ «نحن على تواصل مستمر»، يجيب الحكيم. مباشر؟ نعم. يؤكد سمير جعجع أنّ العتب على غياب الحريري «بات من التاريخ»، ويعرب عن تفهّمه لوجود الرئيس السابق للحكومة خارج البلاد. لا بل أكثر منذ ذلك، «منيح أنه مطرح ما هو موجود اليوم». يشدد على أنه في الوقت السابق «سبقتنا الأحداث جميعاً»، مضيفاً إنه كصديق لسعد الحريري يقول له: «ابقَ حيث أنت». يعلّل ذلك بالهواجس الأمنية والأسباب التي ذكرها المستقبليون سابقاً، ويضيف إليها تبريراً آخر: «لو سعد الحريري هنا اليوم لكان الفريق الآخر استعمل وجوده كأداة للضغط علينا». يؤكد جعجع أنّ فترة التساؤل عن أسباب غياب الرئيس السابق لم تطل، وأنه لم يناقش وقيادة 14 آذار هذا الأمر سوى في اجتماعين، وأنّ الجهود تنصبّ اليوم مع جميع الحلفاء لاستكمال المشروع المعارض.
وحول وجود ملاحظات على أداء الراعي الذي يعقد اجتماعاً مارونياً خماسياً في 25 آب الجاري لبحث ملف القانون الانتخابي، يقول جعجع إنّ «المشاركة مؤكدة فيه، وطالما أنّ الاجتماع سيُعقد فلا يمكن عدم المشاركة فيه». لكن للحكيم ملاحظاته على هذا الأمر أيضاً وأهمها أنه حتى اليوم لم يعقد أي اجتماع تمهيدي للقاء الأقطاب في 25 الجاري «ويبدو أننا بانتظار بقية الأطراف لتسمي ممثليها في هذه اللقاءات التمهيدية، ونحن سمّينا النائب جورج عدوان». لكن الملاحظة الأهم هي حول اللقاء بحد ذاته، وبحسب جعجع، العماد ميشال عون لم يحترم أدبيات بكركي التي حدّدت في الاجتماع الخماسي التأسيسي، والتي نصّت على عدم «الانقضاض على بعضنا البعض بالشخصي». سجّل جعجع هذه الملاحظة لدى الراعي الذي وعد خيراً.
أما في ما يخص العلاقة بالرئيس ميشال سليمان، فيؤكد جعجع أنه يوم الاثنين في 1 آب الجاري، التقى سليمان وبحث معه ملف الحوار. «حكينا مطوّلاً وتحدثنا بتفاصيل الأمور»، يقول جعجع مشيراً إلى أنّ نتيجة هذه المصارحة «غير واضحة بعد، لكنها قد تؤدي إلى إيجاد الحلول». وعن طلب سليمان عقد هيئة الحوار الوطني «ولو بالشكل»، يؤكد الحكيم أنه أطلع الرئيس على وجهة نظر واضحة بأنّ الحوار لا يمكن أن يكون شكلياً، ويضيف: «اقترحت عليه أفكاراً أخرى لا طاولة حوار فيها، لكن أي شيء ذي طابع حواري»، رافضاً الكشف عن اقتراحاته.
يتحرّك في كرسيه، يشرب جرعة ماء. يمسك جوانب المقعد، وينقضّ على الحكومة. الأخيرة «وللأسف، تتصرف كأنها هي المعارضة»: هجموا على ملف النفط، لماذا لم يعدّوا قانوناً بهذا الشأن؟ أين الـ 11 مليار ليرة «المفقودين»؟ أين قطع الحساب؟ ماذا عن ملف شهود الزور الذي توعّدوا بفتحه؟ فليحاكموا شهود الزور. ماذا عن صرف الأموال من خارج الموازنة واعتراضهم على هذا الأمر خلال الحكومة السابقة؟ خلال عهدها حتى اليوم، صرفت ثلاث مرات الأموال من خارج الموازنة. يختصر «الحكيم» حديثه عن الحكومة، ويعتبر أنّ «قسماً كبيراً منها بوطة أولاد يتسلّون بمصير المواطن». ليس موقف جعجع بجديد، لكنّ فيه تخلّياً عن الاتهامات العمياء التي سادت انطلاق عهد الحكومة الميقاتية بكونها «حكومة جسر الشغور» أو «حكومة حزب الله»، وهو يعلن أنّ ملاحقة الحكومة لن تكون فقط من الباب الإعلامي، بل أيضاً من خلال المتابعة الجديّة لعمل مجلس الوزراء وملاحقة الأخطاء التي يقع فيها.
وتشير العبارة التي استخدمها جعجع «قسماً كبيراً من الحكومة»، إلى أنه لا يزال يميّز بين قوى 8 آذار وحلفائها في الحكومة. وهو غالباً ما يستخدم «الأكثرية في الحكومة» حين يوجّه انتقاداته. ويعود ذلك إلى إيمان جعجع «بوجود فرق بين 8 آذار والقوى الأخرى»، مشيراً إلى أنّ ذلك بدا واضحاً خلال جلسات صياغة البيان الوزاري وجلسة التصويت عليه إضافة إلى قرارات أخرى لم يوافق عليها من هم خارج 8 آذار.
لا يزال الحكيم يحتفظ بالكثير من الملاحظات بشأن الحكومة، وآخرها حول الموقف اللبناني الأخير في مجلس الأمن. يعتبر بكل بساطة أنّ الحكومة لم تتصرّف وفق الاعتبارات المبدئية ولا انطلاقاً من المنطق الأخلاقي ولا بناءً على المصالح اللبنانية، بل «وفق علاقتها بالنظام السوري». وبالنتيجة، سيؤثر هذا الموقف على قضايا لبنان في مجلس الأمن، وإن غداً لناظره قريب.