أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أسلوب قتالي جديد اسمه «منازلة القرن الحادي والعشرين»

الإثنين 15 آب , 2011 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 7,424 زائر

أسلوب قتالي جديد اسمه «منازلة القرن الحادي والعشرين»

«نحن جنود الملك داوود، لم تعد لنا عربات (دبابات) نستقلها، كل ما بوسعنا هو القتال بطريقة «حزب الله»، حيث فرض علينا التسلل مشيا إلى قرية يارون بحثا عن رجاله ومنصات صواريخه ومخازن أسلحته، الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة قصفت القرية طوال اليومين السابقين دون توقف، كان من المستحيل أن يبقى عاقل في القرية من شدة القصف، فجأة أصبحنا محاصرين من قبل كمائن «حزب الله»، لا ماء ولا طعام ليومين، لقد كنا نتضور جوعا بينما رجال «حزب الله» يأكلون طعامنا ويشربون مياهنا. قائد الكتيبة قرر إرسال دعم فوري لنا، فتقدمت الدبابات من محاور عدة، ولم تكن بينها وبيننا سوى أمتار قليلة، كانت المعركة الدائرة من طرف واحد، بين دباباتنا وأشباح لم نكن نرى سوى صواريخهم، التي أصابت أربعة من مجموعتي وقتل السابع، أما الخامس والسادس فقد اختفيا بكل بساطة. لقد بقيا يركضان باتجاه إسرائيل من دون توقف حتى اليوم التالي وعوقبا بالسجن في ما بعد». 

قبل أن يروي الضابط الإسرائيلي «تومار» قصة مواجهته الأشباح في بلدة يارون خلال حرب تموز 2006، كان يفاخر على الدوام بانتمائه الى لواء النخبة في «غولاني»، الذي اضطر لاستخدام وسائل الحرب العالمية الأولى في قتال «حزب الله» عندما حلت حيوانات الرنة محل طائراته المروحية ومركباته الحديثة لنقل الزاد والعتاد الى جنوده أثناء المعارك هربا من صواريخ المقاومة وعبواتها. 

رواية الضابط الاسرائيلي تدلل مع غيرها من روايات ووقائع على فشل الاستراتيجية العسكرية للجيش الإسرائيلي القائمة على الآتي:

أولا: الحرب الاستباقية وتحقيق عنصر المفاجأة. 

ثانيا: سرعة الحسم عن طريق الإفراط في استعمال القوة ودقة التخطيط. 

ثالثا: نقل المعركة الى أرض الخصم، وإبقاء الداخل الإسرائيلي بعيدا عنها. 

رابعا: الاعتماد على التفوق الجوي والتقني والمعلوماتي. 

خامسا: التقدم السريع للدبابات بعد تدمير معظم قوة الخصم بالقصف الجوي والمدفعي. 

دفعت القيادة العسكرية الإسرائيلية، لمواجهة «حزب الله» بأربع فرق عسكرية مؤلفة من سبعة عشر لواء، منها ستة ألوية مدرعة، سبعة ألوية مشاة منها لواءان محمولان بناقلات مدرعة من طراز «أزاريت»، والبقية في 400 دبابة قتالية من طراز ميركافا 2، ميركافا 3، وميركافا 4 الأكثر تطورا في إسرائيل، إضافة الى أربعة ألوية محمولة جواً، حيث تراوح إجمالي عديد القوات العسكرية المقاتلة في جنوب لبنان ما بين 40 و50 ألف عسكري بين احتياطي ونظامي، علما أن عدد جنود الفرقة الواحدة يتراوح ما بين 10 آلاف و15 ألف جندي حداً أقصى. 

بالمقابل، قاتلت المقاومة خلال فترة الحرب كلها بلواء واحد مكون من 2000 عنصر فقط حسب أحد الخبراء العسكريين اللبنانيين، مضيفا «خاضت وحدة نصر المعركة كلها من دون أن يحتاج قادة الحزب في أي لحظة الى تعزيزها». 

يعمل الجيش الاسرائيلي منذ نهاية حرب تموز على تدريب وتأهيل قواته البرية ورفع جهوزية جنوده وتأهيلهم الجسدي والنفسي ليكونوا قادرين على مواجهة المقاومة، لأن هذه القوات ستكون رأس الحربة في أي مواجهة مقبلة للسيطرة على جنوب لبنان وتدمير منصات الصواريخ المختلفة، هو ما صرح به وزير الدفاع أيهود باراك عندما أعلن أن هناك ثماني فرق برية جاهزة لخوض المواجهة مع «حزب الله»، أي ما يعادل 90 ألف جندي.

المبارزة المقبلة ستكون بين الجندي الإسرائيلي والمقاوم ندّية وجها لوجه، «ما سيبرز الى حد كبير وبمعزل عن الامكانات التقنية والصاروخية، القدرات القتالية لكل منهما» حسب الخبير نفسه. 

يعني ذلك اسرائيليا أن منع إطلاق الصواريخ في اي حرب مقبلة «يتطلب سيطرة برية اسرائيلية على جنوب لبنان، وهذا يعني بدوره الاصطدام المباشر وهو ما ينتظره مقاتلو «حزب الله» الذين خبروا عن قرب كفاءة الجندي الإسرائيلي الذي بدا رخواً وفاقداً للروح المعنوية وغير مستعد للتضحية، فكلما زاد عدد القوات الإسرائيلية كلما زاد عدد الإصابات في صفوفه» يقول الخبير المقرب من المقاومة. 

يملك عناصر المقاومة الأرض ويعرفون جغرافيتها وهم قادرون على التحكم بها بعكس العدو الذي سوف يضطر لقتال عدو غير مرئي في حين تكون المقاومة قادرة على مفاجأته، فالمقاومة في لبنان ليست جيشا كلاسيكيا، وهي موجودة تقريبا في كل مكان وأماكنها غير معروفة ومحصنة وغير مرئية ولا يمكن التأثير عليها بالنيران المباشرة، وهذا الأمر يعطيها أفضلية التفوق في الميدان البري. 

كانت «السرية» سابقا أصغر وحدة قتالية اسرائيلية، أما الآن فقد أصبحت «الكتيبة» وهي تضم حوالى 300 جندي، عندها فإن المقاوم كيفما التفت فسيجد أمامه في كل بيت أو زاروب جنديا إسرائيليا، وهذا ما يجعل من الجندي الإسرائيلي فريسة سهلة. فـ«حزب الله» وفقا لدراسات أميركية «يعتمد على نمط من القتال يقوم على تكتيك لعبة (الغميضة) مع ترجيح كفة اللاعب المختبئ على اللاعب الذي يخرج للبحث عنه، فهو يتبع أسلوبا تحديثيا جديدا لحرب العصابات في القتال يمكن تسميته منازلة القرن الحادي والعشرين، ويمتلك الأساليب الأكثر خطورة في مجال حرب العصابات الشبحية». 

وفي محاضرة بعنوان «حرب الشبكات» 101 (العصابات) رأى أستاذ التحليل الدفاعي في الكلية البحرية الأميركية جون آركيللا أن حرب الشبكات هي معركة الإعداد المنظمة في وحدات صغيرة ضد جيوش تقليدية تضم أعدادها قوات كبيرة، في حين تعمل هذه الشبكات على جعل هياكلها مسطحة فهم ينتشرون ويتحركون ويتفرقون وينتظمون ارتجاليا وحسب مقتضيات الميدان، وهذا ما يجعلهم فعالين ويجعل تتبعهم واستهدافهم أمرا صعبا. ومن مواصفات المقاومة أيضا «إطالة أمد الحرب كونها لا تعتبر جيشا منظما، فيما تنص العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي على عدم إطالة الحرب لأكثر من أربعين يوما» يقول الخبير العسكري اللبناني. 

الاستعداد الإسرائيلي «يقابله استعداد من جانب المقاومة أيضا التي تسعى بدورها الى زيادة قدراتها التسليحية والعددية لتكون قوة رادعة ضد أي اعتداء مستقبلي» وهو ما يجاهر به قادتها. 

ويقول الخبير نفسه انه للمرة الأولى في تاريخ الصراع بين المقاومة وإسرائيل، يهدد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين يتوقون الى الالتحام بفرق الجيش الإسرائيلي ومواجهتها والتصدي لها، وهذا يعد نقلة نوعية بعدما كان التهديد يقتصر في الماضي على آلاف المقاتلين والقوة الصاروخية، وهو ما يفسر وجود عدد من المقاتلين لدى حزب الله يوازي عدد الفرق الإسرائيلية التي يقدر مشاركتها في أية حرب مقبلة. 

أما على المستوى التسلحي فقد تحدثت مصادر إسرائيلية عن زيادة قدرات حزب الله أضعاف ما كانت عليه في الحرب الماضية حيث وصلت ترسانة الصواريخ لديه الى ما بين 40 الى 45 ألف صاروخ بعيد ومتوسط المدى. 

وكانت «ذي تايمز» اللندنية قد نشرت تقريراً العام الماضي أكدت فيه ان «حزب الله» تسلم صاروخين من نوع «سكاد - دي» ارض – ارض يبلغ مدى كل منهما 700 كلم. ومنذ ذلك الحين سلم السوريون ثمانية صواريخ اخرى من هذه الاسلحة الباليستية التي تم تجميعها بمساعدة خبراء كوريين شماليين. 

وهذه المقذوفات التي تحمل رؤوسا حربية زنة طن تمتاز بأنها بالدقة في التصويب بما لا يتجاوز عشرة امتار، ويمكنها ان تجعل اسرائيل والاردن وقطاعات كبيرة من تركيا ضمن نطاق حزب الله. كما استلم حزب الله صواريخ ارض أرض «إم600 إس» على غرار صاروخ «فتح – 110» الايراني ويبلغ مداه 250 كيلومترا ويحمل رؤوسا حربية زنة 500 كيلوغرام. 

ويقول تقرير استخباراتي نشرته «ذا أندبندنت» البريطانية ان «فجر حقيقة جديدة قد بزغ. وهذه هي المرة الاولى الذي تحصل فيه منظمة (ارهابية) على صواريخ من هذا النوع، الذي يعتبر استراتيجيا». 

كما تتضمن هذه الترسانة استنادا الى مصادر استخباراتية إسرائيلية صواريخ متعددة الأنواع والأحجام مثل «رعد» و«زلزال» و«خيبر» فضلا عن زيادة كمية الصواريخ البحرية والقصيرة المدى مثل «كاتيوشا»، إضافة الى كميات هائلة من الصواريخ المضادة للدروع من طراز «كورنيت». ويخشى الاسرائيليون من وصول أنواع جديدة من طراز «كرزنتيما» الروسية الى يد حزب الله وهي تتمتع بقدرات تدميرية هائلة قادرة على اختراق أي دبابة في العالم مهما بلغ سماكة تدريعها. وقد أشارت صحيفة «جيروزاليم بوست» الى امتلاك حزب الله صواريخ مضادة للطائرات من طراز SA-18 قد تكون مفاجأة الحرب المقبلة، «كل ذلك يعزز قدرة الردع لدى المقاومة ويجعل الإسرائيلي يقيم ألف حساب قبل الإقدام على أي خطوة قد تتمخض عنها نتائج مشابهة للحرب الماضية» يقول الخبير العسكري اللبناني. 

وأخفى «حزب الله» عشرات الآلاف من الصواريخ في مواقع مجهزة ضد الغارات الجوية، حيث جرى قياس دقيق للوقت الذي يمر بين لحظة إطلاق الصواريخ واللحظة التي ترصد فيها الطائرات الحربية مواقع الإطلاق لتدمرها، فتبين أنه يبلغ 90 ثانية، وقد تعلمت فرق إطلاق الصواريخ عبر سنوات من التدريب الدؤوب أن تخرج هذه الصواريخ وتطلقها ثم تعمد الى إخفائها وتغطية منصاتها الصاروخية بأمان في أقل من 60 ثانية الأمر الذي يجعل من طائرات الجيش الإسرائيلي المروحية والحربية عاجزة عن وقف إطلاق الصواريخ، ويعلق أحد القادة العسكريين الأميركيين على ذلك قائلا: «ما يفصل بين إسرائيل والكارثة الشاملة ثلاث مروحيات تقريــبا. لذلـــك فـــإن وقف إطلاق الصواريخ يفرض على إسرائيل وضع عسكري قبالة كل صاروخ».

Script executed in 0.19569396972656