بر إن حرب تموز 2006 لم تنتج فقط تغييرات مادية في موازين القوى بل كشفت عن الحاجة الى إعادة دراسة جملة من المفاهيم والمقاربات والنظريات الاستراتيجة والعسكرية بل والاجتماعية والنفسية. لقد شكلت تلك الحرب تحدياً فكرياً ونظرياً لجملة من حقول الدراسات الإنسانية والعسكرية، الى حد القول أنها شكلت مدرسة جديدة تصلح لمقارعة المدارس التقليدية في الحرب والاستراتيجيا.
في هذا السياق وللبحث عن مزيد من الإجابات عقد المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بالتعاون مع جريدة «السفير»، حلقة بحثية بتاريخ 16 آب 2011، تحت عنوان «خمس سنوات على حرب تموز 2006: قراءة في النتائج البعيدة الأمد». هدفت الحلقة بالتحديد لمناقشة نتائج تلك الحرب على الصعد المختلفة وانعكاساتها خصوصاً على:
ـ البيئة العامة للصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ـ المنافسات الإقليمية بين المحاور والاتجاهات.
ـ موقع لبنان على خريطة المنطقة.
ـ نظرة كل من «إسرائيل» والعرب الى دوره ومستقبله، والتوازن العربي/الصهيوني المتعدد البعد: المعنوي، العسكري والسياسي.
ـ خيارات إنهاء الصراع في المنطقة بين التسوية وبدائلها ونقائضها.
ـ الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
ـ أثر حرب تموز على حراك التغيير في المنطقة العربية.
وقد شارك في الحلقة جملة من الباحثين المتخصصين في الشؤون الاستراتيجية والسياسية، وهم: الوزير السابق د.عصام نعمان، السفير د. عبد الله أبو حبيب، العميد د. أمين حطيط، العميد إلياس حنا، العميد نزار عبد القادر، مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية محمود سويد، الأستاذ جان عزيز، مدير مركز دراسات الوحدة العربية الدكتور يوسف الشويري، بالإضافة الى رئيس المركز عبد الحليم فضل الله الذي قدم المداخلة الافتتاحية ومجموعة من باحثي المركز.
وفي ما يلي ملخص لأبرز ما ورد في أوراقهم ومداخلاتهم:
عبد الحليم فضل الله:
«إسرائيل» من الهيمنة المطلقة
الى قوة اقليمية شبه عادية
قبل خمس سنوات من الآن، انتهت حرب تموز إلى تقويض بعض ركائز نظام إقليمي أريد بناؤه بعد غزو العراق، بل إن صمود المقاومة وانتصارها ساهما على الصعيد العالمي، في عرقلة آلة الهيمنة التي أطلقتها إدارة جورج بوش مدفوعة بإيديولوجية المحافظين الجدد المتطرفة. أفسح ذلك في المجال أمام وعي عربي جديد كان من نتائجه تحطيم ركائز أخرى لنظام عربي قام على ثنائية الاستتباع والاستبداد. وهذا يؤكد الترابط العميق بين البناء الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية، وكذلك بين كفاح الشعوب من أجل الحرية والإصلاح وكفاحها في سبيل السيادة والاستقلال.
وعلى أي حال، لدينا الآن فرصة أفضل للتبصر بنتائج حرب تموز وتداعياتها، فخمس سنوات هي وقت كافٍ لانقشاع غبار تحليلات وقراءات أرادت زجها في أتون «صراعات ومنافسات سياسية محلياً وإقليمياً. ويتبين الآن على نحو يصعب الشك فيه أننا إزاء حدث تأسيسي مولد للأحداث، يكشف عن نفسه باطراد وعلى مدى طويل، وبعمق يمنع استهلاكه في خضم أوضاع سياسية عابرة ونزاعات مؤقتة.
إن تباين التقديرات بشأن نتائج الحرب، لا يمنع الاتفاق على أنها انتكاسة عميقة وغير مسبوقة للقوة الإسرائيلية التي خسرت ارجحيتها، وانها ايذان ببدء تحول «إسرائيل» من قوة هيمنة إقليمية حاسمة، ذات حضور دولي مؤثر، إلى قوة شبه عادية من العالم الثالث تخسر شيئاً فشيئاً سطوتها وريادتها وقدرتها المطلقة على الانخراط في مواجهات كبرى بمستوى عال من اليقين المسبق. فمن ناحية تتعمق تبعية العدو لأقطاب النظام الدولي، بعد أن صار مرغماً على الالتزام بأجندات دولية أوسع، ومن جهة ثانية يعاني من نضوب البدائل السياسية والعسكرية، إذ يصعب على «إسرائيل» تغيير عقيدتها العسكرية القائمة على أن الجيوش النظامية هي الخطر الرئيسي على أمنها، ما يؤثر على كفاءتها في التعامل مع «فاعلين غير دولييين»، وهي لا تملك في الوقت نفسه الأدوات السياسية لمجابهة المخاطر بعد أن حسمت في خمسينات القرن الماضي أنه بالحرب وليس بالسياسة يحافظ على أمن الكيان ووجوده.
لم تكن نتيجة الحرب أقل من هزيمة لدولة العدو، هذا مع توخي الدقة الاصطلاحية، بل هي هزيمتها الأولى في تاريخ الحروب التي بادرت هي إلى شنها. لم يكن الأمر مجرد فشل عسكري وإخفاق سياسي نجما عن قصور في إدارة الحرب، أو عن ضعف في الرؤية وترهل في هيكلية اتخاذ القرار فحسب كما يصور تقرير فينوغراد (الذي تضمن مع ذلك اعترافات هائلة عن أبعاد الفشل)، بل تفوقت استعدادات المقاومة وتصميمها مقارنة باستعدادات العدو وتصميمه ما اكسب المقاومين دون لبس هذه الجولة من صراع الإرادات الطويل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل طرحت الحرب تساؤلات عما بقي من عقيدة العدو العسكرية القائمة عن الردع الفعال، والهجوم بدل الدفاع، ونقل المعركة إلى أرض الخصم. هذا بالتزامن مع تفكك نظريته الأمنية المستندة إلى ثلاثة مبادئ أيضا: العمق الجغرافي (من خلال الاحتلال والأحزمة الأمنية) والتحالف مع دول الجوار العربي أو استتباعها، وضمان السيطرة على الممرات المائية.
لقد كشفت الحرب أيضاً عن العطب البنيوي في عمق مجتمع العدو، الناشئ عن ليبرالية مفرطة، لا تناسب مجتمعاً محارباً. مع العلم أن دولة الاحتلال وجيشها عاجزان أيضاً عن شن حروب ذكية ونظيفة (كالحسم من الجو)، فذلك يستدعي إمكانات تتجاوز قدراتهما بكثير.
لقد أفضت الحرب أيضاً إلى تغيير في هيكلية اتخاذ القرار على جانبي الصراع. في الجانب العربي لم تعد الأنظمة (التي تهاوى بعضها) تمتلك التفويض نفسه بتقديم تنازلات مجانية وصارت خاضعة أكثر فأكثر للرقابة المتنامية لقوى المقاومة وللشعوب الثائرة. أما العدو الذي صار ملتزماً باستراتيجيات دولية أكثر اتساعاً، فلم يعد بوسعه أن يتخذ بمفرده القرارات الأهم المتصلة بالصراع، بل إنه يخفق في فرض تفسيراته الخاصة للتسويات المنجزة وللقرارات الدولية الخاصة بأمنه مثل القرار 1701، الذي يفهمه لبنان بطريقة مختلفة عما تفهمه «إسرائيل». وكانت هذه الحرب أيضا اختباراً ناجحاً «لمنظومة المقاومة»، (وهي عبارة عن تضامن قوى دولتية وغير دولتية ، ملتزمة بزيادة التهديدات ضد اسرائيل حسب معهد رؤوت الصهيوني ذي الاتجاه اليميني)، إذ تمكنت هذه المنظومة من الصمود والحفاظ على أعلى درجات التعاون والتنسيق طوال أيام الحرب وفي المراحل التالية لها.
عصام نعمان:
«أمن لبنان: التحديات والطموحات»
مر الأمن اللبناني بمراحل خمسة، الأولى من الإستقلال عام 1943 الى تاريخ هزيمة العرب في 1984. الثانية بدأت مع توقيع معاهدة الدفاع العربي المشترك 1950 الى حين الهزيمة العربية في 1967. الثالثة من حين دخول قوة الردع العربية - بأغلبية سورية - الى لبنان عام 1976 والتي انتهت عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005.
ومع ثبوت وجود مكامن للنفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية، دخل الامن الوطني مرحلة خامسة تتسم بحدثين بالغي الدلالة: انفجار الحراكات الشعبية في سوريا وما رافقها من اضطرابات امنية، واعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 26/7/2011، ان المقاومة بالتعاون مع الجيش اللبناني قادرة من خلال معادلة النفط مقابل النفط على حماية المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية في المياه الاقليمية اذا ما تجرأت «اسرائيل» على المساس بمنشآت لبنان البحرية.
من الواضح بداهة ان للبنان وخصوصا المقاومة والجيش مصلحة وطنية استراتيجية في دعم القوى الوطنية في سوريا، سواء كانت داخل النظام ام في المعارضة على حد سواء، الناهضة بمسؤولياتها في مواجهة مخططات العدو العدوانية. صحيح أن لبنان واللبنانيين لا يستطيعون في هذا المجال فعل الكثير داخل سوريا، لكنهم يستطيعون داخل لبنان الحؤول دون تمكين القوى المعادية لسوريا بسبب دعمها المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، من استخدام الأراضي اللبنانية منصة للوثوب عليها.
ان على المقاومة والجيش وعلى اثر التطورات في المحيط ان يزيدا من سعيهما لتعزيز قوة لبنان في مواجهة التهديد الاسرائيلي، وهذا يتم من خلال السعي لتسليح الجيش، ومحاولة إقناع القوى الدولية بالوفاء بالتزاماتها في هذا الشأن. ومن واجب القوى الوطنية في المعارضة والموالاة إنتهاج سياسة وطنية إستراتيجية قوامها توفير اقصى الامكانات للجيش من جميع المصادر المتاحة دونما مراعاة لدول الغرب الأطلسي.
كما لا بد من أن تطور المقاومة خطها الوطني والكفاحي باتخاذ قرار استراتيجيي تاريخي تتمكن على أساسه من تفادي المخاطر التي قد تنجم عن أي حصار مستقبلي. كما يجب على المقاومة ان تتصرف على أنها القوة الرئيسية في استراتيجية الدفاع الوطني اللبناني، وأنها قوة عسكرية ذات دور إقليمي في دعم سياسة الممانعة في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل.
أمين حطيط: حرب تموز 2006
والتغير الاستراتيجي الجذري
عندما قامت «إسرائيل» في 1948 استندت في وجودها واستمرارها الى عاملين - ركنين: القوة العسكرية الميدانية التي فرضت بها الأمر الواقع، والقوة السياسية الدولية التي أسبغت على الواقع المفروض شرعية مزيفة.
إن من أهم نتائج حرب تموز هو تحول المقاومة من «قوة معيقة» ومعرقلة للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط الى «قوة مانعة» قادرة على إيقاف هذا المشروع وليس فقط تأخيره. إن العام 1982 يعتبر العام الأكثر خصوصية في تاريخ إسرائيل»، حيث سُجل فيه نقيضان، ذروة تطبيق استراتيجية القوة البحتة لإسقاط التهديدات وفي الوقت ذاته بداية التحول في أسلوب الصراع.
لقد كان الهدف الرئيسي من الحرب اقتلاع المقاومة وإسقاط سوريا من البوابة اللبنانية وتفكيك جبهة المقاومة والممانعة التي حالت دون السيطرة الغربية الصهيونية على المنطقة، ثم محاصرة إيران وإسقاطها بحرب أو حتى من غير حرب. أما الأهداف الأدنى فكانت تسليم السلطة في لبنان الى فريق تابع يحول لبنان الى مشيخة أو إمارة على غرار ما هو قائم في الخليج.
وعلى الصعيد الاستراتيجي العام تحققت النتائج التالية:
ـ فشل استراتيجية القوة الصلبة الأميركية التي اعتمدتها واشنطن لإرساء نظامها العالمي الجديد، فشلاً جعل الاستراتيجيين الأميركيين يؤرخون للمسار الأميركي الى حد القول ما قبل حرب 2006 وما بعدها، وهي بهذا المعنى كانت أخطر من إخفاقات العراق وافغانستان.
ـ تحول أميركا الى استراتيجية القوة الناعمة الذكية ثم القوة الناعمة، وهو ما يبرز في استراتيجية الحلف الأطلسي 2010 الأخيرة وهي ترتكز على: 1ـ الإنكفاء عن الجبهات المشتعلة للحد من الخسائر، 2ـ تشجيع الإقتتال الداخلي كما يحصل في ليبيا، سوريا واليمن، فضلاً عما تطمح إليه في لبنان من باب القرار الإتهامي.
ـ دخول لاعبين دوليين جدد الى المنطقة كالصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهو ما قد يقود الى قيام تجمعات استراتيجية غير تابعة لواشنطن مع قدرة على تشكيل موقف موحد في ملفات دولية وإقليمية لحماية مصالحها المهددة من قبل الغرب.
ـ تعطيل المخطط الغربي المتعلق بإيران التي دخلت مرحلة أمان استراتيجي، وكذلك استحالة تصفية القضايا الإقليمية لا سيما القضية الفلسطينية، ومنع تحويل العراق الى مستعمرة أميركية.
ـ عودة الواقع السياسي اللبناني الى ما قبل 14شباط 2005، إذ فشلت الولايات المتحدة في «تحويل لبنان الى رأس جسر استراتيجي للعبور الآمن الى المنطقة».
ورغم الجهود الإسرائيلية لتدارك إخفاقات حرب 2006، لم تنجح إسرائيل بعد في خلق «مناعة اجتماعية» في الجبهة الداخلية، ولم تستطع ترميم الثقة بمستقبل إسرائيل كما وعانت من تضخم الإنفاق العسكري الذي يترك آثاراً اقتصادية سلبية لا يستهان بها. يضاف الى ذلك - وهو الأخطر - أن إسرائيل «فقدت الحرية في تنفيذ قرار الحرب أو المبادرة الى عدوان وهجوم». بعد ذلك كله، لا بد من طرح سؤال حول قدرة إسرائيل على الاستمرار بعد تهشــيم ركني قوتها، القوة الميدانية والقوة السياسية في حرب 2006؟ لقد عكست الحرب مسار إسرائيل باتجاه الضمور والأفول، وكذلك المشروع الغربي كله في المنطقة.
عبد الله بوحبيب: المقاومة كقوة عرقلة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة
إنَّ أولى واهم الأمثولات التي أبرزتها حرب تموز 2006 هي أنَّ باستطاعة دولة ضعيفة الإمكانات العسكرية كلبنان أن تردع قوة كبيرة تمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط والسلاح الأحدث في المنطقة، عن تحقيق أهدافها واحتلال أجزاء منه وفرض إرادتها عليه، من خلال امتلاك قوة دفاعية ردعية فعالة. وبعد خمسة أعوام، ومع امتلاكِ حزب الله لمزيد من قدرات تسليحية وصاروخية تطال معظم المناطق الإسرائيلية، أصبح التحدي أكبر أمام إسرائيل وإمكانية قيامها باعتداء على لبنان أضعف من أي وقت مضى، خاصةً وان لبنان ولعقود طويلة شكّل حقل تجارب لجيشها ومتنفساً للأزمات التي واجهت قادتها السياسيين.
وتكمُن أهمية القوة الدفاعية التي يمتلكها لبنان أيضاً في أنها ذاتية حتى لو تلقت دعماً من دول إقليمية، وفي أن عناصرها مواطنون من شعبه وأرضه. فلا تبقى حماية لبنان معتمدةً على القوى الخارجية، كما هي الحال، على سبيل المثال، في دول عدة في المنطقة لا تملك قوى دفاعية ذاتية فعالة وتعتمد على مظلة أميركا وأساطيلها لتحمي نفسها. من هنا ضرورة الحفاظ على هذه القوة الدفاعية وإيجاد صيغة تنسيقية مع الشرعية والدولة اللبنانية ومن ضمن حماية مصالح لبنان وشعبه، لأنها أثبتت جدواها وفعاليتها.
التمسّك بالسلام ورقة في يد العرب يجب ألا يسقِطوها من أيديهم أمام المجتمع الدولي حتى لو توقفت المفاوضات ودخلت في غيبوبةٍ عميقة، لأن العدو الحقيقي للسلام هو إسرائيل في نهجها وسلوكها والتي لا تعيش استراتيجيتها إلا على الحروبِ والأعمال العسكرية والتوسع وعلى الاستنفار الدائم لمجتمعها، الذي تُرجِم في معظم انتخابات العقود الأخيرة فوزاً لليمين في الانتخابات.
ولكن أين موقع الولايات المتحدة من هذا المشهد العام للصراع العربي الإسرائيلي ومشاريع الحلول؟ ليس غريباً أن تبقى الاستراتيجية الاميركية في الشرق الأوسط داعمة بقوة لإسرائيل وحامية لها في المدى المنظور، طالما أن سياساتها الخارجية هي امتداد لتجاذب السياسات الداخلية القائمة على مجموعات الضغط المتعددة والتي لديها مصالحها الخاصة المتنوّعة وتؤثر بقوة في السياسات العامة في أروقة واشنطن. وفي ملف الشرق الأوسط، هناك مجموعتا ضغط Lobbies بالغتا التأثير والأهمية هما اللوبي الإسرائيلي ولوبي شركات النفط الكبيرة . وابتداءً من العام 1993 على إثر توقيع اتفاق أوسلو، ومع مرور الزمن وبسبب الإعتماد المتزايد لدول الخليج العربية على الولايات المتحدة باتت مصالح هذين اللوبيين متقاطعة.
واستناداً إلى هذا البُعد في السياسة الأميركية الخارجية وجذوره الداخلية والذي يتبلور في حماية إسرائيل ومنابع النفط ولو اقتضى ذلك التدخل العسكري، فإن حزب الله كقوة عسكرية متنامية تستطيع أن تردع تل أبيب عن بعض مخططاتها وتثير قلقها، يشكل حجر عثرة أمام الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. لذلك سيبقى حزب الله وهو الحليف لسوريا وإيران اللتين تشكلان القوة الممانعة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مستهدفاً من واشنطن وعرضة لعمليات الضغط ومحاولات الحصار السياسي والدبلوماسي ما دام يمتلك هذه القدرات العسكرية التي تهدد السيطرة المطلقة للدولة العبرية على جيرانها. ويأمل صناع القرار الأميركيون وحلفاؤهم في المنطقة أن تؤدي التطورات السورية الى إضعاف النظام للحد من قوة حزب الله وزيادة الضغط عليه لتجريده من سلاحه.
لقد وضعت حرب تموز لبنان وحزب الله في مجهر السياسات والاستراتيجيات السياسية والعسكرية الدولية والإقليمية بسبب الانتصار الاستراتيجي الذي تحقق بعد حرب تموز 2006 وما زال يشكل هاجساً في أذهان القادة الإسرائيليين الذين لا يخفون الرغبة في إزالته من الوجدان الإسرائيلي. غير أن الظروف باتت أكثر صعوبة من أي وقت مضى لتجديد الحروب على لبنان لأسباب إسرائيلية داخلية وأميركية وإقليمية كثيرة. والمهم الآن هو مراقبة مسار الإنتفاضات العربية ومدى تداعياتها على الخارطة الإقليمية وبالتالي كيفية إدارة الصراع مع إسرائيل التي تراقب باهتمام وبحذر هذه الانتفاضات المستمرة.
محمود سويد: سيادة عدم اليقين
لقد تفوقت المقاومة على الجـيش الاسرائيلي في تلك الحرب، اداء المقاتلين وايمانهــم بقضيتهم وكفاءتهــم في استعـمال السـلاح الذي بين ايديهم، منع الجيش الاسرائيلي من تحقيق اهدافه باستثناء قتل المدنيين وتدمير العمران.
لكن قرار مجلس الامن 1701 مكن إسرائيل من تعويض الهزيمة العسكرية بمكاسب سياسية. فهناك مبالغات في الحديث عن هزيمة العدو وفقدانه للمبادرة وتحوله لقوة إقليمية عادية وعدم قدرته على شن عداون جديد، إذ أن الجيش الإسرائيلي يخضع منذ 2006 لعملية إصلاح وتدريب ضخمة وهو ما زال القوة العسكرية الأكبر في المنطقة ولا يمكن القول إن المقاومة تستطيع أن تهزمه.
فالفشل الإسرائيلي في حرب تموز أيقـظ الجيش الإسرائيلي على الخلل الذي اصـاب بنيته وتدريبه وسلاحه بعد أن توجه طوال السنوات السابقة إلى ملاحقة الفلسطينيين وانتفاضاتهم.
غير أن الكفة راجحة لحساب إسرائيل في البعدين العسكري والسياسي، إلا أن الفريقين متشابهان في ضعف البعد المعنوي وسيادة عدم اليقين. وخصوصا مع سيادة الانقسام المذهبي في لبنان الذي يفكك الإجماع الوطني حول المقاومة، وهو الأمر الذي يجعلها منخرطة في انقسام شعبي عمودي.
على المستوى الفلسطيني، يحتاج الفلسطينيون الى وضع استراتيجية جديدة للمرحلة القادمة من الصراع توظف كل الإمكانات والطاقات الفلسطينية في الداخل والشتات، وتشمل جميع الجوانب وتقوم على المزج بين النضال الوطني الشعبي السلمي والكفاح المسلح. وينبغي أن ترتكز استراتيجية النضال العربي ضد الصهيونية في المرحلة المقبلة على مفهوم أن العرب شركاء في النضال ضد الصهيونية وإسرائيل وليسوا فقط داعمين للنضال الوطني الفلسطيني. كما أن المطلوب من القوى الإقليمية الصديقة أن تساعد الفلسطينيين على العمل الموحد لتنفيذ برنامج نضالي واحد وعدم تغليب رؤى القوى الصديقة على القرار الفلسطيني الحر.
أما على الصعيد العربي العام، فإن الثورات العربية تبشر بإمكانية استنهاض العمل العربي المشترك، تكون ركيزته مصر وسوريا وذلك على نحو يسهم في استعادة العراق إلى الحضن العربي والاستفادة من طاقاته الضخمة المعطلة حاليا. والهدف هو نشوء قوة اقليمية عربية تفيد من القوتين الايرانية والتركية كقوتين صديقتين وداعمتين للقضية العربية، وفي الوقت نفسه تكبح تمددهما على حساب المجموعة العربية. وتشكل القضية العربية وفي صلبها قضية فلسطين والصراع ضد اسرائيل والصهيونية مركز النضال العربي، والمطلوب من القوى الاقليمية الصديقة دعم القضية العربية كما يصوغها الاجماع العربي.
ان قدرة العرب بما يملـكون من امكـانات وثروات على التـحول الى قـوة عالمـية وازنة سوف ينهي اسرائيل الدولة العنصرية وذات الاطماع التوسعية في كل المجالات، ولذلك لا فائدة في هذه المرحلة من طرح شعار تحرير فلسطين كهدف مباشر لن نجد من يتقبله على الصعيد الدولي.
يوسف الشويري:
ربيعان عسكري وسياسي
إن نصر 2006 شكل قطعاً مع التاريخ العربي المسكون بالهزائم والعجز ولذلك يمكن إعتباره لحظة تأسيسية ومرجعية، فأضحت مرجعاً ومرجعية بهما تقاس الأمور الطارئة والمستجدة. فحرب 2006 هي لحظة تأسيس في ذاكرة ملايين المراهقين والشباب العرب، خاصة أن هؤلاء كانوا في قلب عصر التلفزة الفضائية والإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي.
لقد استقرت حرب تموز عميقاُ في الذاكرة، وستظل كذلك الى أن تتجاوزها مواجهة اشمل وأبعد أفقاً ومدى. وهكذا يمكننا أن نستعيد بعض هذه الدروس ثم نحاول تلمس تداخلها مع احداث أخرى وفي خضم انتقال جيل عربي كامل من طور المراهقة الى طور النضج الرجولة. وأبرز هذه الدروس بحسب شويري:
ـ لقد قدمت هذه الحرب دروساً في الصمود والثبات وهي حقائق كانت تفتقدها النضالات العربية الداخلية قبل 2006. لقد كان هذا الانهيار العسكري والسياسي المتكرر يشكل صورة مضاعفة أو ثنائية الوجه للنضالات العربية الداخلية، والتي كانت هي الأخرى تبلغ حداً معيناً، ثم لا تلبث أن تنطوي على نفسها إما انحناء أمام قمع الأنظمة أو عجزاً عن مدّ آفاقها في اتجاه توخي إنجاز ملموس، رغم بذل الجهود وحشد الطاقات.
ـ ثانياً، القدرة على الانتقال للهجوم وأخذ المبادرة وفق «خطة محكمة لا تعتـبر الهجوم تكتيكاً مؤقتاً بل استراتيجية لا ترضى بأقل من لجم إندفاع الخصم وضربه في العمق ... وتحويله الى آلة عمياء تتخبط في ميدان المعركة».
ـ ثالثاً بروز القيادة الواعية الصادقة الشجاعة وتحف بها جلالة الانضباط والتؤدة والهدوء المدروس.
ـ ورابعاً إن المعركة مع العدو هي معركة طويلة الأمد، وتوقفها أو إجباره على مراجعة حساباته لا يعنيان الدخول في مفاوضات مباشرة معه والاعتراف به أو توقيع معاهدة سلام مع دولته، وإعلان انتهاء حالة الحرب.
لا يمكن القول إن المقاومة توقعت مسبقاً كل النتائج المترتبة على انتصاراتها أو أمسكت بكل أبعادها، غير أنها أطلقت هذا المارد من قمقمه وخلقت معادلة تاريخية جديدة، وهي بالتالي أضحت أمام مسؤولية معنوية وأخلاقية لكي تواكب هذه المعادلات والتعبير عنها كثقافة ومفاهيم وأطر عمل قابلة هي الأخرى لاستيلاد معادلاتها التي لن تكون بعد اليوم أقل من نهضة كبرى طالما حلمت بها وعملت لها أجيال عربية متتالية.
لقد لمسنا لمس اليد معجزتين عربيتين مع انطلاقة القرن الواحد والعشرين: معجزة حرب تموز ومعجزة الثورات العربية المتتالية، وهما نقض لأزمة الهزائم والاحباط، أزمة ظن البعض انها ستخيم علينا قرنا آخر، فكانت الحرب ربيع العرب العسكري والثورات ربيعهم السياسي، ولن تسود بعد الآن غير ثقافة التفاؤل، وستتحول المعجزتان الى وقائع جديدة يحتضنها العالم العربي.
نزار عبد القادر: دولة ما بعد الحداثة
صدر لي كتاب من ستة أشهر عن الاستراتيجية الإسرائيلية فيه خمسة فصول عن حرب 2006 ونتائجها وفيها تحليلات كافية على الصعيد العسكري والعملاني والاستراتيجي .
وهذا الكتاب يتضمن أيضاً الاستراتيجية الإسرائيلية في الحرب المقبلة، الرد المنتظر من حزب الله في مثل هذه الحرب، دور الجيش اللبناني ودور سوريا وإيران وحول أخلاقيات إسرائيل في الحرب واحترامها للقانون الدولي.
أنا التقي مع د.شويري بان أهم إنجــاز قد يكون للانتصار الذي حققه حزب الله هو أنه كشف بهذا الانتصار وبهذه المقاومة كل الأنظمة العربية أمام شعوبها ولذلك فان حرب تموز بما تضمنته من نتائج وتداعيات ساهمت في هذا الدفع الجديد للمجتمعات العربية من أجل التغيير.
في الواقع حاولت أن أفسر ما جرى بعد تلك الحرب وصولاً الى ما يجري الآن في البلدان العربية، ضمن منطق جديد لا نسمعه في الساحة اللبنانية. فما تشهده المنطقة العربية من أحداث وتطورات لم يكن بسبب حدث سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي طارئ كما أنه لم يكن نتيجة خطأ سياسي ارتكبه الحكام العرب، وهو بالتأكيد لا يمت من قريب أو بعيد لنظرية المؤامرة التي يدعيها البعض، بل هو نتيجة طبيعية للتطورات التي حدثت في النـظام الـعالمي بدءاً من عام 1987 وتفكك المجموعة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي والتي بدأت تظهر بوادرها مباشرة بعد حرب تحرير الكويت والتي تعتبر من أهم محطات التطور في التاريخ الحديث. ما يحدث في العالم لا يمثل عملية إعادة ترتيب وتنظيم للنظام القديم بل ولادة نظام جديد وولادة دولة جديدة بمفاهيمها وبعملها ووظائفها تقوم على مفاهيم سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة لكي تفرض على الأنظمة والحكام اعتماد سلوكيات جديدة تختلف كلياً عما كان مقبولا خلال السنوات والعقود الماضية من القرن العشرين.
لقد فقدت المفاهيم القديمة كميزان القوى في المعادلة الدولية واستقلال الدول دورها في إمساك الوقائع المعتمدة في العلاقات الدولية أو في لعبة الأمم. أطلق خبراء السياسة على هذه المرحلة تسمية ما بعد الحداثة حيث ظهرت نزعة لسقوط الدولة المستقلة والسيدة ليس لتحل الفوضى كما حدث في مرحلة ما قبل الحداثة، بل لصالح نظام أوسع، حيث لا يقوم النظام الجديد على توازن القوى أو احترام مبدأ السيادة للدولة أو على الفصل ما بين الشؤون الداخلية والخارجية للدولة والشعوب. وفي هذا العصر الجديد يجري التركيز على الديموقراطية والحريات وحقوق الاكثريات وحل النزاعات وهذا ما لم يفهمه أي من الانظمة العربية.
الياس حنا: معضلات متبادلة
إن أي استراتيجية ترتبط ببيئة محددة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي استراتيجية من دون فهم البيئة التي تحوي هذه الاستراتيجية، وإذا طبقنا ذلك على تحليل نتائج حرب تموز فسنجد أن البيئة الإقليمية تغيرت كثيراً منذ 2006، حيث نشهد اليوم انسحابا تكتيكياً أميركياً من المنطقة، وصعوداً للدور التركي يزداد انخراطا في مسائل المنطقة وتأثيراً عليها، وبداية تشكل الدور المصري ما بعد الثورة، وسعي السعودية لأن تكون قوة جاذبة في محيطها، إضافة إلى الاستعدادات الإسرائيلية، وكذلك التطورات في سوريا.
بطبيعة الحال انعكست هذه الحرب على سوريا، التي استثمرت النصر بالمزيد من التقارب والربط بمحور إيران وحزب الله والتي كانت من ابرز نتائجها القمة الثلاثية التي جمعت السيد حسن نصر الله والرئيسين السوري بشار الأسد والإيراني محمود احمدي نجاد.
كما كانت عاملا أساسيا من بين العوامل التي جنبت إيران ضربة عسكرية مباشرة، الأمر الذي تمثل في عجز كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عن تجميد المشروع النووي الإيراني، ومنع إيران من المضي قدما في مشروعها.
أما لبنان فحقق نصرا عسكريا لكنه اخفق سياسيا، بسبب الانقسامات الداخلية، التي حصلت بعد الحرب، لكن «حزب الله» اثبت نجاعة استراتيجيته العسكرية في مواجهة حرب إسرائيلية بالظروف التي حصلت بها عام 2006.
ويجب التمييز بين المصاعب والمعضلات المترتبة على المقاومة حالياً، وبين مرحلة 2006 التي أصبحت من الماضي، فالتداعيات الاستراتيجية للحرب والدروس المستقاة منها استفاد منها كل من إسرائيل والمقاومة، فضلاً عن سوريا وإيران. وفي حين تواجه إسرائيل صعوبات في هذه المرحلة، فإن المقاومة تواجه أيضا معضلات عدة تبدأ من المستوى الجيوسياسي، وتنتقل الى المستوى الاستراتيجي، وصولا إلى المستوى العملاني التكتيكي.
ومع وجود ثلاث سيناريوهات محتملة في الشأن السوري ، السيناريو الأفضل، والسيناريو الأسوأ، أو سيناريو بقاء الوضع القائم، فإن ذلك يطرح تحديات على المقاومة وإن بدرجات متفاوتة. وعلى المستوى الإقليمي- ورغم ما تعانيه من مشاكل ـ فإن إيران هي القوة الإقليمـية الأكثر قدرة وجهوزية للتأثير في المنطقة، وهي قادرة أكثر من غيرها على التكيف مع الأحداث والاستفادة منها.
لقد أثبتت حرب تموز أن المقاومة قادرة على مفاجأة إسرائيل، لكن على المستوى التكتيكي وليس على المستوى الاستراتيجي، لكن ذلك لا يمنع من القول إن نتائج الحــرب فرضـت نفسها على الولايات المتحدة الأميركية التي اضطرت إلى تغيير أولوياتها في المنــطقة. كما إنه من الخطأ تشبيه حرب غـزة بما جرى في حرب تموز 2006، فالمعركة مختلفة من جوانب عدة.
جان عزيز: ثلاث إشكاليات
قد يقال عن صواب ودقة ان حرب تموز غيرت موازين القوى، وبالتالي النظام الدولتي والدولي المنبثق منها، في لبنان وفي المحيط وفي العالم المرتبط به.
في لبنان ثبت أن إسرائيل هي في اعتقاد البعض كما ادعي وازعم انني اجزم هي عنصر في الحسابات الداخلية، ولا أزيد.
وفي المنطقة سيقال عن حق أن حركات الشعوب ولدتها حرب تموز. وسيقال عن حق أيضا أن الخطط لإسقاط دول الممانعة في الداخل وفي سياق الحركات التحررية نفسها، فشلت جراء تلك الحرب بالذات. كل ذلك لان نظاما عالميا انكشفت عطوبته، نظام قام منذ عقدين على ثلاث ظواهر: منظومته المالية، ديمقراطيته المعدة للتصدير، وتفوق آلته العسكرية.
وللمصادفة الزمنية أو التزامنية ربما، ترافق سقوط الظواهر الثلاث مع حرب تموز بدءاً باندثار التفوق العسكري في وادي الحجير. ثم تأكد وهم الديمقراطية الرسولية كنموذج صالح لكل مكان وزمان..انتهاء بالانهيار المالي في العامين الماضيين.
من هذا المنطلق قد لا يكون من باب المبالغة او التوجس القول ان كل هذا النظام قد يكون مستعدا لحشد الجهد والطاقات لضرب مفهوم المقاومة، لكن العبرة الاهم المطلوب استخلاصها في هذا السياق، هي ان المقاومات لا تضرب من الخارج بل من الداخل، وهو ما يدركه كل الآخر المواجه لمقاومة تموز.
وليست مصادفة ان تكشف ويكيليكس مباشرة ما بعد الحرب، ان البحث تم بين «المعنيين»، لا في صواريخ المقاومة ولا في تمويلها، بل في كيفية تحولها الى مشكلة داخلية. وهنا التحدي المطلوب من المقاومة، وهو مقاربة اشكاليات ثلاث مصيرية:
أولاً: كيف تؤمن المواءمة بين منطق المقاومة ومنطق الدولة في بيئتها الجغرافية والديموغرافية، كي لا تتحول عن علة تعريف المقاومة (هدف واضح وبيئة حاضنة).
ثانياً: كيف تؤمن التعايش بين بعدها الديني الذي بدا ضرورياً لا بل مؤسساً لحوافزها، وبين بعدها المقاوم الوطني، غــير القادر في اطار الكيان اللبناني على اي احادية كانت، فكيف بالاحادية الدينية ولو في اطار السلوكيات السوسيولوجية.
ثالثاً: كيف تؤمن التوافق بين كونها مقاومة وبين طرح رؤيتها لمستقبل النظام اللبناني، وكيفية تطويره ضمن ثابتتين: ان يظل لبنان وان تظل المقاومة.
هذه التحديات هي جوهر ازماتنا الراهنة، او هي حتى الانعكاس ربما لمؤامرات ما بعد حرب تموز.
يتحدث البعض عن ان المقاومة هي عنصر مكون لمفهوم الكيان منذ وجوده، فكيف لا يقضي لبنان على جوهره، وكيف لا تبتلع المقاومة كيانها؟ هذا هو السؤال اليوم.