فريقا النزاع أي «تكتل التغيير والإصلاح» و«المستقبل» خرجا مباشرة بعد إقرار القانون لتبني «الانتصار الكهربائي». العونيون أعلنوا نجاحهم في تمرير قانون البرنامج من دون أي مس بصلاحيات الوزير... والمعارضون أعلنوا نجاحهم في فرض التعديلات التي أرادوها، والتي تسمح بقصقصة أجنحة الوزير، الذي «لا نثق به».
حتى الساعة العاشرة صباحاً كان الجميع يتحضر لمعركة الهيئة العامة التي قد تصل إلى التصويت بعدما فشلت جلسة مجلس الوزراء، مساء أمس، وما تلاها من اتصالات ليلاً في إقناع «تكتل التغيير» بإدخال مقررات مجلس الوزراء المتعلقة بتشكيل لجنة وزارية للنظر في تعديل القانون 462 والالتزام بتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وسعي رئيس الحكومة إلى تأمين التمويل من الصناديق وتعيين مجلس إدارة مؤسسة كهرباء، في صلب القانون، معتبرين أن في ذلك ضربا لمبدأ الفصل بين السلطات.
الفرصة الأخيرة للحيلولة دون الدخول في لعبة الأرقام وفرز الأصوات، كانت في الخلوة الذي جمعت بري بالعماد ميشال عون قبيل الجلسة. وبالفعل فقد نجح رئيس المجلس في أخذ موافقة عون على السير بالتعديلات، بعد أن شهدت الجلسة توضيحاً للأمور وتأكيداً أن هذه التعديلات لا تأثير لها على الاعتمادات المرصودة ولن تساهم في تعطيل الخطة مستقبلاً.
وبرغم التطمينات وموافقة عون على السير بالمشروع، وفقاً لاقتراح بري الذي «يتسع لمقاربات الأكثرية والمعارضة»، إلا أن عون أكد عند طرح الموضوع للتصويت أنه يوافق عليه «حفاظا على التضامن الحكومي»، متحفظاً على «وضع بنود قرار مجلس الوزراء في القانون، احتراما لمبدأ فصل السلطات». كما تمنى أن لا يكون هنالك «عرقلة في التنفيذ».
وقد سجل تحفظ عون في المحضر، بعدما أقر المشروع في دقائق، حيث كان لافتاً للانتباه اكتمال الحضور النيابي، بدخول وليد جنبلاط وسليمان فرنجية اللذين شاءا عدم التغيب عن «الانجاز الكهربائي»، واللذين سرعان ما غادرا بعد إقرار المشروع مباشرة!
على رغم انتهاء قطوع الكهرباء، فإن أسئلة كثيرة طرحت بين النواب عن القانون «الفريد من نوعه»، من حيث الشكل على الأقل. فاعتبر نائب أكثري أنها «المرة الأولى في تاريخ المجلس الذي يقر فيه قانون غير جازم بتعابيره المستعملة»، مشيراً إلى تضمن المشروع، على سبيل المثال، عبارة «يسعى رئيس مجلس الوزراء لدى الصناديق والهيئات الاقليمية والدولية أو سواها لتأمين التمويل اللازم». ثم يسأل: كيف يمكن للمجلس أن يحاسب الحكومة على «السعي»، وما قيمة هذه الكلمة في التشريع، فهي لا تلزم الحكومة بشيء، ليخلص مستغرباً تحول القانون إلى إعلان نوايا.
ويسأل النائب نفسه: ما علاقة مجلس النواب في تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان، وما علاقته بتعيين لجنة وزارية ليضيف: المعارضة استطاعت أن تفرض تعديلاتها من حيث الشكل، والأكثرية استطاعت أن تفرض عدم المس بالاعتمادات التي يتضمنها قانون البرنامج كما في صلاحيات الوزير. ليؤكد أن ذلك لا يفعله إلا نبيه بري: يعطي الفرصة للجميع ليخرج منتصراً.
في المقابل، فإن أحد نواب المعارضة، الذي هرول إلى الخارج مستفسراً عن تصريح عون، قال ساخراً: «صحتين على قلبهم، عملنا متل ما بدنا».
وإذا كان إقرار خطة الكهرباء لم يتجاوز الدقائق المعدودة، فإن اقتراح القانون المقدم من النائب نقولا فتوش لتعديل المادة 93 من قانون مجلس الشورى، تسبب بمشادات كلامية حادة في موضوع الكسارات، تخللتها اتهامات متبادلة بين فتوش والنائب ايلي ماروني، وبينه وبين النائبين احمد فتفت وفريد حبيب. وحسمت الخلاف مطرقة الرئاسة إثر نقاش مستفيض، فرد المشروع الى الحكومة بعد إصرار المعارضة على التصويت.
قبلها، توالى النقاش من حيث انتهت جلسة 18 آب الماضي حين اعترض عدد من النواب على «تقديم فتوش لمشروع فيه فائدة شخصية». ولم يستطع فتوش برغم كل المطالعات القانونية التي دافع فيها عن مشروعه في إقناع زملائه أن لا مصلحة شخصية له من ورائه وانه «يهدف من وراء اقتراحه إلى إلزام الدولة بالدفع لعائلته ما يقارب 350 مليون دولار».
قصة هذا المبلغ تعود إلى قضية تقدم بها شقيقا فتوش ضد الدولة على خلفية إغلاق كسارتين، فأقر له مجلس شورى الدولة في 5 تشرين الأول 2005 تعويضاً بقيمة 245 مليون دولار، لم تدفعها الدولة حتى الآن (يضاف إليها 9% فوائد سنوية)، بحجة عدم وجود آليات لتنفيذ الأحكام، وهو ما يحاول فتوش تعديله من خلال اقتراحه الذي يقضي بإيجاد هذه الآليات.
وقد كان الرئيس فؤاد السنيورة قائد الحملة على الاقتراح، حيث أبدى بعد الجلسة اعتزازه «بالموقف الذي اتخذته في هذا الشأن عندما كنت في مجلس الوزراء»، بعد أن أكد خلال النقاش أنه «وقفت ضد طرح فتوش حتى عندما كان بصفنا».
أحد الوزراء المشاركين في الجلسة التي يتحدث عنها السنيورة، يرد عليه قائلاً: «الصحيح أن السنيورة نفسه سبق وحاول مراراً إجراء تسوية مع فتوش في مجلس الوزراء، إلا أنها لم تنجح حينها نتيجة اعتراض النائب الياس سكاف»، رافضاً قول السنيورة بأنه سبق ورفض الدفع لفتوش عندما كان حليفاً له. كما يوضح أن فتوش لن يكون متضرراً مع سقوط الاقتراح، لأن له حق على الدولة لن يضيع حتى بعد أجيال، وعندها قد يصل إلى مليار دولار إذا لم تعالج المسألة سريعاًَ.
وكانت مداخلات نواب الأكثرية قد بدأت مع كلمة النائب جورج عدوان الذي تمنى سحب الاقتراح. وقال النائب سيرج طورسركيسيان ان هذا الاقتراح يخلق شرخا كبيرا بين المحاكم العدلية وبين المحاكم الادارية.
واعتبر السنيورة أن «أي قرار نتخذه يرتب اعباء مالية على الخزينة يحتاج الى الحكمة»، واقترح «ان تسحب الحكومة هذا الاقتراح وتعيد دراسته».
وقال النائب بطرس حرب «ان الشخص المعني بهذا الاقتراح اصبح عضوا في الحكومة ويفترض على صاحب الاقتراح تنفيذ القانون وهذا الامر لا يحل في مجلس النواب فإذا رأت الحكومة ان له حقا بذلك فلتتفضل وتعطه هذا الحق».
وقال سامي الجميل: «انا عندي اقتراح عملي لحل هذه المشكلة فأرجو ان يؤخذ بجدية ومع محبتي لمعالي الوزير فتوش ولكن كل هذه المشكلة ترتكز على ان هناك كسارات لمعالي الوزير اقفلت...».
وهنا قاطعه فتوش قائلا: «انا ليس عندي كسارات ومن يثبت هذا يحق له الكلام».
ثم تابع الجميل، فاقترح استخدام هذا المبلغ الذي سيحصل من هذا الاقتراح والمقدر بـ 250 مليون دولار «في تشجير لبنان».
وقال بري لفتوش: «ما رأيك بهذا الاقتراح؟». فرد فتوش: «هناك احكام قضائية مبرمة ولا تستطيع اي قوة كسرها».
في المقابل، اعتبر نواب الأكثرية أن نقطة ضعف القانون أو «لوثته»، كما قال النواب غسان مخيبر، نوار الساحلي وعلي عمار هي في شخص مقدمه، الذي له فائدة مباشرة منه. .
وكان لافتاً للانتباه إحاطة النائب نواف الموسوي للموضوع بوصفه نموذجاً لكيفية تعاطي الدولة مع الهيئات الرقابية، سائلاً «هل نناقش واقعة محددة ام مسائل تتعلق بانتظام الدولة؟».
أضاف: «هناك 12 الف متر مربع ردميات في البحر وقامت «سوليدير» بردم البحر فيها. فلو استفدنا منها لكان لدينا البيئة المطلوبة ولفرزنا ملايين الاشجار. وما نحن بصدده الآن، اذا فتحنا هذا الملف فلن ننتهي. فإما احترام قرارات مجلس الشورى واما ان نلغيه. من هذه الزاوية، ما نحن بصدده الان هو تنظيم عمل الدولة، فإما ان تحترم هذه الدولة قراراتها واما لا. فإذا كان هناك خطأ في هذا الاقتراح فهو نوقش في اللجان واشبع نقاشا فلماذا هذه المحاكمة الآن وبمعزل عن الاعتبارات الشخصية؟».
وقال النائب نعمة الله ابي نصر: «فلنعترف بواقع هو ان الدولة لا تحترم القرارات المبرمة لمجلس شورى الدولة. وانا لي حكم مبرم صدر منذ 8 سنوات في موضوع نزع الجنسية ولم ينفذ حتى الآن».
وقال النائب روبير غانم «ان هذا القانون يطبق فور نشره بالجريدة الرسمية وأخذنا برأي هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل على أن تبقى خاضعة للقوانين المرعية الإجراء ووفقا للأصول ويجب أن لا يتم الخلط بين المفعول الرجعي وهذا القانون لا يشمل أي مفعول رجعي في تطبيقه».
وقال النائب نوار الساحلي: «كنا درسنا الاقتراح في لجنة فرعية وبحضور مندوب عن وزارة المالية ومجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة واستمرت في اكثر من 18 جلسة وأتى بآلية تنفيذ احكام مجلس شورى الدولة المالية والادارية، ونأسف ان يسيس كل نقاش والاخذ به الى مكان اخر».
وقال النائب علي عمار: «استطيع ان اقول متجردا انه سلمت أنامل الاستاذ فتوش بهذا الاقتراح وسكبته القانونية التي تعتبر وثيقة قانونية، وما اقوله ان هناك حكما قضائيا مبرما وغير قابل لاي طريقة من طرق المراجعة مثله مثل احكام الاعدام والسجن والتعويض، فإما هذا المجلس يقوم بدوره في ظل تمنع السلطات المختصة من تنفيذه واقترح التزام السلطات بتنفيذ الاحكام المبرمة، وحتى ولو كانت القضية لأخي، فهل اذا دافعت عن حق شرط ان يكون حقا، تكون قضية شخصية».
وقال النائب ايلي ماروني: «صحيح ان هناك 5500 دعوى واحكام مبرمة صادرة عن مجلس شورى الدولة لكنها صدرت، وباعتراف سابق من الزميل فتوش، في ظل تشكيك بالقضاء وباحكامه وفي ظل حكم الوصاية». واقترح «التصويت على الاقتراح اذا لم يكن له مفعول رجعي.
واقترح السنيورة «رد هذا الاقتراح او التصويت عليه بندا بندا». وهنا لفت بري النظر الى الاقتراح الابعد مدى «برد الاقتراح الى الحكومة»، واقترح مخيبر ان «تكون قرارات مجلس شورى الدولة قابلة للاستئناف امام الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة». وطرح اقتراح ثالث «بطرح الاقتراح على التصويت» واقتراح رابع من عمار بسحب هذا الاقتراح، فوافق فتوش على اقتراح بأن يحال الاقتراح مع درس موضوع طرق المراجعة والاستئناف في لجنة الادارة والعدل، فوافق وزير العدل شكيب قرطباوي وعارضه نواب 14 اذار واصروا على التصويت على رد المشروع وصدق ذلك بالأكثرية.
بداية الجلسة كانت مع اقتراح القانون المتعلق بإعطاء التسامح الاقصى للحقوق من أجل سلامة الملاحة الجوية، فطلب رئيس الحكومة رده الى اللجان المعنية.
ثم طرح اقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق بإعطاء السائقين العموميين بدل صفائح بنزين، فصدق.
وطرح اقتراح يتعلق بالسجون وانشاء سجون جديدة للتخفيف من الاكتظاظ، فتمنى رئيس لجنة الادارة والعدل النائب روبير غانم «طرح الاقتراح بمادة وحيدة وهو يتعلق بتعديل قانون العقوبات» ولفت النائب غسان مخيبر ان «هدف هذا الاقتراح هو لتخفيف العقوبات على ذوي السيرة الحسنة»، وهنا اعاد النائب حكمت ديب طرح اقتراح خفض السنة السجنية وايده بذلك رئيس لجنة حقوق الانسان النائب ميشال موسى.
وقال النائب انطوان زهرا: «يجب ان نسير بهذا الاقتراح»، وايده بذلك النائب عاصم عراجي الذي لفت الى «الدواعي الصحية للسجين»، ثم طرح الاقتراح على التصويت فصدق.
وطرح اقتراح قانون يرمي الى اعطاء مراسيم ترقية ضباط من الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام والضابطة الجمركية والمقدم من النائب غازي زعيتر الذي دافع عنه قائلا: «ان هذا الاجراء يتم سنويا وقبل نهاية كل عام ووفقا للاصول القانونية على ان تصدر المراسيم وهذه الترقيات تتم بمرسوم مع مفعول رجعي ثم طرح الاقتراح بمادة وحيدة فصدق.
ثم طرح اقتراح القانون الرامي الى تعديل بعض احكام قانون انشاء صندوق تقاعدي لدى كل من نقابتي الاطباء في بيروت وطرابلس.
وقبل ان يطرح الاقتراح على التصديق تبين فقدان النصاب القانوني للجلسة عندها تلي محضر الجلسة وصدق ورفعت الجلسة وكانت الساعة الثانية الا ربعا».
عون والسنيورة للصحافيين: انتصرنا!
بعد الجلسة، قال ميشال عون إثر خروجه من المجلس النيابي إن الانتصار السياسي هو للذي أعد خطة الكهرباء، والانجاز يعود للوزير جبران باسيل وفريقه ومجلس النواب، ولمن اقر قانون البرنامج، مضيفا: إنه انتصار لكل اللبنانيين، ولكل من يريد الكهرباء». وتمنى عون على كل الذين عارضوا البرنامج ان «يصفوا النية» ويتوقفوا عن وضع العراقيل امام التنفيذ متابعاً: «اصبح المشروع نافذا، وعقبال المياه».
واعتبر فؤاد السنيورة ان كل النقاش الذي ساد في المرحلة الماضية كان بهدف تحصين المشروع معتبرا انه انتصار للبنانيين لان ما اردناه هو ان يكون واضحا وشفافا ويمكن الخزينة من ان تحصل على القروض الميسرة من الصناديق العربية، معتبرا ان «ما تم ايضاحه من الرئيس نجيب ميقاتي حول موضوع التلزيم ودفاتر الشروط وعودة الامر الى مجلس الوزراء، هي امور اساسية، وفي ذلك انجاز كبير لكل اللبنانيين».
وتوجه محمد قباني للبنانيين بالقول: «مبروك لكم على ان لا تنتظروا العجائب».
وزف النائب نواف الموسوي للبنانيين ان المجلس النيابي سار باقتراح القانون «الذي سبق وتقدمنا به في دعم السائقين العموميين. صحيح ان هذا الدعم يتوجه الى السائقين العموميين وفق آلية تعتمدها الحكومة، لكن الدعم في حقيقة الأمر يتجاوز الـ55 الف سائق الى مليوني لبناني يستخدمون النقل العام. لذلك أردت ان أطمئن السائقين اللبنانيين الذين ينتظرون خطوات المجلس النيابي بهذا الصدد، ان المجلس قد قام بمسؤوليته وبالتالي فإنهم لا ينتظرون ارتفاعا في اسعار النقل».