أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مجلس الأساقفة ينضمّ إلى خيارات البطريرك

الخميس 29 أيلول , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,231 زائر

مجلس الأساقفة ينضمّ إلى خيارات البطريرك

لم يكن النداء السنوي لمجلس الأساقفة الموارنة، أمس، مفاجئاً لأحد في بكركي. ولا توقع أي من الأساقفة موقفاً يبتعد عن كل ما قاله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الأسابيع الثلاثة المنصرمة. قبل باريس وبعدها، مروراً بدار الفتوى وجولاته على موارنة الأطراف وموقف اللامبالاة من إحجام واشنطن عن تنظيم لقاء بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما في نطاق جولته الرعائية على الولايات المتحدة، بل أتى النداء ليؤكد السقف السياسي الجديد الذي وضعه البطريرك مساراً لحبريته، وللكنيسة المارونية في المرحلة المقبلة مع الداخل والخارج. والبطريرك بذلك، قبل نداء مجلس الأساقفة وبعده، أعاد المتحفّظين إلى تحت هذا السقف.
وباستثناء المطرانين حنّا علوان وكميل زيدان اللذين انتخبا حديثاً، رافق المجلس الحالي خيارات البطريرك مار نصر الله بطرس صفير ودعمها على وفرة الجدل المتفاوت والمتناقض الذي أحاط بها في الداخل والخارج في محطات شتى. وهو يرافق اليوم خيارات خلفه استكمالاً لدور بكركي حيال استحقاقات أخرى مختلفة، كانت في صلب تشجيع الفاتيكان على انتخاب رأس جديد للكنيسة المارونية.
وقبل إعلان الفاتيكان المطارنة السبعة الجدد الشهر المقبل، ينظر مجلس الأساقفة الحالي، منتقلاً من حبرية صفير إلى حبرية الراعي، إلى حزب الله وسوريا على نحو مختلف تماماً. تغيّر البطريرك لأن المرحلة تغيّرت، ولأن الخيارات الجديدة تلحق بهما معاً.
منذ مواقفه الأولى بعيد انتخابه، في الملفين السياسيين الأكثر حساسية وإقلاقاً للكنيسة والمسيحيين، واللذين أضفى عليهما صفير منذ أول نداء لمجلس الأساقفة عام 2000 مقاربة استثنائية طبعتها المواجهة والخصومة المباشرة، وهما سوريا وسلاح حزب الله، أبرَزَ الراعي انتخابه ـــــ وبعض الأساقفة بات يقول في المدة الأخيرة إن انتخابه أيضاً لم يكن مفاجئاً ـــــ مؤشراً صارخاً إلى صورة مختلفة لبكركي مرتبطة بمواصفات البطريرك والمرحلة في آن معاً.
انضم مجلس الأساقفة الموارنة إلى مواقف الراعي وأيّدها، في أول نداء يوجّهه في ظلّ البطريرك الحالي بعد ستة أشهر على انتخابه. واكتسب النداء الجديد أهميته في تبنّيه إياها على الصعيدين الديني والسياسي، إلا أنه انطوى كذلك على ملاحظات منها:
1 ــ تأييده المقاربة التي أجراها البطريرك حيال الفاتيكان والكنائس الشرقية الأخرى والطوائف اللبنانية، وكذلك حيال الطبقة السياسية المارونية الحالية، عندما جعل بكركي شريكاً لها في هواجسها، ومعنية بالبحث معها عن الحلول. في هذا النطاق، بيّن النداء سعي البطريرك إلى إعادة تنظيم الكنيسة وإصلاحها، وإلى تطمين الشركاء غير المسيحيين، وتخفيف غلواء الزعماء الموارنة في نزاعاتهم لحملهم على المصالحة.
2 ــ تجنّب النداء الدفاع عن المواقف السياسية الأخيرة للبطريرك، وأخصّها التي أدلى بها في باريس ورافقها جدل ساخن متناقض داخل الطائفة وخارجها بين مؤيد ومتحفّظ. لم يتوسّل تبرير المواقف تلك ولا إيضاحها، ولا التراجع عنها خصوصاً، بل أدخلها مجلس الأساقفة في صلب مناقشته المسائل نفسها، ولا سيما ما يتصل منها بالقلق على مصير المسيحيين اللبنانيين ومسيحيي الشرق في المنطقة، والدور التاريخي لبكركي حيالهما.
وأكثر من أي وقت مضى في موقف يصدر عن الكنيسة المارونية، تناول النداء علاقتها بما سمّاه المنطقة المشرقية التي يرتبط مصير لبنان ـــــ وليس مسيحيوه فحسب ـــــ بمصيرها.
3 ــ وضع المجلس حداً لتأويلات رافقت المواقف الأخيرة للبطريرك، بالقول تارة إنه انفرد بها من دون مراجعة مسبقة مع الفاتيكان في مسألة حسّاسة هي مصير المسيحيين في المنطقة، وطوراً أنه استبق مجلس الأساقفة في تحديد خيارات غير مألوفة اتخذتها بكركي لأول مرة بالتفاتها إلى الخارج، فأضافت إلى مهمتها الاستحقاقات الإقليمية وتحدّياتها. أتى نداء المجلس كي يؤكد التزام مؤسسة الكنيسة هذه الخيارات على أنها تمثل قلقها وهواجسها، وليس قلق البطريرك وهواجسه فحسب. وثبّت في الداخل ما جهر به البطريرك في الخارج.
4 ــ تستعيد الضجة التي رافقت المواقف الأخيرة للبطريرك تلك التي رافقت صفير عشية انتخابات 2009 عندما أدلى، قبل 24 ساعة من إجرائها، بموقف فاجأ مجلس الأساقفة واللبنانيين، وعُدّ انحيازاً إلى قوى 14 آذار عندما اعتبر فوز الفريق الآخر في تلك الانتخابات تهديداً للكيان، على نحو نظرة هذا الفريق اليوم إلى مواقف الراعي من سلاح حزب الله على أنها تجنح إلى قوى 8 آذار.
في 6 حزيران 2009، حذر البطريرك السلف من الاقتراع لقوى 8 آذار. وحينما سأله الأساقفة عن دوافع موقفه بعدما فاجأهم، ردّ: هذا رأيي وأنا حرّ في ما قلت. هذا ما أراه ولا أستطيع إلا أن أعبّر عن ضميري. ربما ترون شيئاً مختلفاً. كلٌ منكم حرّ في موقفه. سأقول اقتناعاتي كما ينبغي أن أفعل. وأنا أتخذ هذه المواقف لأن لبنان في خطر في ظلّ الوضع القائم.
لم يستمزج صفير المجلس رأيه في هذا الموقف، ولا تناقض معه بعد جهره به. تمنح قوانين الكنيسة المارونية بطريركها امتيازاً استثنائياً يجعله، لأنه قائدها وراعيها، يقدّر الأحداث وأخطارها ويكشف عن رأي الكنيسة المارونية منها. تمثّل هواجس البطريرك في كل مكان وزمان قاسماً مشتركاً بينه وبين مجلس الأساقفة نظراً إلى استنادها إلى دروس التاريخ وتجاربه واختبارات الموارنة مع شركائهم في الداخل ومع الجوار.

Script executed in 0.18506288528442