عاد الملف إلى الواجهة، بعد فترة سماح قاربت الثلاثة أشهر، أعطيت لوزير المالية الجديد محمد الصفدي ليتمكن من الإمساك بزمام الأمور داخل وزارته. قدم رئيس اللجنة ابراهيم كنعان جردة لكل الحقبة السابقة وما تكشف خلالها بدءًا من 5 تشرين الأول الماضي، تاريخ البيان الشهير لديوان المحاسبة حول غياب الحسابات السليمة منذ عام 1993 والتي شكلت على أساسها اللجنة الفرعية. وأكد أن كل ما طلب من وزارة المالية في الحكومة السابقة مطلوب منها في هذه الحكومة، جازماً أن مسألة الحسابات لا تتعلق بشخصية الوزير أو هوية الوزارة.
أما وزارة المالية فبدت مستعدة للتعاون مع مجلس النواب لإغلاق ملف الحسابات العالق منذ عقدين. وقدم الصفدي، خلال الاجتماع، جردة سريعة لكل ما أنجز منذ استلامه الوزارة، مؤيداً كل ما قيل عن الفروقات والمخالفات الموجودة. وأعلن بالفم الملآن أن «لا شيء صحيحاً في المالية والوضع يرثى له»، مؤكدا في الوقت نفسه أنه أطلق ورشة على كل المستويات.
عملياً، استعانت الوزارة بشركة «أوراكل» للكشف على نظام المحاسبة الآلي، التي أكدت في تقريرها الأولي أن النظام غير آمن وغير محمي، أي أن إمكانية التعديل والحذف في الأرقام ممكنة وهي في متناول نحو 100 شخص تبين أنه يمكنهم الولوج إلى الحسابات، بما يخالف كل الأنظمة الحسابية في العالم.
وأمل الصفدي ألا تؤثر مسألة إعداد حسابات السنوات الماضية على إقرار موازنة 2012 التي أحالتها الوزارة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء (يتوقع أن يبدأ المجلس مناقشتها قريباً). دعا إلى اعتماد الصيغ السابقة لإقرارها، أي الموافقة على الموازنة مع التحفظ على الحسابات.
اقتراح وُوجه بالرفض من قبل جميع أعضاء اللجنة الحاضرين (كنعان، علي فياض، ياسين جابر وفادي الهبر)، الذين أكدوا أن الموافقة على الحسابات النهائية هي موجب دستوري لا يمكن التغاضي عنه إلا بتعديل دستوري. وأكدوا ان ذلك يعود إلى الهيئة العامة، مذكرين في الوقت نفسه أن ما رفض عندما طرحته الوزيرة ريا الحسن (إقرار موازنة 2010) لا يمكن أن الموافقة عليه مع الصفدي.
بعيداً عن السياسة، تسلم مدير المالية العامة آلان بيفاني زمام الأمور ليكمل ما بدأه في 9 حزيران الماضي يوم قدم شهادة وصفت بالتاريخية حينها، بعد أشهر طويلة من الحظر الذي فرضته الحسن عليه. وعلى الرغم من أن مداخلته حينها فضحت الكثير من تجاوزات وزارة المالية التي كانت تدار من فريق خاص بقيادة مستشارين، إلا انه فاجأ الحاضرين في اللجنة أمس بإعلانه بوضوح ان حجم الخلل الذي تكشف في الحسابات والوزارة يفوق كل تصور وأن تقديراته الشخصية لهذا الخلل لا تشكل إلا 10 في المئة مما تكشف في الواقع.
بعد ذلك، قدم بيفاني شرحاً تفصيلياً للورشة الاصلاحية التي بدأتها الوزارة، حيث أنجز إحصاء حساب السلفات (نحو 7 آلاف مليار ليرة)، وتم التدقيق بالحوالات (تبين أن لا حوالات مفقودة ولكن يوجد تزوير فاضح فيها). كذلك كشف وجود أخطاء كبيرة في الهبات.
وعلم، في هذا السياق، أن الرئيس نجيب مقاتي أصدر قراراً بإعادة الأمور إلى نصابها وتسجيل الهبات بحسب الاصول، داعياً إلى عدم تسجيلها في حسابات خاصة كما كان يحدث في السابق. كما كشفت وزارة المالية أنها تعمل على تحضير مسودة نظام جديد للمحاسبة العمومية.
في المحصلة، تبين لأعضاء اللجنة ان الوزارة بدأت عملياً برحلة الألف ميل لإعداد الحسابات المالية الجديدة، وقد اطلع النواب على مذكرة إدارية لتشكيل 9 فرق لهذه الغاية، علماً أن المذكرة مؤرخة في 14 أيلول الماضي، أي أن الفرق بدأت عملها منذ أيام قليلة فقط. وفي خطة الوزارة التي قدمت شفهياً اعتمدت منهجية التدقيق في كل حساب ثم توزيع هذه الحسابات على السنوات قيد التدقيق.
وبناء لطلب كنعان، ستقدم الوزارة هذه الخطة خطياً ليصار إلى مناقشتها في جلسة الاسبوع المقبل.
كما أعلنت الوزارة بشكل واضح كف يد الفريق الخاص الذي كان يديرها بقوة الأمر الواقع، حيث أعيدت صلاحية إعداد الحسابات وتدقيقها لمديريتي الخزينة والمحاسبة العامة. وقد برزت هذه الخطوة بوصفها ثمرة التعاون المشترك بين ديوان المحاسبة ووزارة المال اللذين تفاهما على آلية التدقيق، تنفيذاً للمادة 23 من موازنة عام 2005، التي لم تنفذها أي من الحكومات السابقة.
وقد أعلن كنعان، بعد الجلسة، أن «عمليات التدقيق ستستمر حتى الوصول الى نتيجة، فاذا كانت النتيجة ايجابية فهذا جيد جدا ونكون قد انتهينا، وقدمت كل الاثباتات حول كيفية صرف الاموال ولماذا فروقات الحسابات، واذا كانت النتيجة سلبية يمكن اللجوء الى القضاء وهو يتحرك تلقائيا وهذا امر طبيعي ان تتحرك النيابات العامة المالية لتقوم بواجباتها».
وتابع: نريد خطة عمل من وزارة المال تتضمن تصوراً وهناك رأي في اللجنة ان يتم الاستعانة ايضاً بالوحدة الاستشارية الموجودة في مجلس النواب (مؤسسة «ويستمنستر فاونديشن») لمواكبة العمل داخل وزارة المال بالتعاون مع ديوان المحاسبة.
وأردف: «هناك جلسة سريعة الأسبوع المقبل لنرى المهلة الجديدة لتقديم الحسابات، واليوم ابلغنا وزير المالية انه بدل سنتين يمكن تأمينها بسبعة او ثمانية أشهر وتبقى عندنا مشكلة بأن المهلة الزمنية هي اكبر أو أطول مما يفترض ان يكون لإنجاز الموازنة العامة، وإذا كان شرط انجاز الحسابات قبل الموازنة فهنا نعمل لنرى ما هي إمكانات وزارة المال ان تنجز هذه الحسابات إذا أمكن في اقل من سبعة أشهر».