قريباً، سيعود ملف النفط إلى الواجهة. فخلال الأسبوعين المقبلين سيُعاد طرح الملف أمام مجلس الوزراء. وبعد استطلاع آراء معظم التيارات السياسية المكوّنة للسلطة التنفيذية، يمكن الاستنتاج أن الحكومة ستنفّذ وعدها بإعداد الجانب القانوني لهذا الملف الشديد الأهمية، قبل نهاية العام الجاري، ما يسمح بإطلاق عملية استدراج عروض عالمية في بداية عام 2012، للبدء بعملية التنقيب. فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي معنيّ شخصياً بتسجيل هذا الإنجاز في رصيده. ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حمل لواء النفط طوال السنوات الماضية، سيدعو خلال أيام إلى عقد جلسة تضم رؤساء اللجان النيابية والوزراء المعنيين بقطاع النفط، من أجل إعادة تحريك الملف. وحزب الله يسعى إلى تسهيل تسجيل أي «إنجاز وطني» في سجل الحكومة. أما وزير الطاقة جبران باسيل، فيمكن أن يحصل على لقب «أكثر المستعجلين» على تحقيق خطوات ملموسة في هذه القضية. وبناءً على ذلك، سيرسل خلال الأيام القليلة المقبلة كتاباً إلى مجلس الوزراء يوضح فيه ما أُنجز مسبقاً، ويضع فيه تصوّره لما يجب تنفيذه مستقبلاً، مع الجدول الزمني اللازم لذلك. كذلك سيكون الكتاب مرفقاً بمشاريع المراسيم التطبيقية لقانون النفط، التي يبلغ عددها 14 مرسوماً. وبحسب باسيل، فإن الوزارة أنجزت معظم مشاريع المراسيم، وهي تتضمن تنظيماً للقضايا الأساسية في ملف النفط، كتقسيم المياه الإقليمية إلى مربعات، ووضع الصيغ القانونية للعقود التي ستوقّع مع الشركات التي ستنال مستقبلاً حق التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية. وفيها أيضاً تحديد لحصة الدولة من مردود الثروة المستخرجة، إضافة إلى قضايا اقتصادية ومالية، منها ما يحتاج إلى تعديل لمراسيم ومنها ما هو بحاجة إلى تعديل قوانين (كالتعديلات الضريبية المطلوبة).
وهذه المشاريع جرى إقرارها من فريق لبناني في وزارة الطاقة، بمساعدة من استشاري فرنسي عالمي وشركة نروجية. وبحسب مصادر في الوزارة، فإن عمل الفريق اللبناني استند إلى التجربة النروجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز.
وجديد ما سيطرحه باسيل في الكتاب المنوي إرساله إلى مجلس الوزراء يتمثّل في التنقيب عن النفط في اليابسة. فهذا الجانب من الثروة النفطية لا يزال من دون أي دراسات تُذكَر. ولا يمكن، بحسب مصادر في وزارة الطاقة، الاعتماد على الدراسات التي أجريت منتصف القرن الماضي. لكن، بما أن الثروة النفطية في البحر واعدة أكثر من مثيلتها في البر، على حدّ قول المصادر ذاتها، فسيكون لبنان بحاجة إلى التعاقد مع شركة أجنبية مختصة لإجراء البحوث الهادفة إلى تحديد ما إذا كان في باطن الأرض اللبنانية كميات من النفط الصالحة للاستخراج. ويمكن الاستفادة من هذه البحوث لتحديد احتمالات وجود ثروات معدنية أخرى. ويلفت مصدر في الوزارة إلى أن المبالغ التي تتقاضاها الشركات المختصة في هذا المجال ليست كبيرة في العادة، وهي في النهاية تدرّ أموالاً مباشرة على الدولة. فعلى سبيل المثال، باع لبنان حتى اليوم ملف المسوحات الزلزالية للمنطقة الاقتصادية البحرية التابعة له إلى 17 شركة، والمبالغ التي حصل عليها لبنان لقاء بيع الملف تفوق بأضعاف ما دُفع كلفة للمسوحات، على حدّ قول مصادر متابعة للقطاع.
ورغم كل الضجيج المثار إقليمياً بشأن النفط في شرق المتوسط، يبدو وزير الطاقة مرتاحاً إلى سير العملية القانونية والإجرائية في لبنان. فبالنسبة إليه، سيبقى التحفّظ التركي كلاماً من دون أي تأثير عملي، «ونحن ليست لنا حدود مع تركيا، ولا مع قبرص التركية التي لا يعترف بها لبنان». وفي الأصل، لولا «الانصياع الحريريّ للمطالب التركية، لكنّا وصلنا إلى مرحلة التنقيب، ولما أضعنا فرصة التنقيب القبرصي، ولما أضعنا الـ860 كلم مربع التي أسقطتها الاتفاقية القبرصية ــــ الإسرائليية». وفي هذا المجال، تعترف مصادر مقرّبة من باسيل بخطأ الجانب اللبناني قبل سنوات في ترسيم الحدود مع قبرص، عندما جرى تحديد النقطة الحقيقية للحدود اللبنانية في محاضر الاجتماعات مع الجانب القبرصي، من دون أن تُدوّن في متن الاتفاق. وبناءً على ما تقدم، فإن لبنان، بعد إنجاز المناقصات، سيبدأ التنقيب من دون أي خوف، «إذ لن يكون منطقياً أن يكون لبنان الدولة الوحيدة العاجزة عن الاستفادة من ثرواتها، بين قبرص وإسرائيل اللتين باشرتا العمل. وهذا الواقع يزيد من مناعة الموقف اللبناني، وخاصة إذا ما عُطِف على قوة المقاومة التي ستحمي المنشآت اللبنانية في وجه إسرائيل». ويرى وزير الطاقة أن التصميم على إنجاز هذا الملف نزع «الحُرم» المفروض على لبنان منذ أكثر من 15 عاماً، والذي كان يحول، بسبب موافقة التيار السياسي الحاكم في لبنان، دون استفادة لبنان ممّا في باطن أرضه ومياهه.
ورغم تحفّظ باسيل على ذكر أي أرقام تكشف تقديرات قيمة الثروة اللبنانية، تؤكد مصادر معنية في قطاع النفط أن مربعاً واحداً من المنطقة الاقتصادية اللبنانية يحوي غازاً طبيعياً قدّرته الشركة التي أجرت المسوحات بما يفوق سبعين مليار دولار. وعلى هذا الأساس، ليس مبالغاً القول إن ما تحويه المياه اللبنانية يُقدَّر بمئات مليارات الدولارات، لا العشرات منها. لكن هذه الأرقام تبقى حبراً على ورق إلى أن تُنجِز الحكومة فروضها كافة.