أسئلة كثيرة يفرضها واقع مزر يعاني منه الكورنيش منذ عدة سنوات بفعل الحرمان والإهمال المزمنين، اللذين يرخيان بثقلهما على مدينة الموج والأفق، نتيجة عوامل عديدة تبدأ بفوضى انتشار البسطات، وعربات بيع القهوة والكعك، وألعاب الأطفال، وتأجير الدراجات الهوائية والنارية، ولا تنتهي عند إقامة المقاهي غير المرخصة على أرصفته، وما بينهما من تفاصيل تقشعر لها الأبدان ويصعب الحديث عنها بإسهاب، حرصاً على عدم الإساءة إلى تلك المنطقة الحيوية، التي باتت العائلات تخشى التوجه إليها عندما يأتي المساء، بفعل انتشار «شبان الليل»، وتمركزهم في نقاط عدة لتعاطي المشروبات الروحية وحبوب الهلوسة، وممنوعات أخرى، وما يتخلل ذلك من مضايقات للمارة.
كورنيش الميناء، صرخة لم تجد إلى اليوم آذانا صاغية لدى المعنيين، لإيجاد الحلول الناجعة ومعالجة الشوائب الكثيرة والمظاهر المسيئة، وربما لن يجدي نفعا تكرار الحديث في ظل إمعان المسؤولين في تغاضيهم عن المشاكل الموجودة، وحماية البعض منهم للمخالفات القائمة لأسباب انتخابية.
وشكل افتتاح الكورنيش بصيغته المعدلة قبل سنوات عدة، بعدما جرت توسعة أرصفته وتأهيل جزء من البنى التحتية فيه خلال عهد رئيس البلدية السابق عبد القادر علم الدين، متنفساً لأبناء الميناء، الذين وجدوا فرصة لإنشاء المشاريع الاستثمارية من مقاه ومطاعم، انتشرت على جانبه، وباتت مقصدا للزائرين والباحثين عن تمضية بعض الوقت، بعيداً عن ضجيج المدن وفي الهواء الطلق أمام شاطئ البحر، والتمتع بمشاهدة القوارب وهي تنقل الزائرين في رحلات بحرية الى الجزر المواجهة له. إلا أن فرحة هؤلاء لم تكتمل، بعدما تبين لهم أن المشروع يحتاج إلى الكثير ليكون مواكباً لتطلعاتهم وأحلامهم، إن كان على الصعيد الإنمائي ـ البيئي أو على الصعيد الأمني.
فعلى الصعيد الإنمائي ـ البيئي، يبدو واضحا غياب الاهتمام الرسمي، الذي تتجسد معالمه في مشاهد عدة أبرزها انعدام النظافة، والروائح الكريهة التي تصدر من مجاري الصرف الصحي، التي تصب على مقربة من الشاطئ، فضلا عن غياب الإنارة، وعدم وضع كراسيّ أو إقامة مراحيض، ما يجعل الفوضى سيدة الموقف. أما على الصعيد الأمني، فحدث ولا حرج، فعلى الرغم من المطالبات المتكررة بضرورة وجود عناصر أمنية أو بلدية، لقمع المخالفات والحدّ من المشاكل التي تحصل وضبط السرعة الجنونية، وإيقاف الحركات البهلوانية التي يقوم بها بعض الشبان على دراجاتهم النارية، وتحديدا على الرصيف المخصص للمشاة، إلا أن ذلك لم يحرك القوى الأمنية لإقامة نقطة ثابتة لها أو تسيير دوريات، ليترك الناس لمصائرهم في مواجهة كل تلك المخالفات، وما يتسبب ذلك من مشاكل يذهب ضحيتها أناس أبرياء، ويتضرر بنتيجتها بشكل غير مباشر أصحاب المقاهي والمطاعم الذين يدفعون ثمن تراجع حركة إقبال الزائرين.
والحديث عن المخالفات على الكورنيش لا ينتهي، ولا يمكن إيجازها ببعض الأسطر، ويبقى أن نشير إلى أن المنطقة تشهد منذ عامين تقريبا انتشارا متزايدا للمقاهي غير المرخصة، التي يعتمد أصحابها على وضع الكراسي والطاولات والمظلات على جانب الرصيف، لدرجة بات فيها من الصعب البحث عن زاوية فارغة لمشاهدة البحر، من دون الاضطرار إلى الجلوس في المقاهي العشوائية، والتي تحظى بغطاء من بعض القيادات السياسية. لكن ما يثير الانتباه هو في الأبعاد الاجتماعية لانتشار ظاهرة المخالفات على الكورنيش، وكيفية معالجتها في المستقبل، حيث يخشى البعض من تداعيات ذلك إذا بقي الأمر على حاله لبعض الوقت، مفترضين سيناريوهين، الأول، هو لجوء أصحاب البسطات المخالفة والذين يحظون بغطاء سياسي إلى طلب تعويضات، والثاني هو أن تتحول المنطقة إلى حزام بؤس يضاعف من حجم الضغوطات على العاصمة الثانية طرابلس.
ويقول المواطن خالد عبدو: «لقد اعتدت أن أنزل يومياً إلى الكورنيش في الصباح والمساء، حيث أمارس مع زوجتي رياضة الركض، في حين أصطحب عائلتي في المساء للجلوس على الكورنيش، ولكن ذلك البرنامج تغير في المساء، خصوصا أنه بات من الصعب إيجاد مكان للجلوس فيه ووضع كرسي أو طاولة صغيرة، فضلاً عن مسائل أخرى تبقى بالنسبة إلي أهم، فنحن نهرب من ضجيج المدينة لكي نمضي بعض الوقت بهدوء في المنطقة، ولكن مع وجود مجموعات «الزعران» فإننا بتنا نحسب ألف حساب قبل التوجه في الليل إلى الكورنيش». ويلفت المواطن سعيد العلي إلى «أن أكبر المشاكل التي يعاني منها الكورنيش هي غياب الأمن، وعدم اهتمام البلدية بالمنطقة، فالبحث عن عنصر أمني أو شرطي بلدي في معظم أوقات النهار، يكون بمثابة البحث عن ابرة في كومة قش، فلا وجود لهم حتى عندما يحصل إشكال، وكأنهم يتآمرون على الكورنيش». ويتابع: «لا نستطيع الحديث عن كل ما يحصل على الكورنيش من أمور مسيئة، ولكن الأجهزة الأمنية تعرف ما يحصل، وعليها أن تبادر فوراً إلى وضع حد لتلك الأمور، كما على الوزارات المختصة أن تعالج مسألة الروائح الكريهة التي تنبعث وقد تكون مسببا للأمراض في المستقبل».
ويقول رئيس بلدية الميناء السفير محمد عيسى: «نحن نضمّ صوتنا إلى صوت كل من يطالب بقمع المخالفات، ومحو المظاهر المسيئة، ولكن الأمر يتطلب جهوداً مشتركة من قبل الجميع، لأننا كبلدية لا نملك عناصر شرطة تكفي لتغطية تلك المسافة، والقيام بواجباتنا في بقية أحياء وطرق الميناء». وأضاف: «إن المخالفات كثيرة منها ما هو قديم ونسعى إلى إزالتها، ومنها ما هو حديث ويسعى أصحابها إلى تكريسها أمراً واقعا من خلال محاولتهم الحصول على غطاء سياسي، ولكننا عازمون على إزالتها، وسنتعاون مع الجميع ونقنعهم بضرورة تنظيف المنطقة وفتح الباب امام المستثــمرين الذين بدأوا بإقامة المشاريع الحيوية».
وتابع: «ما يحصل في النهار من انتهاكات للقوانين، نعمل مع عناصر قوى الامن الداخلي على معالجتها، ولكن في الليل يبقى الأمر أكبر من قدرتنا، وهناك من اقترح علينا في البلدية أن نمنع بيع المشروبات الروحية بعد الساعة التاسعة مساء، ولكن من يقصد يشتري من منطقة أخرى، والحلّ يبقى بمضاعفة العناصر الأمنية، ونحن نسعى إلى ملء الشواغر في عناصر الشرطة البلدية، ونتمنى تعاونا من الجميع لإعادة الكورنيش إلى ما كان عليه».