نقلت صحيفة "الأخبار" عن زوار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إشارتهم الى أن "الأخير لا يعطي كل شيء ولا يأخذ كل شيء، وهو يواجه الإستحقاقات واحداً بعد آخر، ولا يتخذ قراراتها قبل أوانها"، مشيرين الى أنه "يقدّم أكثر من برهان على هذه المعادلة، في الحكومة ومع المحكمة الدولية".
وينفي ميقاتي بحسب زواره كل كا قيل عن حكومته بأنها حكومة "حزب الله" أو حكومة الأكثرية النيابية الحالية"، مؤكداًُ عدم إمكانية أي فريق الذهاب بالحكومة وحده الى حيث يريد.
وأشار ميقاتي، بحسب زواره الى أنه "في بعض جلسات مجلس الوزراء لمس تناقض المواقف والاصطفاف بين وزراء الفريق الواحد حتى"، لافتا الى أنه "أكثر من مرة وقف الوزيران شربل نحاس وجبران باسيل في مواجهة الوزيرين شكيب قرطباوي وفادي عبود، في ملف الكهرباء بُنيت التسوية على تفاهم شاركت فيه المعارضة".
يصحّ ذلك أيضاً على موقفه من تمويل المحكمة، وهو يستند إلى قاعدتين اثنتين تبعاً لما لمسه زوّاره:
أولاهما، منذ الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة، إلى تأليفها، إلى الأمس القريب، لم يقدّم ميقاتي إلى أي فريق ــــ وضمناً إلى حزب الله من دون أن يسمّيه ــــ أيّ تعهّد يتردّد فيه بالتعاون مع المحكمة الدولية أو يتخلّى عنها. لم يُسمَّ لرئاسة الحكومة في صفقة مشابهة للتسوية السعودية ــــ السورية التي حملت سلفه سعد الحريري على القبول بالتخلّي عن المحكمة في مقابل الحصول على رئاسة الحكومة. بذلك لم يقترن وصوله إلى رئاسة الحكومة بتفاهم مسبق خبّأ تعهّداً برفض المحكمة. هكذا يأخذ ميقاتي أو يعطي. قطعة تلو أخرى. رئاسة الحكومة أولاً، ثم يُنظر لاحقاً في شأن المحكمة.
ثانيتهما، تمسّكه بوجهة نظره التي تقول بضرورة مضي لبنان في تسديد حصته في موازنة المحكمة كجزء لا يتجزأ من التعاون معها، ومع مجلس الأمن.
ويبني ميقاتي موقفه وفق المعطيات الآتية:
1 ــــ لا يسعه كرئيس للحكومة أن يكون عائقاً أمام تمويل المحكمة، أو متستّراً على كل مَن يعطّل عملها وتعاون لبنان معها. قال لزوّاره: ليس لأي كان أن يتوقع مني تصرّفاً كهذا.
2 ــــ أنتج القرار 1757 المحكمة الدولية، وأدرجها تحت الفصل السابع بأوسع إجماع دولي عليها. يعني ذلك بالنسبة إلى رئيس الحكومة أن لبنان لا يتعامل مع قرار دولي فحسب، بل مع إجماع دولي انبثق منه قرار مجلس الأمن. ولعلّ المفارقة التي يلاحظها، أن انقسام الموقف بين واشنطن وموسكو تلاحق في أكثر من قرار طُرح على التصويت في مجلس الأمن، إلا أنهما اتفقتا على دعم إنشاء المحكمة الدولية. ولا يزال الروس كالأميركيين يتمسّكون بها ويدعمون تمويلها.
3 ــــ ليس للبنان التصرّف بانتقائية حيال القرارات الدولية، فيتحمّس لتنفيذ القرار 1701 ويتجاهل تنفيذ القرار 1757. وشأن الاستقرار في الجنوب مسألة دولية، كذلك فإن العدالة مسؤولية دولية يقيم لبنان في صلبها.
4 ــــ تمويل المحكمة استحقاق حتمي للبنان، وملزم له في نطاق احترامه الشرعية الدولية. إلا أنه تأشيرة دخول إلى البحث في تعديل البروتوكول المعقود بينه وبين الأمم المتحدة في شأن المحكمة والنظر فيه عندئذ، في ضوء الحجج المتوافرة لدى بعض الأفرقاء حيال مدى مطابقة البروتوكول للآلية الدستورية اللبنانية. يقتضي ذلك أولاً تنفيذ لبنان التزاماته قبل محادثة مجلس الأمن في ما يثير تحفظه عن الطريقة التي اتّبعت في وضع بروتوكول التعاون.
يقول ميقاتي:" ليس في يدي القول إن بروتوكول التعاون قانوني أو غير قانوني، ولا دستوري أو غير دستوري. أنشئت المحكمة بقرار من مجلس الأمن، وهو الذي يقرّر ماذا يفعل".
5 ــــ بمقدار ما يلحق عدم تمويل المحكمة ضرراً بلبنان، يلحق الضرر نفسه بالمقاومة التي تُوجّه إليها إذ ذاك، وأكثر من أي وقت مضى، أصابع الاتهام وتعجّل إجراءات المحاكمة.
6 ــــ في أكثر من موقف له في بيروت وفي نيويورك، أكد رئيس الحكومة دعمه التمويل وضرورة أن يخرج لبنان من الجدل الدائر بين قائل به ورافض له. إلا أنه قال، أكثر من مرة، إن قرار الحكومة اللبنانية من التمويل في أوانه فقط، وكذلك موقف ميقاتي في حال رجّحت الغالبية الحكومية بالتصويت كفة عدم التمويل.
قال ميقاتي أمام زوّاره: لن أقول من الآن ما سيكون عليه موقفي من التمويل في حال رفضه مجلس الوزراء. هناك متّسع من الوقت أمام الجميع لمراجعة خياراتهم حيال هذا الموضوع. التصويت على التمويل اليوم هو غيره بعد شهر أو شهرين. لبنان الرسمي التزم التمويل. فعل ذلك رئيس الجمهورية، وقلت الأمر نفسه، وأنا أجهد من أجل التمويل لأنه مصلحة لبنانية أولاً وأخيراً.
7 ــــ ينظر ميقاتي إلى تصويت مجلس الوزراء على التمويل على أنه جزء من الآلية الدستورية لعمل المجلس. قال أمام زوّاره: لن أنتقص من صلاحيات مجلس الوزراء ولن ألغيها، وليتخذ مجلس الوزراء قراره تبعاً للأصول الدستورية. أما موقفي من ذلك كله ففي أوانه. عامل الوقت قد يكون كفيلاً بإيصالنا ربما إلى مخرج ملائم، أو إلى التوافق على ما يحمي مصلحة لبنان.
قال: أياً يكن قرار مجلس الوزراء، فأنا لست من الأشخاص الذين يهوّلون بعقوبات دولية على لبنان، أو يسوّقون لها على غرار البعض. ولا أكتم في الوقت نفسه قلقي من علاقة لبنان بالمجتمع الدولي في حال أنكر تمويل المحكمة.
8 ــــ رئيس الحكومة ليس في وارد الاستقالة في الوقت الحاضر. لن يُقدّم لمعارضيه هذه الهدية، ولا لمعارضي التمويل إذا كانوا يتوقعونها. وهو لا يظن أنهم كذلك. لن يتسبّب راهناً بأزمة حكومية وفراغ سياسي بسبب اختلاف الموقف من التمويل بينه وبين أفرقاء آخرين في حكومته.