اتهام باريس لحزب الله، مواربة، بالمسؤولية عن استهداف « اليونيفيل » في جنوب لبنان، لم يؤد الى قطيعة بين الجانبين. السفير الفرنسي يزور اليوم مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب، واللقاء لن يكون سهلاً
يلتقي السفير الفرنسي في بيروت دوني بييتون، اليوم، مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمّار الموسوي. اللقاء ليس الأول من نوعه، لكن ظروفه هذه المرة مختلفة، وخصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، التي غمز فيها من قناة ضلوع «حزب الله» ــــ لكونه «اليد العسكرية السورية في لبنان» ــــ في التفجير الذي استهدف دورية فرنسية تابعة لـ «اليونيفيل» الجمعة الماضي. لقاء اليوم يشير الى أن القطيعة لم تقع بين الطرفين، رغم أن تصريح جوبيه جاء مغايراً لسياق العلاقة بين الجانبين. مطّلعون على أجواء «حزب الله» يصفون موقف وزير الخارجية الفرنسي بـ«الطائش»، ويرون أن خلفية الاتهام الفرنسي لسوريا والحزب تتأتى «من رغبة فرنسية في التغطية على ما تقوم به باريس على الأراضي السورية، وتحديداً على المعلومات المتزايدة عن ضلوع ضباط فرنسيين في عملية تدريب معارضين سوريين».
ماذا ينتظر الرجلان من لقاء اليوم؟
السفير الفرنسي، بحسب أحد زواره، سيتحدث عن الأوضاع في الجنوب، وفي منطقة عمليات «اليونيفيل»، وسيحاول تبرير موقف جوبيه، بكونه يعبّر عن استياء باريس من تكرار الاعتداءات على القوات الفرنسية، وقلقه الدائم على أمن هذه القوات، وعلى الاستقرار في الجنوب.
وفي المقابل، سيستمع بييتون إلى «موقف حازم»، إذ يؤكد المطلعون أن حزب الله «لن يتساهل مع هذه الاتهامات، ولن تمرّ مرور الكرام، وخصوصاً أن الحزب أدان، وسيكرر الموسوي إدانته للحادثة». ويضيف هؤلاء إنّ «الحزب اعتاد هذه الاتّهامات»، إلا أنّ خطابه تجاه خصومه في الداخل والخارج، في المرحلة الحالية، سيتمثّل في الآتي: «الاستقرار في لبنان من مصلحتنا ونبحث عنه، لكن مصلحتكم فيه أكبر. صحيح أننا سنتضرّر إذا حلّت الفوضى، لكنكم ستتضرّرون أكثر إذا فقدنا الاستقرار، واتّخذت الأمور منحى الفوضى». وهنا، يذكّر هؤلاء بخطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، يوم تشييع عماد مغنية في 14 شباط 2008: «إن أردتموها حرباً مفتوحة، فلتكن حرباً مفتوحة».
إذاً، منطق الحزب سيكون واضحاً في هذا المنحى، ويضاف إليه أن الوضع في سوريا، كما يراه الحزب وفريق 8 آذار، «ليس سيّئاً إلى حد يتطلّب من أيّ طرف مقرّب من النظام السوري المسّ بالاستقرار لإراحته».
هذه الأجواء وغيرها ستتداخل في لقاء اليوم، ولا سيما أن الموسوي سيكرر موقف الحزب من الأحداث في سوريا، لناحية أنه «مهما كانت أسباب تحرّك الشعب السوري وجيهة لدى البعض، فإنّ ما يحصل مؤامرة دولية، وقد تحوّل المعارضون إلى أدوات لتنفيذ مشاريع الغرب».
وفي سياق الضغوط التي تحاول باريس ممارستها على الحزب، وليس بعيداً عنها، جاء تقرير «نيويورك تايمز» عن «الإرهاب المالي» لحزب الله في أميركا اللاتينية، لكن يمكن سماع تعليق واحد: «تعوّدنا هذه الاتّهامات الخرقاء، الهدف من ذلك التأثير في الجاليات اللبنانية في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وقبلها في الحزب». ويؤكد المعنيون أنه ليس لحزب الله أيّ صلات تنظيمية بهذه الجاليات.
مهمّة بييتون في لقاء اليوم ستكون صعبة، وخصوصاً أنّ الفرنسيين لن ينجحوا في انتزاع الورقة الأساسية التي يريدونها من حزب الله، وهي تقديم الأخير ضمانات لأمن «اليونيفيل». ويوضح المطلعون على موقف الحزب أن «سياسته واضحة في هذا الإطار، وتنطلق من أنّ أمن الجنوب هو مسؤولية السلطات اللبنانية، وأن القرار 1701 يجعل المسؤولية الأمنية عن المناطق المشمولة بالقرار من مسؤولية الدولة، ومعها قوات اليونيفيل».
الفرنسيون لديهم خشية إزاء هذا الموقف، إذ إنهم يريدون إشراك الحزب في المسؤولية، بينما لا يجد الحزب أن ثمّة ما يلزمه بإزالة هواجس الفرنسيين وغيرهم. ويسأل المطلعون «كيف يمكن الحزب تطمين من يهدده، ويعمل على تخريب النظام في سوريا؟».
المهمّة البييتونية لن تكون سهلة، وخصوصاً أنّ مطلّعين على أجواء لقاءات جمعت بين الموسوي وسفير تركيا وعدد من سفراء الدول الأوروبية، يشيرون إلى أنّ الأخير لم يوفّر انتقاداً لهذه الحكومات، إذ اتهم إسطنبول بأنها «تحمل طموحات أطلسية لا تركية»، وتوجّه في وقت لاحق إلى أحد السفراء الأوروبيين بالقول: «الأتراك مربكون ومتردّدون، ولا يرغبون في أداء الدور الذي تبتغونه لهم، أنتم تكتفون بتحريضهم، فيما أنتم واقعون في عجزكم السياسي والاقتصادي».
الحزب يحذّر والموسوي يعتذر
وصف حزب الله أمس تحميل شخصيات من 14 آذار إيّاه مسؤولية تفجير اليونيفيل بأنه «تصريحات خطيرة وغير مقبولة، ومطلقوها يتصرفون من موقع أنهم جزء من مخطط استهداف المقاومين». واستنكر الحزب هذه الاتهامات السياسية، وحذّر من «خطورة هذا السلوك، وما يترتب عليه من تداعيات ومخاطر تضر بالبلد وأهله».
من جهة أخرى، وزعت العلاقات الإعلامية في الحزب أمس تصريح اعتذار صادر عن النائب نواف الموسوي، أعلن فيه التزامه بقيم الحزب وأدبياته، مقدّماً الاعتذار إلى الرئيس نبيه بري، والنواب، عن الكلمة «النابية» التي وردت في سياق رده على النائب سامي الجميل، في مجلس النواب أول من أمس، ومؤكداً المضمون السياسي الكامل لما جاء في ردّه.