في الاساس، ليس مفاجئاً لـ «حزب الله» أنه موضوع اصلاً على منصة الاستهداف الاميركي والاسرائيلي والغربي وجزء من العرب، لكن هذا المسلسل الاتهامي بغسيل الاموال والمخدرات، لا يوجب التوقف عنده فحسب، بل المسارعة الى إحاطته بعلامة استفهام كبرى لناحية توقيته ومغزاه وأبعاده وخلفياته واهدافه في هذه اللحظة، خاصة انه ورد وبالتتابع وخلال ايام قليلة على صفحات كبريات الصحف الاميركية والاوروبية، ومنها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، و«ديرشبيغل» و«لو فيغارو» و«التايم» وغيرها.
فأن تتحرك تلك الصحف دفعة واحدة ضد «حزب الله»، وفي الوقت ذاته مع الصحافة الاسرائيلية، ومن ثم تلاقيها بعض صحف الخليج التي امتهنت دوراً وظيفياً حاداً في الهجوم على «حزب الله» ونسج الروايات الاتهامية وما زالت في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فذلك يلغي فوراً فرضية المصادفة، ويؤكد بما لا يقبل أدنى شك أن في «غرفة العتمة» مشغـِّلاً قادراً على تجنيد هذه المنظومة الإعلامية العالمية وتوجيهها بحسب مشيئته ووفق مصلحته وفي التوقيت الذي يشاؤه ويخدم تلك المصلحة، أو يخدم مصالح ومآرب وغايات سياسية لقوى ودول تتبنى نهجاً معادياً لـ «حزب الله».
ولكن لماذا الآن، ولأي هدف؟
لطالما شكل «حزب الله» بالنسبة الى هذا الغرب الأميركي الأوروبي الاسرائيلي أحجية صعبة، وسعى الى نسفه ككيان حزبي من خلال المحاولات الدؤوبة لخلخلة البنية التنظيمية، والبنية الشعبية والبيئة الحاضنة، والبنية المالية والتمويلية، والأهم من كل ما تقدّم نسف البنية الأمنية والعسكرية والصاروخية معتمداً وسائل مختلفة تارة بعدوان سياسي، وتارة ثانية بعدوان أمني مخابراتي، وتارة ثالثة بعدوان عسكري.
وليس خافياً على أحد انه في كل محاولات الفكفكة والخلخلة، استنفدت كل ادوات العسكر والامن والسياسة والمخابرات، وباعتراف أصحابها آلت الى الفشل في النيل من الحزب ومن قوته وقوة حضوره. الا ان الاخطر مع هذا الفشل، هو انتقال هذا الغرب الى اسلوب آخر في الاستهداف لا يقف عند حدود محاولة ضرب «حزب الله» ككيان حزبي تنظيمي، بل يتعمد الخلط بينه وبين البيئة الحاضنة، والجمهور، وفئة مذهبية معينة منتشرة على مساحة العالم سواء أكان لها طابع تجاري ام اقتصادي ام مالي ام غير ذلك في مناطق انتشارها ويضعها كلها في قالب واحد وعلى منصة الاستهداف، وثمة امثلة عديدة على تسعير النفس العصبوي ضد هذه الفئة في افريقيا واميركا الجنوبية وكذلك في الولايات المتحدة الاميركية وكندا واوروبا.
وفي هذا السياق تندرج محاولة ربط «حزب الله» بما يُسمّى ملفات آسنة كغسيل الاموال والاتجار بالمخدرات لتحقيق الاهداف التالية:
اولا: اسقاط هيبة «حزب الله» والمس بالمعنى القيمي والاخلاقي الذي يشكل اساس وجوده، وسحبه من اعلى القمة الى اسفلها من خلال تحويله من حزب ذي شرعية مقاومة، وشرعية سياسية، او شرعية برلمانية في لبنان، الى عبء على كل من تأثر بهذه الشرعيات واقتنع بها.
ثانيا: ارباك الدولة اللبنانية التي يشكل «حزب الله» جزءا مركزيا في تكوينها السياسي والبرلماني والحكومي، واظهارها عاجزة امام فئة خارجة عن القانون وملاحقة بجرائم تبييض الاموال والمخدرات، بما يجعل الدولة اللبنانية مطالبة بصورة غير مباشرة باتخاذ خطوات ردعية وعقابية بمستوى تلك الجرائم.
ثالثا: الرهان على فعالية اتهامات كهذه حتى لو كانت فاقدة للمصداقية وبلا دليل حقيقي، فإن لم تسقط الحزب كحزب وتنظيم ومقاومة، فإنها تحدث خدوشاً وندوباً في هيئة «حزب الله» ومعنوياته وتشاغله في معارك جانبية تحرفه عن معركته الأم وعن هدفه الاساسي.
رابعا: اغلاق الابواب التي استطاع «حزب الله» ان يفتحها على مستوى العالم.
خامسا: اسقاط معنى الحزب كبنية مقاومة، وتقديمها امام كل المجتمعات كجزء من عصابات المافيا العالمية الواجب مكافحتها ومطاردتها، وبالتالي إسقاط معناها ليس امام بيئتها الحاضنة فحسب، بل امام الجمهور العربي والدولي العام الذي تأثر بهذه المقاومة، واتخذها نموذجاً يحتذى للتحرر؟
سادسا: ارباك الدول والمجتمعات والمؤسسات العالمية ذات الطابع المالي، التي يمكن ان تكون على تماس مع «حزب الله»، وحملها بالتالي على اعادة صياغة علاقتها بالحزب كمافيا عالمية وليس كعنوان مقاومة وجهاد.
يلاحظ حزبيون ورود هذه الحملة الغربية التشهيرية بـ«حزب الله» بعد ايام قليلة من الضربة القاسية التي وجهها الحزب لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية («سي آي إيه» ) وكشف نشاط محطة بيروت التي يؤكد الحزب انها متمركزة في السفارة الاميركية في عوكر وكشف العاملين فيها بالاسماء والالقاب. أفلا يمكن ان تكون هذه الاتهامات قنبلة دخانية للتغطية على الخرق المريع الذي اصاب اكبر جهاز مخابراتي في العالم؟
في رأي الحزبيين ان هذه الحملة التشهيرية تعكس اقراراً صريحاً من قبل القوى المعادية لـ«حزب الله» بالعجز عن النيل منه والدليل الساطع في حرب تموز 2006، لذلك لجأت الى الاتهامات تارة بوصم الحزب بتهمة الارهاب التي حاول الاميركيون والاسرائيليون ان يخنقوا «حزب الله» فيها، وهي تهمة هم يعجزون عن اثباتها في اية بقعة في العالم، وتارة اخرى باتهام الحزب باغتيال الحريري، ومعلوم كيف تصدى «حزب الله» لهذا الاتهام ولكل ما تبيته المحكمة الدولية، وصولاً أخيراً وربما ليس آخر الى استحضار تهمة غسيل الاموال والاتجار بالمخدرات والصاقها بـ«حزب الله»، وهو اتهام اقل ما يقول فيه الحزب بأنه اتهام تافه وسخيف ولا قيمة له، سوى انه ينطوي على بعد تعويضي عن العجز.
في خلاصة هذا الأمر، إن «حزب الله» تعامل مع اتهامه بغسيل الأموال والاتجار بالمخدرات نفياً في السياق الاعلامي، الا ان العارفين يؤكدون عدم اكتفائه بالنفي او بتسخيف الحملة والتقليل من شأنها، بل استعداده للأعظم ، ولمنازلة أعدائه في اكثر من ساحة وبأية وسيلة ولذلك تراه لا يألو جهداً وبصمت لخوض معارك تصدٍّ لهذه التهمة ولغيرها، وايضاً لابتكار وسائل مواجهة جديدة كما تعامل مع منظومة الـ«سي آي إيه» في بيروت.