كثيرة هي المشاكل التي يواجهها القطاع التربوي في منطقة الضنية، التي لا تقتصر على ما تعانيه مرافقه من حرمان وإهمال على صعيد المباني والتجهيزات التي يفتقد قسم كبير منها إلى الحد الأدنى من الشروط التربوية المتعامل بها في لبنان، بل إن الأمر يتعدى في بعض الأحيان تلك المسائل الشكلية إلى أمور تتعلق بشكل مباشر بالذهنية المتبعة في إدارة شؤون هذا القطاع من قبل الدولة والسلطات المحلية، والتي بدورها لم تبذل أي مجهود يذكر لسدّ العجز الذي خلفته الدولة، فضلا عن عدم وجود كادرات تعليمية وإدارات للمدارس قادرة على مواكبة المراحل الجديدة، بحسب ما أوضح مصدر تربوي لـ«السفير». الذي أكد أن من المشاكل التي يعاني منها القطاع التربوي فضلا عما ذكر هو إغفال دور دار المعلمين في الضنية في إعداد أفواج جديدة من المدرسين القادرين، على إعادة إطلاق الحيوية التربوية في المنطقة، لافتاً إلى أن الدار في الضنية، قام في العام 1995 بتخريج آخر دفعة من الأساتذة حيث سجلت حينها نسبة عالية للنجاح في الشهادات الرسمية بلغت نحو 57 بالمئة، في حين كانت في العام 1993، لا تتجاوز الـ37 بالمئة، فضلاً عن وجود بعض مدراء المدارس الذين يعتبرون أن المدرسة هي إرث لهم يمارسون فيها سياسة استنسابية من حيث التعاقد مع الأساتذة.
وتلخص المصادر التربوية الواقع التربوي الحالي في الضنية على الشكل التالي، حيث يبلغ عدد المدارس الرسمية في القضاء 69 مدرسة، وهناك ثلاث مدارس فقط ملك الدولة و14 مدرسة تقدمة للدولة من دون مقابل، أما الباقي فهو مستأجر. وتشير الإحصاءات إلى أن اللغة الفرنسية هي اللغة الوحيدة المعتمدة في مدارس الضنية. ويبلغ عدد التلاميذ المسجلين في التعليم العام في السنة الدراسية الماضية نحو عشرين الف تلميذ، يتوزعون على مراحل التعليم كافة، وقد زاد هذا العدد بنسبة 2.4 بالمئة، عن السنة التي سبقتها، وتجدر الإشارة إلى أن نسبة التلاميذ الذين يتابعون دراساتهم في التعليم العام الرسمي يبلغون 76 في المئة مقارنة مع التلاميذ الذين يتابعون تحصيلهم في التعليم الخاص، في حين أن نسبة المدارس الخاصة قياساً مع المدارس الرسمية لا تزيد عن 9 بالمئة، وتظهر الأرقام أن نسبة عالية من التلاميذ في كل المراحل لا يكملون دراستهم الأكاديمية أو المهنية ويتجهون إلى سوق العمل بسبب الضائقة الاقتصادية من جهة ونتيجة غياب الوعي لدى أولياء أمورهم من جهة ثانية.
ويبلغ عدد الاساتذة استناداً إلى احصاءات العامين الماضيين، (ملاك وتعاقد) 1386 معلماً 59 بالمئة، منهم متعاقدون، وقد زاد هذا العدد بنسبة 1.5 بالمئة، عن السنة ما قبل الماضية، وهذا يبين أن متوسط عدد التلاميذ للأستاذ الواحد يزيد على 10 تلاميذ، وهو أدنى متوسط بين أقضية محافظة الشمال، إذا استثنينا بعض القرى المحظوظة في الضنية وعلى سبيل المثال بلدة كفرحبو حيث أن الأمور تختلف كليا عن واقع الحال في باقي قرى القضاء، مما يعني وجود زيادة أو فائض في عدد أفراد الهيئة التعليمية. في حين يوجد مدرسة مهنية واحدة، وهي «مدرسة بخعون المهنية»، وتضم نحو 200 طالب، أما في القطاع الخاص فهناك مدرستان، هما، «فخر السلام المهنية» (بخعون)، و«الليسية التقنية للمهن والتمريض»، أي «الفوال» سابقاً (عاصون).
إلا إن تلك الأمور التي وردت في التقرير لا تعدو كونها جزءاً من الأزمة، حيث إن هناك العديد من المشاكل المزمنة التي أغفلها التقرير والتي كانت نتائجها مأساوية في العام الفائت على مستقبل المدرسة الرسمية في المنطقة، حيث كانت نسبة النجاح في الشهادات الرسمية متدنية، وذلك بالنسبة للمراقبين للوضع التربوي في المنطقة تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى وزارة التربية، التي لم تقدم وبحسب رأيهم على معالجة أي من المشاكل التي يعاني منها القطاع التربوي، برغم الاقبال الذي شهدته المدرسة الرسمية في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية والذي بقي من دون استثمار للحفاظ عليه وتنميته في الضنية. ومن أهم مشاكل القطاع التربوي في القضاء افتقار قسم كبير من المدارس الرسمية للأبنية الملائمة والتجهيزات على تنوعها من مختبرات ومقاعد، ومستلزمات دراسية وأجهزة تدفئة خلال فصل الشتاء، وتجهيزات تنعم بها بقية المدارس الرسمية في مناطق أخرى، إضافة إلى وجود نسبة كبيرة من المتعاقدين بين الأساتذة وهم بأغلبيتهم من حملة شهادة الثانوية العامة، ما يعني من دون شك عدم وجود مؤهلات وكفاءات علمية لديهم لجعلهم قادرين على استيعاب المناهج والمقرارات وتقديمها للطلاب، فتكون النتيجة إما تدني نسبة النجاح في الشهادات الرسمية كما هو حاصل، أو تخريج جيل من الطلاب غير قادر على استيعاب المناهج وفهمها، فضلاً عن أن غالبية الأساتذة هم من خارج الضنية، الأمر الذي يجعل من مسألة عطائهم واندفاعهم لتعزيز مستوى الطلاب أمراً في غاية الصعوبة، كونهم يتحملون فضلاً عن بعد المسافة نفقات مالية كبيرة قد تساوي بالنسبة للبعض منهم ما يتقاضاه من أجر التدريس.
إضافة إلى ما تقدم يلاحظ أن الكثير من متوسطي الحال والميسورين في الضنية يفضلون إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة في طرابلس وزغرتا والكورة، كون المدارس الخاصة في الضنية إلى جانب ندرتها لم تعد تلبي تطلعات الأهالي. وأمام ذلك الواقع، فإن المراقبين يرون إنه من الضروري وحفاظاً على المدرسة الرسمية في المنطقة أن يبذل المسؤولين المزيد من الجهد على صعيد تنمية وإعادة تأهيل الأبنية المدرسية وتجهيزها، وإعطاء كل بلدة في الضنية حقها، والاهتمام بدار المعلمين في الضنية كونها الوحيدة القادرة حالياً على تخريج مجموعات من المعلمين المؤهلين الذين يستطيعون إلى جانب جهود أخرى ينبغي بذلها انتشال المدرسة الرسمية من الواقع المأساوي الذي وصلت إليه، وهي التي كانت شهدت في أواسط الستينيات وأوائل السبعينيات فترة ذهبية وغرقت بعدها في سبات عميق.