أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الحكومة تضع مواطنيها أمام امتحانات الصبر: حياة الإنسان ليست أولوية

الخميس 05 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,677 زائر

الحكومة تضع مواطنيها أمام امتحانات الصبر: حياة الإنسان ليست أولوية

كما تناسى الجميع، حكومة ومواطنين، المسألة الجوهرية التي تناولها مجلس شورى الدولة، وهي ضرورة إجراء تصحيح سنوي للحد الأدنى للأجور، لأن الترويج السياسي والإعلامي اقتصر فقط على الفصل بين التصحيح وبدلات النقل. 

وفي موضوع الفصل، تم التبرير قانونياً بأن بدل النقل أعطي في مراسيم سابقة، في انتظار تفعيل وسائل النقل العام. 

لكن، كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ انتهاء الحرب الأهلية، أزاحت مشاريع تنظيم النقل العام جانباً لأسباب معروفة، ويمكن التذكير بها باختصار، وهي: تحصيل الرسوم على استيراد السيارات، وبقاء وسائل النقل الحالية، من سيارات أجرة و«فانات» وحافلات، في أيدي جهات تنتفع من عمليات تزوير أرقام اللوحات العمومية، وعدم رغبة الحكومة في تحمل مسؤولية تنظيم سير الحافلات، ووضع محطات ومواعيد ثابتة لها على الطرقات، بينما بلغ عدد السيارات المسجلة في مصلحة «الميكانيك» مليونا ومئة وخمسين ألف سيارة، ما عدا غير المسجل منها. 

وبناء عليه، لا يدخل بدل النقل في الأجر، ولا يجري تفعيل النقل، فيبقى لبنان صاحب الظاهرة الفريدة، وهي استخدام نسبة ثمانين في المئة من سكانه لوسائل النقل الخاص، بدلاً من أن تكون النسبة معكوسة كلياً. 

ولدينا مشروع قانون للسير في مجلس النواب يجري العمل عليه منذ سبع سنوات، لكنه لم يقر حتى اليوم، فيما يواصل كل مواطن الشكوى من فوضى السير، ومن ثم يساهم بها، وقد تحول السير إلى عالم له مفردات الشتائم الخاصة به، وبلطجيته الذين يمنعون استخدام حافلات لا تتبع لجماعاتهم. 

أما مشروع ربط الأجر بالتغطية الصحية الذي أعده وزير العمل شربل نحاس فهو خاضع للتغيير حتماً، لأن لدى وزير الصحة علي حسن خليل أيضاً مشروعا للتغطية الصحية. ولكن الصحة موضوع أبعد من تأمين التغطية المالية لها. فماذا عن صحة المياه التي تصل موحلة من الينابيع إلى القساطل، ومن ثم خزانات المنازل؟ ومن لا يريد تصديق ذلك من المسؤولين، فعليه الكشف على عينات من تلك الخزانات التي يضطر السكان لاستخدامها بسبب عدم توافر غيرها. كما لا يمكن معرفة نوعية المياه التي يتم شراؤها للاستخدام عبر «السيترنات». 

أما بالنسبة إلى مياه الشرب فهناك أيضاً مشروع قانون خاص بها في مجلس النواب يتناول شروط الترخيص لشركات المياه المعبأة، لكن لا أحد يعرف ما هي الوزارات المعنية، وما هو عدد الشركات التي تبيع قناني المياه المعبأة في الأسواق. وبحسب وزارة الصحة، ما بين أربع أو خمس شركات تعبئة مياه مرخصة فقط، تأخذ مياهها من ينابيع تستثمرها، مع العلم أن استثمار الينابيع من قبل الشركات الخاصة ممنوع. 

كما لدى وزارة الصحة مشروع الخريطة الصحية الموضوع منذ العام 1997، أي منذ أربعة عشر عاماً، وآخر عقد بشأنها، بين وزير الصحة الحالي ومسؤولين من منظمة الصحة العالمية... والحبل على الجرار، مع العلم أنه لا يمكن وضع مشروع تغطية صحية سليم أو رعاية صحية سليمة، من دون معرفة الخريطة الصحية، لأنها تحدد الحاجات الصحية وكلفة الإنفاق عليها. 

وعلى مستوى صحة الهواء، هناك مشروع قانون للحد من التلوث، لا يزال عالقاً عند تصحيح فقرات أو بنود فيه، في مجلس النواب. 

وفي صحة الغذاء، يبذل وزير الزراعة حسين الحاج حسن جهودا لتأمين سلامة المزروعات، إلا أن ذلك لا يكفي لأن الغذاء الذي يشكل مصدر الحياة يستلزم أبحاثاً ومختبرات ووسائل ردع عن استخدام الملوثات. ولدينا مشروع السلامة الغذائية أيضاً في مجلس النواب، وقد أعده خبراء دفعت لهم أجورهم، ولكنه لا يزال نائماً في الأدراج، بسبب الخلافات بين الوزارات المعنية، وهي خاصة الزراعة والصحة والاقتصاد، على صلاحيات هيئة سلامة الغذاء ومرجعيتها. مع العلم أن رئيس أكاديمية العلوم الغذائية في العالم داريل لاند أكد في حوار أجرته معه «السفير» خلال زيارته مؤخراً إلى بيروت، ضرورة وجود «الهيئة» لأنها تجمع الرقابات على جميع مصادر الغذاء، من المصانع والمعامل... إلى المزارع. 

وفي صحة البحر والأنهار والينابيع، يعرف الجميع عن إمدادات الصرف الصحي التي تصب في البحر والأنهار. وقد أعلنت منظمة «غرينبيس» عن وجود ثلاثة وخمسين مصباً لمجاري الصرف الصحي على الشاطئ اللبناني، لا تخضع لمعالجة مياه الصرف الصحي، ناهيك عن المجاري التي تصب في الأنهار والينابيع وتلوث مصادر المياه. 

يفترض أن يكون توفير كل ما تقدم سابقاً وتنظيمه من البديهيات، وهو يعتبر، بالإضافة إلى التعليم، من معايير تقدم الدول أو تخلفها. فالمدن التي تحصل على التصنيف الأول في العام هي المدن التي تتوفر فيها الخدمات للمواطنين بطريقة سليمة، في الصحة والنقل والتعليم وتحصيل المعارف. 

فلماذا يكون تهريب أسلحة إلى سوريا موضع جدل، ولا يكون تلوث المياه والهواء والغذاء موضع جدل؟ لماذا يكون وجود عناصر من تنظيم «القاعدة» موضع خطر، ولا يكون ذلك القصور كله في تأمين مقومات الحياة موضع خطر؟ أم أن الخطر المباشر هو الذي يستدعي فقط التفكير به، بينما لا يستدعي الخطر البطيء ذلك، مع أنه الأكثر ضرراً؟ 

ولماذا الأمن القومي أهم من الأمن الغذائي والصحي والتعليمي والبيئي؟ مفهوم أننا نجاور دولة محتلة، وأننا نتأثر بما يجري في سوريا، ولكن إلى متى تسير الحياة عشوائيا لأننا نجاور إسرائيل ونتأثر بسوريا؟ 

وماذا يسمى الذي نعيش فيه، قصوراً، أم عجزاً، أم عدم رغبة في التفكير، إلا في كيفية الانتقاص من قيمة تصحيح الأجور؟ 

وفي المقابل، تعرّض المواطنون في قضية الأجور لامتحان جديد في الصبر، لكنهم وقفوا تجاه ذلك كمن «غشيت أبصارهم». فهم عالقون عند مستوى الشكاوى الفردية من دون التوحد في مطالب جماعية، ولم ينجح كل ما يجري من حولهم في بعث الجرأة فيهم على كسر تلك الحلقة الجهنمية، لكي يكتشفوا من جديد أنهم يعيشون في بلد ينعم بمناخ وميــاه وأرض صالحة لحياة يمكن، بالقلـــيل من الإرادة، أن يكونوا جديرين بها.


Script executed in 0.19298315048218