وإذ وجّه شبه اتهام إلى إيران بأنها وراء التحركات في سوريا والعراق ولبنان، اعتبر أن الإحياء الشيعي انتهى قبل 20 عاما، فيما يبدأ الإحياء السنّي في الدول التي تشهد ثورات عربية. كما عبر عن قلقه من مقاومة السلطة السياسية التغيير في لبنان والعراق فضلا عن سوريا!.
وقد عكست الصحف التركية، ولا سيما «زمان» و«يني شفق» المواليتان لحكومة حزب العدالة والتنمية، خلال اليومين الماضيين هذه المواقف التي أدلى المسؤول التركي بها للصحافيين الأتراك الذين رافقوه في زيارته إلى طهران.
واعتبر داود اوغلو أن العلاقات التركية ـ الإيرانية تمر في واحدة من أفضل مراحلها، وقد التقى حتى الآن مع نظيره الإيراني علي اكبر صالحي 6 مرات خلال أربعة أشهر فقط. وأول زيارة له خارج تركيا في العام الجديد كانت إلى إيران. وقال إن خطر الصدام بين «الدرع الشيعي» و«البلوك السني» يجب أن يتحول إلى فرصة للحل، وأنقرة وطهران قادرتان على ذلك، ولو أن تركيا وإيران كانتا، في ظل الوضع الحالي، ما كانا عليه قبل 10 سنوات لدخلتا في حرب بينهما.
واعتبر أن الصراع في سوريا ليس له طابع مذهبي بل يهدف إلى إحلال الديموقراطية. فيما قيم زيارة رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية إلى تركيا بأنها دليل على أن «طريق فلسطين تمر في تركيا» على غرار تصريحات القادة الفلسطينيين في لبنان سابقا من أن طريق فلسطين تمر في جونية أو عينطورة. علما أن كلام داود اوغلو عن فلسطين يأتي في وقت اتهم رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى تركيا بالمتاجرة بدماء الجزائريين، وان الأتراك شركاء مع فرنسا في قتل الجزائريين.
وقال داود اوغلو انه يراد للمنطقة أن تدخل في حرب باردة مع تجذير الخلاف السني ـ الشيعي. وأضاف إن تركيا كمبدأ ضد هذا التوجه، مشيرا إلى أن تركيا لا تريد أن تتجه الأمور في سوريا إلى توترات مذهبية واتنية لكن مثل هذا الخطر قائم. وقال «إننا نرى انتفاضة الشعب لأسباب ديموقراطية لا مذهبية».
ورأى داود اوغلو أن العراق يتجه إلى ما هي عليه سوريا من توترات على أساس مذهبي. وقال إن الزعماء الذين اختارهم الشعب هم الذين يجب أن يحددوا مستقبل العراق وليس البدء بتصفيات على أساس أحكام مسبقة، في إشارة إلى ملاحقة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي من جانب القضاء العراقي.
وأشار داود اوغلو إلى الوضع في لبنان فقال انه شبيه بالعراق، إذ يوجد فرق بين اللوحة التي خرجت من الانتخابات وبين خيارات السلطة السياسية. وقال «نحن نريد أن تكون خيارات الشعب هي الأساس وليس الخيارات المذهبية والعرقية».
وصنّف داود اوغلو العرب في الشرق الأوسط إلى ثلاث مجموعات، الأولى تضم تونس وليبيا والمغرب ومصر حيث تعيش تغييرا في اتجاه الديموقراطية، والثانية تضم سوريا والعراق ولبنان حيث «نحن أمام مشكلة عدم التوجه إلى التغيير وقلقون بشكل جدي من هذا». أما المجموعة الثالثة فلها شروطها الخاصة، فهي دول غنية وتضم دول الخليج ولتركيا معها علاقات إستراتيجية.
وحول المجموعة الأولى يقول داود اوغلو انه أعطى التعليمات لكل الوزارات أن تقدم لها كل ما يمكن تقديمه من دعم. وفي الثانية قال إن تركيا تسعى لعدم تحول الصراع إلى صدام مذهبي أو اتني وأن تنعكس إرادة الشعب في السلطة السياسية. وأضاف «من المهم أن تتشكل السلطة السياسية في العراق ولبنان وفقا لنتائج الانتخابات. وفي سوريا قلقنا كبير. ومن الضروري ألا يتحول خط العراق ـ لبنان ـ سوريا إلى مجموعة أزمة. الاستقرار في العراق مهم جدا».
ونقلت «زمان» و«يني شفق» عن داود اوغلو قوله إن زيارته إلى إيران كانت رسالة علنية وواضحة بضرورة أن تعيد إيران النظر بسياساتها في المنطقة. وأشار إلى انه قال للمسؤولين الإيرانيين إن المنطقة تشهد تغييرا كبيرا، وهذا في «وجه منه ايجابي. انتخابات حرة من مصر إلى المغرب وقد انتصر التيار القادم من تقليد سني ـ إسلامي وديموقرطي». وخاطب الإيرانيين قائلا «إذا ظهر أن إيران هي التي تقف خلف الصدامات المذهبية في سوريا ولبنان والعراق فماذا ستفعلون؟ وكيف ستقيمون علاقات مع جبهة سنية تقف بوجهكم؟ السنّة سوف يتكتلون ضدكم. عليكم إجراء حسابات بهذا الصدد».
وصنّف داود اوغلو حركات «الإحياء» الإسلامي في الثلاثين سنة الأخيرة الى ثلاث، الأولى جاءت مع الثورة الاسلامية ومع حركات الجهاد في أفغانستان وقد خلقت حماسا ضد القوتين العظميين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، لكن صراع الجهاديين في ما بينهم بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان من جهة والحرب العراقية ـ الايرانية ووقوف الثورة الإسلامية في ايران متفرجة امام «مجازر» حماه أنهى هذه المرحلة من الإحياء الإسلامي بخيبة أمل كبيرة.
والمرحلة الثانية من «الإحياء» جاءت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وهذه الموجة أيضا انتهت بالسقوط مع الأحداث التي شهدتها الجزائر واحتلال العراق للكويت وظهور القاعدة خلال هجمات 11 أيلول.
أما اليوم فإن المنطقة تعيش المرحلة الثالثة من «الإحياء» الاسلامي. وقال انه ليس ربيعا عربيا بل ربيع اقليمي، وهنا «إما ان تحمل هذه الموجة المنطقة لتكون ديموقراطية وتشكل جغرافيا متصالحة مع شعوبها في ظل الحرية والرفاهية والحرية، وإما أن تفتح التطورات، التي في العراق وسوريا، أمام حرب باردة إقليمية. ونحن لا نريد لهذه الموجة أن تنتهي إلى خيبة أمل وأن تغرق الدول في صراعات في ما بينها وأن نكون امام مشهد اكثر كارثية من الحرب العراقية ـ الايرانية. ولإيران، بالخيارات التي ستعتمدها، سيكون لها تأثير، إما في الاتجاه السلبي أو بالاتجاه الايجابي. سوف توضع أسس المئة عام المقبلة. وعلى كل طرف ان يحدد موقفه تبعا لذلك».