هل وصل مقصّ قطع الأرزاق في مكاتب تيار «المستقبل» وقطاعات مؤسسة الحريري الى مدينة طرابلس؟ سؤال بدأ يدخل القلق الى قلوب كثير من «الموظفين الزرق» في العاصمة الثانية، خوفا على مستقبلهم من قرارات «قيادة المستقبل» التي يبدو أن عصر نفقاتها قد اتجه شمالا، وكان أول تدبير لها إيقاف نحو 45 موظفا في مستوصفات الحريري في منطقة الشمال، وقعوا قبل أيام على استقالاتهم بعد وعدهم بتسديد كامل مستحقاتهم المالية في غضون الشهر الجاري.
ومما رفع من منسوب الخوف لدى موظفي «المستقبل»، المعلومات التي وصلتهم عن قرار القيادة الزرقاء التخلي عن دفعة ثانية قوامها نصف العاملين لديها في مختلف القطاعات بما في ذلك عناصر الأمن والمرافقون والسائقون والحجّاب، وغيرهم من الفائض الذين تم توظيفهم سياسيا وتحت بند «التنفيعات»، فضلا عن تخفيض الرواتب المرتفعة التي يتقاضاها بعض المسؤولين الاداريين.
وتشير مصادر في منسقية طرابلس لـ«السفير» الى أن ما يجري اليوم في طرابلس والشمال هو استكمال لسياسة حصر النفقات التي نفذت في كل المناطق اللبنانية، مؤكدة أن أي تيار سياسي يعاني أزمة مالية يلجأ الى هذا التدبير، لافتة الى أنه مع انتهاء الأزمة المالية وإعادة تنظيم عمليات صرف الأموال، سيتم فتح «حنفية» المساعدات والخدمات والتقديمات لكن بشكل مبرمج.
ويمكن القول إن هذا الواقع المستجد من إشاعة الأجواء غير المطمئنة ضمن موظفي وكوادر تيار «المستقبل»، واستشعار الأكثرية منهم بخطر فقدان وظائفهم، قد ضاعف من منسوب الاحباط والتململ الذي يسيطر على «المستقبليين» في طرابلس، حيث لا يخفي بعضهم أن «المدينة كانت تنتظر أن ينصفها سعد الحريري بعد كل ما أعطته وضحت به من أجله على مدار ست سنوات متواصلة، وتجاوزها غيابه عنها وإقفــاله كل أبواب الخدمات فيها منذ ما بعد الانتــخابات النيابية الأخيرة تحت ذريعة الأزمة المالية، لتفاجــأ اليوم بقطع الأرزاق يجتاح أبناءها دون الأخــذ بعــين الاعتبار خصوصية طرابلس والأوضاع الاجتماعية والانسانية الصعبة التي تخيم عليها.
وتشير المعلومات المتوفرة لـ«السفير» الى أن هذا التململ بدأ يتحول الى حالة من الاعتراض على السياسة الحريرية تجاه طرابلس وهي تطرح بشكل علني خلال كثير من الجلسات التي تعقد بين كوادر وشخصيات تيار المستقبل التي تأخذ على سعد الحريري غيابه المستمر، ومخاطبته الشعب اللبناني عبر موقع «تويتر» الالكتروني رغم امتلاكه أكثر من وسيلة إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة محلية وفضائية، يستطيع أن يطل عبرها على أنصاره وبشكل يومي وعلى الهواء مباشرة.
ويبدي «الكوادر الزرق» خشيتهم من أن يكون الترويج لعودة الرئيس الحريري قبل ذكرى 14 شباط، يهدف الى تحفيز المواطنين على المشاركة في المهرجان الذي سوف يقام في هذا التاريخ، كما حصل في مرات سابقة وآخرها تأكيد حضوره مهرجان «ربيع الاستقلال.. خريف السلاح» أواخر العام الفائت في طرابلس، ويلفت هؤلاء الى أن عدم العودة في هذه المرة سيعمق الهوة بين التيار وأنصاره، وسيخلق أزمة ثقة سيكون لها تداعيات سلبية جدا على مسيرة التيار في المدينة.
وتعبر هذه الكوادر عن كثير من الهواجس حول المصير المجهول الذي ينتظرها، خصوصا أن أياً من الوعود التي أطلقتها قيادة المستقبل خلال الزيارات المتكررة للأمين العام أحمد الحريري عشية الاستحقاقات السياسية الماضية بقيت حبرا على ورق ولم يتحقق منها شيء، بل على العكس فان «الموسى» وصلت الى رقبة الموظفين، فيما تغيب أي مبادرة مستقبلية سواء خدماتية أو تنموية تجاه طرابلس، في الوقت الذي تشهد فيه العاصمة وصيدا كثيرا من المبادرت سواء عبر نواب بيروت، أو عبر الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري، بينما تترك طرابلس لمصيرها ولا تتجه الأنظار إليها إلا عندما تدعو الحاجة وكأنها بالنسبة للقيادة الزرقاء احتياطا شعبيا إستراتيجيا لملء الساحات وقاعات المهرجانات.
وتطرح هذه الكوادر سلسلة تساؤلات لجهة: ماذا يريد سعد الحريري؟ والى ماذا يرمي من خلال تصعيده المستمر ضد النظام السوري؟ وهل سيبقى رابطا مصيره بمصير بشار الأسد؟ وماذا لو لم يسقط هذا النظام في سوريا؟ والى متى سيبقى غائبا عن لبنان؟ والى متى ستبقى الخدمات بعيدة عن طرابلس؟ وكيف سيعود أحمد الحريري ليطلب من شعب طرابلس المشاركة في ذكرى 14 شباط؟ وما هي الوعود التي سيحملها؟ وهل ستلبي المدينة ومعها سائر مناطق الشمال هذه الدعوة؟ أم أنها ستقاطع على غرار ما حصل في مهرجان خريف السلاح؟.
ويلفت مطلعون على أجواء تيار المستقبل الى أن ما يطرحه البعض من الكوادر والناشطين ضمن التيار الأزرق بدأ يتحول الى حالة عامة، وأن هؤلاء بدأوا يعقدون جلســات شبــه يومية بعيدة عن الأضواء بهدف تدارس الخطوات التي يمكن القيام بها في حــال بقيت الأمور على حالها تجاه تعاطــي القــيادة الزرقاء مع طرابلس، ومن بين المقترحات التي يتم التداول بها اليــوم، هي اللجوء الى التلويح باستقالات جماعية، فضلا عن توجيه كتاب الى الرئــيس سعد الحريري يتضمن كل هذه التساؤلات والهواجس، ويطلب منه الرد المباشر عليها، فضلا عن القيام بتحركات داخلية تعكس حالة التململ والاحباط الحاصلة لدى هؤلاء.
ولا يخفي أحد المشاركين في هذه الاجتماعات، أن ثمة قناعة لدى جميع العاملين ضمن تيار «المستقبل» أن عودة الحريري باتت أكثر من ضرورية، وهو إما أن يفي بوعدة ويعود قبل ذكرى 14 شباط، وإلا فان المسبحة الزرقاء سيكون مصيرها الفرط.