هل هذا يعني أن الورشة التي ضمّت حشداً من السياسيين من مختلف المشارب، والأكاديميين، وممثلي هيئات المجتمع المدني، والتي عقدت في فندق فينيسيا برعاية رئيس الجمهورية وبدعوة من وزارة الداخلية، إضافة الى حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لجلسة الافتتاح، هي مجرّد ديكور تجميلي ترويجي للنظام النسبي، على طريقة «أديتُ قسطي للعلى»؟
بالأمس استمع الحاضرون للمداخلات التقنية والسياسية التي تدور في فلك نظام التمثيل النسبي، وهم يدركون سلفاً أن مؤيديه سيسيرون وراءه من دون التلفت إلى «خطاياه»، وأن معارضيه سيستعرضون خباياه وخفاياه من أجل تفريغه من مضمونه، حتى لو أضيئت لهم الأصابع العشر.
بالأمس تأكد أيضاً أن «تيار المستقبل» سينبذه حتى لو قال العكس وتحجّج بـ«هفوات» آلية التطبيق، وأن «الحزب التقدمي الاشتراكي» سيرجمه تحت عنوان «الإقصاء»... وأن «حزب الله» وحركة «أمل» يغلّبان حسناته على سيئاته.
بداية كلمة ترحيبية لمدير برنامج الحكم الصالح في برنامج الامم المتحدة الانمائي الدكتور حسن كريم، تلاه الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي روبرت واتكينز الذي اعتبر أن الأمم المتحدة والأطراف الدولية المتعددة تهتم برفع مستوى الأداء في الانتخابات النيابية إلى المستويات الدولية المرتفعة والمعروفة. ولذلك فإن موضوع الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي تقررهما المؤسسات السيادية اللبنانية مع استعداد الأمم المتحدة لتقديم الدعم التقنيّ والثقافة الانتخابية وتنظيم الحوار حول هذه المسائل.
وزير الداخلية مروان شربل اعتبر في كلمته أن مشروع القانون الجديد أبصر النور متماهياً في مواده مع الواقع اللبناني، ومنسجماً مع خصوصياته لجهة التنوع، ومعبراً عن الهيئة الناخبة تعبيراً واضحاً وشفافاً، إذ أن المعيار لم يكن انجاز المشروع الأفضل نظرياً، بل واقعياً، وانطلاقاً من تأمين صحة التمثيل. ولفت النظر إلى أن القفزة باتجاه النسبية ضرورية وملحة بل إنها المدخل الوحيد لإعادة الاعتبار للحياة السياسية والوطنية، وأن الاستقطاب الذي أخذ البلاد إلى حالة من الانقسام الحاد لا يمكن مواجهته إلا بإفساح المجال أمام قوى وقيادات جديدة قادرة على إخراج البلاد من النفق المسدود.
رئيس الجمهورية ميشال سليمان اعتبر في كلمته أن القانون الحالي لم يعد يؤمن صحّة التمثيل لمكونات المجتمع اللبناني كافة، ورأى أن أي محاولة لوضع قانون انتخاب جديد تفترض احترام بعض المبادئ الاساسية التي تنبع من خصوصية لبنان ونظامه، وأن تقترب من مقاصد وثيقة الوفاق الوطني، على ان يؤمن مشاركة الطوائف والمناصفة الحقيقية والعيش المشترك من دون ان يكرس «الطائفية السياسية»، ويسمح بحصول تجدد على مستوى القيادات، كنتيجة طبيعية لمبدأ الاحتكام الى الناخبين، ضمن نظام انتخابي ديموقراطي يسمح بالتحرر من أثقال الانظمة الانتخابية المكبّلة للإرادات.
وأشار سليمان الى أن المحافظة على وحدة الارض والشعب والمؤسسات هي من الاهداف التي يجب أن يسعى الى تحقيقها قانون الانتخاب، إضافة الى ضمان صحة التمثيل للمرأة وكذلك لفئة الشباب، كما إنشاء هيئة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية، من دون إغفال واجب متابعة حق المغتربين اللبنانيين في الاقتراع ضمن المهل اللازمة.
وأكد رئيس الجمهورية على ضرورة تحقيق المساواة بين الناخبين، على ان يكون لصوت كل ناخب القدر نفسه من الفاعلية والتأثير، أضف الحاجة إلى إنتاج سلطة متجانسة في ما بينها، وضرورة تمثيل الأقليات.
جلسات العمل
الجلسة الأولى عرضت لأبرز بنود القانون الإصلاحية وآليات التنفيذ، أدارتها رئيسة الهيئة الوطنية لمناصرة قضايا المرأة الدكتورة فهمية شرف الدين، التي أشارت إلى ان نسبة البرلمانيات اللبنانية هي الأدنى في العالم. بداية عددت مديرة الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية بالإنابة سوزان الخوري يوحنا البنود الإصلاحية في مشروع قانون الانتخابات: اعتماد التمثيل النسبي مع صوتين تفضيليين، اللوائح المقفلة المكتملة، الأوراق المطبوعة سلفاً، كوتا الجنس الآخر، مشاركة اللبنانيين غير المقيمين، توسيع صلاحيات هيئة الإشراف على الانتخابات.
النائب سامي الجميل شدد على ضرورة مشاركة المرأة في العمل التشريعي، وتصويت المغتربين، واعتبر أن دعوة هؤلاء لتسجيل مشاركتهم في السفارات تبدو وكأنها محاولة لمنعهم من المشاركة في وطنهم، بمعنى أن احتمال إلغاء التصويت في الخارج قد يلغي أيضاً احتمال مشاركة المغتربين على الأراضي اللبنانية. ودعا للسماح للعسكريين بالمشاركة في العملية الانتخابية، وتخفيض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة، وأن يحمل المرشح إجازة جامعية، وفصل النيابة عن الوزارة.
واعتبر أن نظام التمثيل النسبي يتناقض مع مبدأ المناصفة، داعياً إلى تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل يحترم مبدأ المناصفة وأن تتمكن كل مجموعة من اختيار ممثليها.
ثم ردّ شربل على ملاحظات الجميل، مشيراً إلى أن منع مشاركة العسكريين تهدف لمنع تدخل العسكر، وأن المساواة بين اللبنانيين هي التي تحول دون فرض الإجازة الجامعية على المرشح، وأن المناصفة الحقيقية لا تقوم إلا من خلال مشروع قانون يقوم على أساس دورتين، الأولى يكون فيها التصويت على أساس مذهبي، والثانية وطني.
النائب فريد الخازن لفت النظر إلى شرطين أساسيين لعمل هيئة الإشراف على الانتخاب، وهما استقلالية الهيئة وفاعليتها، وإلا فإنها ستبقى تحت سقف تلقي الشكاوى، مشيراً إلى أن الشائبة الكبرى التي تعتري الانتخابات في لبنان هي الإنفاق المالي، مؤكداً أن أي رزمة إصلاحات ستكون مبتورة إذا لم تتضمن الوسائل الضابطة للإنفاق المالي، كما الإعلام والإعلان الانتخابيين. واعتبر أن شياطين نظام التمثيل النسبي تكمن في تفاصيله، أي آليات تنفيذه.
المديرة التنفيذية للجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات يارا نصار أشارت إلى أن عدم مشاركة غير المقيمين قد تتيح لأي مرشح الطعن بالانتخابات لا سيما أن القانون الحالي يفرض هذه المشاركة.
الجلسة الثانية تناولت دور هيئة الإشراف على الانتخابات وأدارتها عضو الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية الدكتورة أردا أكمكجي التي طرحت سلسة تساؤلات حول دور الهيئة التي نص عليها مشروع وزارة الداخلية وصلاحياتها.
بداية تحدث القاضي في مجلس شورى الدولة زياد أيوب عن الأسباب التي أفضت إلى الدعوة لتشكيل هيئة للإشراف على الانتخابات، مشيراً إلى ضرورة التثبت من دور الهيئة الرقابي، مؤكداً أن الهيئة التي أتى عليها اقتراح وزير الداخلية تتمتع بالاستقلالية، حيث لا يتعدى دور وزير الداخلية متابعة أعمالها.
وزير الصحة علي حسن خليل دعا لقيام حملة ضغط شعبي لحسم هذا الخيار، إذ لا ميثاقية حقيقية من دون إقرار قانون انتخاب يعكس حقيقة التمثيل، لافتاً النظر إلى أن القانون الانتخابي العادل يبقى ناقصاً إذا لم يطبّق بصورة صحيحة، ومن هنا أهمية تشكيل هيئة للإشراف على الانتخابات.
وإذ عدد حسنات نظام التمثيل النسبي، دعا إلى تقسيم الدوائر على شكل موسّع، مشيراً إلى أن مقارنة بسيطة بين هيئة الإشراف التي نصّت عليها الهيئة الوطنية المعروفة بهيئة فؤاد بطرس، والهيئة التي نصّ عليها اقتراح وزارة الداخلية، تدلّ على أن الفارق كبير بين أدوار الهيئتين، داعياً إلى تشكيل هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات.
عضو هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية عام 2009 الدكتور خليل جبارة عرّف عن مهمة الهيئة المستقلة وصلاحياتها، التي يفترض أن تتمتع باستقلال مالي وإداري، مشيراً إلى أن الهيئة التي ينص عليها اقتراح وزير الداخلية مؤقتة ولها صلاحيات هيئة الإشراف، وهي لا تتمتع بالقدرة على الإشراف على أي انتخابات فرعية قد تحصل.
الجلسة الثالثة تناولت نظام الاقتراع النسبي والدوائر وأدارها الوزير ناظم الخوري، الذي أكد أن النظام الأكثري لم يساهم في تطوير الحياة السياسية أو العملية الانتخابية.
بداية شرح المدير العام للشؤون السياسية واللاجئين العميد الياس الخوري آلية القانون المقدم: الترشيح على أساس القضاء والمذهب، مبدأ عتبة الحسم، الفرز الأولي في الأقلام، اللازمة غير الملزمة بترتيبها مع صوتين تفضيليين...
النائب أحمد فتفت أشاد برزمة الإصلاحات التي يتضمنها اقتراح الداخلية، مشيراً إلى أن «تيار المستقبل» يتبنى هذه الإصلاحات، وهو لا يمانع اعتماد نظام التمثيل النسبي لكنه يسجل جملة ملاحظات على الآلية المعتمدة، سواء على مستوى احتساب الأصوات أو دور الصوت التفضيلي. ودعا لوضع هيئة مستقلة بشكل كامل لإدارة الانتخابات.
في تقسيم الدوائر تحدث عن استنسابية سياسية، (بيروت لم تتغير في كل الاقتراحات)، عدم المساواة بين الدوائر، لجهة اختلاف الحاصل الانتخابي، مساحة الدوائر وعدد الناخبين... واعتبر أن النظام النسبي لـ«هيئة فؤاد بطرس» هو الأفضل.
النائب أكرم شهيب اعتبر أن الاقتراح المقدّم «ينبئ أننا لم نخرج من محاولات الإقصاء وما يحصل في ملف التعيينات الإدارية خير دليل على النهج الاستئثاري، لأنه مبنيّ بالشكل على النسبية ليقطع مع اتفاق الطائف في ما يتصل بإلغاء الطائفية السياسية، اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، تشكيل مجلس الشيوخ...». وسجل جملة ملاحظات على الاقتراح أبرزها: النسبية المعتمدة شكلية وتكريس لنظام أكثري مقنّع، مبدأ العتبة المعتمد هو تصفية مبكرة للوائح الصغيرة. وسجّل إيجابيتين، وهما اقتراع غير المقيمين وقسائم الاقتراع المعدة سلفاً.
النائب علي فياض أكد أنّ «حزب الله» لم يتخذ موقفاً من صيغة قانون الانتخابات، إلا أنه منفتح على الكثير من الخيارات وحريص على أن تستند الصيغة المرجوة على أوسع مساحة تفاهم بين القوى اللبنانية. وأشار إلى أن النظام النسبي هو صيغة إصلاحية بنّاءة والأكثر ملاءمة للطبيعة التوافقية للنظام اللبناني، معتبراً أن إقفال الأفق الإصلاحي للنظام السياسي يعطي قيمة مضاعفة للحاجة للنظام النسبي.
ولفت النظر إلى أن المخاوف الطائفية لرفض النظام النسبي غير مبررة، كما الدفاع عن الخصوصيات، مشيراً إلى أن إشكالية التمثيل المسيحي لم تجد لها حلاً إلا بالنظام النسبي الذي يخفف من وطأتها، مشدداً على عدم جواز التقدّم باقتراحات تحصر انتخاب النواب بطوائفهم كونها تتعارض مع الدستور. ولفت النظر إلى أن الاعتراض على الصوت التفضيلي ينسف النظام النسبي، وأن اعتماد الدوائر الكبيرة أفضل لتحقيق مفاعيل هذا النظام.
النائب جــوزيف المعلوف أكد تأييده للنظام النسبي متخــوفاً من بعــض آليــات التنفــيذ التـي قد تفرغـه مـن مضمـونه.