أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الإسرائيليون يتفقون على أسطورة مستحيلة: التخلص من نصر الله.. «بن لادن»!

الثلاثاء 10 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,227 زائر

الإسرائيليون يتفقون على أسطورة مستحيلة: التخلص من نصر الله.. «بن لادن»!

يقول المعلّق السياسي والعسكري الاسرائيلي عوفر شيلح والمعلق العسكري يوءاف ليمور في كتابهما «أسرى في لبنان: الحقيقة عن حرب لبنان الثانية»، أنه ظهر يوم الجمعة في 14 تموز وقبل جلسة مجموعة الوزراء الإسرائيليين السبعة (لجنة اتخاذ القرارات)، اجتمع كبار الضباط في الجيش، وفي المداولات داخل هيئة الاركان طرح رئيس دائرة التخطيط هاكي هرئيل مسألة صواريخ الـ«كاتيوشا»، قائلا «كل ما نقوم به لا يقلل عدد الصواريخ». فسارع رئيس هيئة الاركان دان حلوتس الى تقديم حل جوي بقوله انه يجب حرق الارض».

في الايام التالية، حاول سلاح الجو الاسرائيلي ان يحرق المحميات الطبيعية «التي يتمركز فيها «حزب الله» غير انه لم ينجح في ذلك بسبب انعدام التسليح الملائم.

بعد ذلك ذهب القادة العسكريون الى وزير الدفاع عمير بيرتس. في اللقاء الذي جرى مع بيرتس، كان حلوتس حاسماً جداً في الموضوع المقرر طرحه في اللجنة السباعية وهو الحاجة الى قصف الضاحية الجنوبية. عندها، قال حلوتس ورئيس شعبة الاستخبارات عاموس يادلين «إن صواريخ «كاتيوشا» ستصل الى حيفا في جميع الأحوال، وأول صاروخ سقط امس فعلا أي الخميس في 13 تموز، لذا من الأجدى ان نبادر الى الأحداث لا ان نرد عليها».

ابدى بيرتس خشيته أن يفوز رئيس الحكومة بالمجد بدلاً منه، بعدما أصيب بعدوى الروح القتالية التي تميز بها رجال الجيش، فكرر القول إن «الضاحية هي رمز، وهكذا صدر الأمر في الساعة الثانية ظهراً الى سلاح الجو الذي كان ينتظر مصادقة المجموعة السباعية». 

يضيف الكاتبان أن رئيس الحكومة السابق والوزير في حكومة اولمرت، شمعون بيريز، روى انه شعر برائحة المؤامرة التي تزكم انفه المجرب، فهو اعتقد ان اولمرت يعرف معارضته لقصف الضاحية، ولذا فإنه يفعل كل شيء لمنعه من المشاركة في النقاش، الأمر الذي دفع بيريز الى التصويت هاتفياً وتأييد قصف الضاحية.

تم تقديم موعد اجتماع المجموعة السباعية التي تضم، إضافة الى اولمرت، وزراء الدفاع عمير بيرتس، التنمية المناطقية شمعون بيريز، المواصلات شاؤول موفاز، الامن الداخلي آفي ديختر والخارجية تسيبي ليفني ونائب رئيس الوزراء ايلي يشاي، الى الساعة الرابعة عصرا، وكان النقاش داخلها حماسياً ومشبعاً بغطرسة القوة، حيث طرح هذه المرة وأمام الوزراء هدفاً بشرياً ذا هوية ووجه.

تحت الاسم الرمزي المتمثل بضاحية «حزب الله»، كانت ثمة صورة واضحة تتصل بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. اللهجات كانت متناغمة وفقاً لذلك، عاموس يادلين، الذي يفترض ان يعطي تقويما استخباراتياً هادئاً وموضوعياً أعطى الإشارة، فأعلن قائلا: «لو كان اسامة بن لادن هناك، لقامت الطائرات الأميركية بإلقاء قذائف بزنة 10 أطنان». اما شاوول موفاز فقد دعم عبارة يادلين معتبراً أن «حزب الله» هو القاعدة «ونصر الله هو بن لادن».

بدا الإثنان كما لو كانا من انصار لعبة كرة القدم يحمسان أنفسهما وهما يجلسان على مقاعد الجمهور. عندها اشار موفاز الى انه «إذا كنا قد بدأنا فلا يجوز ان نتوقف وينبغي الذهاب حتى النهاية، وأن نضرب «حزب الله» ضربة مميتة حتى تتم إعادة المختطفين (الجنديان الاسرائيليان) سواء كان ذلك خلال العملية أم بعدها».

عرض حلوتس الخطط المتعلقة بمهاجمة مقر قيادة نصر الله، وعمل خبراء سلاح الجو جاهدين لساعات كي يضمنوا تدمير مقر القيادة. الوزيرة ليفني كانت من بين القليلين في الغرفة الذين تذكروا انه حتى يوم الخميس 13 تموز كان الحديث يدور عن عملية تستغرق 24 ساعة. لم تعارض تصفية نصر الله، بل إنها رأت في ذلك صورة انتصار مناسبة. ومع ذلك فإن «التقييم الواعي» علّمها ان فرص النجاح تقارب الصفر. إذ أن هدفي سلاح الجو كانا منزل نصر الله ومكاتبه. فسألت حينها «ما هي فرص المس به» فرد عليها العسكريون بالقول «من المحتمل أن يخرج نصر الله الى خارج المبنى لاستنشاق الهواء عندها سيقتل»!

ويذكر شيلح وليمور ان ليفني واصلت التمسك بموقفها المشكك، متسائلة ألا تعتبر عملية قصف الضاحية تجاوزاً للخط الأحمر من ناحية «حزب الله»؟ الحديث يدور عن حسن نصر الله ومكاتبه، وعندها ستكون ردة الفعل الطبيعية من جانبه إطلاق النيران على حيفا. فرد عليها يادلين «انا لا اعرف ما هو الخط الأحمر عند نصر الله»، موضحاً ان بيروت عنده مساوية لحيفا، وهو قد يستخدم قدراته الاستراتيجية التي تصل الى ما بعد حيفا. ثم قالت ليفني إذا كان الأمر كذلك فماذا ستكون الدرجات التالية، «وهل هناك بديل آخر للعملية». فرد عليها حلوتس بالنفي، وأضاف جملة ستسمع مرات عدة خلال الحرب ومفادها «الجيش جاء لعرض عملية واحدة ويجب المصادقة عليها». اما اولمرت فقد اجمل الحديث بكلمات حماسية، مشيرا الى ان استمرار العملية بالرغم من إطلاق 100 صاروخ، من شأنه أن يظهر المدى الكبير الذي لا تخشى إسرائيل فيه المس بجبهتها الداخلية».

عارض كل من ليفني وديختر هذه العملية، حيث أن الاخير كان متنبهاً لمخاطر قتل نصر الله. 

وهكذا بدلا من أن «يكون هدف الاجتماع وضع نهاية للعملية العسكرية حسبما قيل في جلسات سابقة، قام سلاح الجو وفق ما اتضح من امر عملية «تغيير الاتجاه رقم 1» الى عملية قصف جوي قادت الى اتجاه واحد هو التصعيد». وفي الساعة السابعة والنصف مساءً قصفت حوالى 20 طائرة إسرائيلية الضاحية الجنوبية، وأصابت القذائف مباني كثيرة، كان الهدف المركزي مقر قيادة الحزب في حارة حريك (ضمن المربع الأمني)، ومع انه هناك تقارير أكدت ان المبنى دُمر فوق ساكنيه، وعلى الرغم من ادّعاء ضابط كبير بالقول «لقد أصبنا أشخاصاً كانوا موزاين لنصر الله»، إلا انه عملياً لم يُصب احدٌ من صف القادة الكبار ومن الزعامة السياسية للحزب جراء القصف.

يضيف الكاتبان عوفر شيلح ويوءاف ليمور «كانت اجتمعت بضعة أسباب لخلق الشبح المسمى نصر الله، والذي أثّر على أصحاب القرار في إسرائيل على امتداد الحرب. وبموجبه فإن الرأس المقطوع لـ«نصر الله» هو فقط الذي يمكن ان يقدم لمواطني إسرائيل إحساساً بالارتياح، غير أن الهوة بين هذا وبين الواقع أخذت بالاتساع، لأن فرصة قتله بدأت تتضاءل يوماً بعد يوم». 

كانت الإهانة الشديدة الموجهة للزعماء الإسرائيليين تتمثل بالمخاوف المبررة القائلة إن مواطني إسرائيل يرون في هذا الشخص الذي يضع العمامة السوداء إنساناً ذا مصداقية وأكثر فطنة وموهبة من زعمائهم. أسلوب كلامه هادئ يتمتع بمصداقية أسطورية على خلفية فقدان الثقة بالزعامة الإسرائيلية، مستعد للسير حتى النهاية في سبيل ما يؤمن به، بما في ذلك رفضه إجراء مفاوضات حول رفات ابنه (الشهيد هادي نصر الله). 

يضيف الكاتبان «انه من الصعب معرفة ما إذا كان نصر الله يفهم حقاً نفسية الإسرائيليين، إلا انه ليس ثمة شك في انه كان يعرف كيف يوجه الإهانة الى زعمائهم».

ليلة السبت وبتزامن كامل من نشرات التلفزيون الإخبارية المسائية، عرض نصر الله، صورة الانتصار الخاصة به. وفي ذلك المساء، أيضا ظهر على شاشة القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي قائد المنطقة الشمالية السابق الجنرال عميرام ليفين، معتبراً ان «الوقت ما زال متاحاً للاكتفاء بما وصفه بالعقوبة غير المعيارية التي انزلتها إسرائيل بـ«حزب الله» رداً على عملية الاختطاف»، محذراً من تحديد اهداف ضخمة ستؤدي في نهايتها الى تورط حتمي». وكان قصده واضحاً وهو انه لا يجوز ان تؤدي الإهانة التي تلقاها الجيش، الى القيام بردة فعل غبية ستنتهي الى المهانة». 

بقي ليفين داخل الاستديو لمتابعة الخطاب المباشر لنصر الله، الذي بدأ فور الانتهاء من النقل المباشر للمؤتمر الصحافي الذي كان عقده حلوتس. في خطابه وعد نصر الله «بتوسيع الحرب الى حيفا وما بعد بعد حيفا إذا ما دعت الحاجة لذلك». الأمر الرئيس في كلامه لم يتعلق بما سوف يحدث، وإنما بما حدث قبل دقائق معدودة. فهو توجه الى الإسرائيليين قائلا «لقد وعدتكم بمفاجآت وإليكم المفاجآت الاولى: هناك زورق لسلاح البحر الإسرائيلي تشتعل فيه النيران قبالة شواطئ بيروت وهو يوشك على الغرق». خلال بضع دقائق، صدر نفي عن الجيش الذي من سخرية الأقدار كان قد دعا قبل بضع ساعات مراسلين عسكريين الى الصعود على ظهر زوارق صواريخ إسرائيلية كانت تقوم بأعمال الدورية في المياه اللبنانية... ليتبين تدريجاً ان نصر الله صادق في كلامه.

يؤكد شيلح وليمور أن قضية «حانيت» او «ساعر 5» هي واحدة من التقصيرات الشديدة للغاية للحرب في لبنان وتتعلق بمجالات كثيرة: استخبارات، وعي، انضباط عملي، ولاحقاً استخلاص الدروس وتحمل المسؤولية أيضاً. ففي نيسان 2003 ألقى رئيس دائرة الرقابة في شعبة الاستخبارات العسكرية محاضرة في دورة متقدمة لشعبة الاستخبارات في سلاح البحر. عندها طُلب منه التطرق الى مسألة وجود صواريخ ارض ـ بحر بأيدي حزب الله». فقال لمستمعيه «يجدر بكم ان تفكروا انه ربما كان هناك شيء كهذا في لبنان»، وبعد الانتهاء من المحاضرة أرسل ذلك الضابط رسالة اقترح فيها تحريك عملية في استخبارات البحر بهدف تأكيد أو نفي إمكانية وجود صاروخ بحري عند حزب الله». غير ان هذه العملية لم تؤد الى نتيجة واضحة وبالتالي وضعت هذه الفكرة على الرف ونسيت».

في الحلقة المقبلة: مناورة قبل شهر من الحرب لمواجهة صواريخ «حزب الله»


Script executed in 0.20255613327026