أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«كزاناكس» في مؤتمر النظام النسبي

الثلاثاء 10 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,332 زائر

«كزاناكس» في مؤتمر النظام النسبي

العاشرة وثلاث دقائق، صمتاً رجاء: «فخامة الرئيس ودولة الرئيس، أهلاً وسهلاً». «ينتع» فؤاد السعد نفسه ليقف مع الواقفين. يدخل الرئيس نجيب ميقاتي وخلفه وزير الداخلية مروان شربل. يا فرحة الأخير بسهوة عريف الاحتفال. تليق «فخامة الرئيس» بشربل، يملأ الكلمة. يصافح ميقاتي الصف الأول، يلحق به شربل. «فشخاتهما» متناسقة. فجأة ينتبه شربل: أنا مروان شربل، أين فخامة الرئيس؟ يترك ميقاتي ليتابع طريقه وحده، فيما يتراجع هو سائلاً بعينيه أحد الأمنيين: أين هو؟ أين الرئيس؟ في ظل الحضور الخجول جداً، لا ينقصه سوى تغيب الرئيس. لكن لا! زحمة السير الخانقة بسبب الإجراءات الأمنية وأولئك العسكريين الذين وقفوا تحت المطر يحرسون الهواء من القصر الجمهوري في بعبدا حتى فندق الفينيسيا أكدت أن فخامته آتٍ. وسرعان ما يتذكر شربل أنه التقى الرئيس في الغرفة الجانبية قبل ثوانٍ. إذاً، مجرد خطأ بروتوكولي. يجرب عريف الاحتفال حظه مرة أخرى: «فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان». يصفق الحضور ليتشجع الرئيس أكثر على الخروج. و.... يطل الرئيس. تزلزل «خبطة قدميه» الأرض، تنتعش الكرامات، تتفتح الأريحية الشعرية السعيد عقليّة، تفرقع القلوب: هوذا الرئيس الرئيس. هي نفسها الابتسامة الجدية والنظرة. يسلم على زياد بارود كما يسلم على بشارة مرهج تماماً كما يسلم على أحمد فتفت ومروان حمادة والسفراء وغيرهم. تذكروا: الرئيس على مسافة واحدة من الجميع. يبتدع شربل تقليداً جديداً حرصاً على تقاعده العتيد، فيُجلس وزراء الداخلية السابقين في الصف الأول. هذا إنجاز شربليّ جديد: أعاد معاليه بشارة مرهج وذكر بفتفت الداخلية.
المهم، هنا مؤتمر دعا إليه شربل شخصياً، يرعاه رئيس الجمهورية، عنوانه «لبنان والنظام النسبي في مشروع قانون الانتخابات النيابية 2013». حضر رئيسا الجمهورية والحكومة، فيما غاب رئيس المجلس النيابي العراب المفترض للنظام النسبي. البداية مع مسؤول برنامج الأمم المتحدة في لبنان روبير واتكنز الذي وضع قدرات مؤسسته الدولية التقنية والتدريبية في تصرف المؤسسات اللبنانية.
أخيراً وصل دور شربل في الخطابة. ارتباك إضافي، يأخذ الملف معه أم يتركه على كرسيه، والخلويّ والنظارات؟ لا! لا بد من أخذ الملف ليقرأ منه والنظارات ليقرأ بواسطتها. يضع كدسة الأوراق على المنبر أمامه وينطلق. غابت عن وزير الداخلية وصية سعيد تقي الدين «أفعل أنواع الألقاء هو ورقة تقرأ منها ولا تقرأها». يقرأها شربل كما هي، حتى تكاد تسمعه يقول: «فاصلة، نقطة على السطر». ولا يحسب معاليه حساباً للكلمات التي تعجز «أن تفعل في نفس السامع ما دامت تعجز عن الفعل في نفس القائل». مع العلم أن تقي الدين لم يكن قد سمع بشربل حين كتب: «ليس من منظر أدعى للإشفاق من رجل تكلم بين جمع، بما تَوهّمه فكاهة، وعجز عن استثارة ضحكة أو ابتسامة. خلّ عنك إن حسبوا «النكتة» سذاجة. في النتيجة، رأى شربل أن «القفز باتجاه النسبية ضروري وملحّ كمدخل وحيد لإعادة الاعتبار إلى الحياة السياسية والوطنية». وشنّ ـــــ بصفته صديقاً للحكومة ربما لا وزيراً فيها ـــــ هجوماً على الحكومة «التي لا يزال موقفها ملتبساً كأنها تستجيب ضمناً للرغبات التي تريد إيصالنا الى موعد الانتخابات بقانون أجمعت معظم القوى على وصفه بالمتخلف». لاحقاً، تصبح الكلمة محاضرة، فيخرج من الألفاظ كرش وتنمو لها لحية. يواظب الرئيس سليمان على هزّ رأسه موافقاً على كل ما يقوله وزير داخليته. يتثاءب وزير الصحة علي حسن خليل، يلحق ناظم الخوري به، ويتمدد النعاس على طول الصف الأول. لم يعلم شربل الحاضرين بمزايا اقتراحه الانتخابي ولا بالمرحلة التي بلغها المشروع، قبل أن يختم مسلماً قطار الكلام إلى فخامة الرئيس. مع كل خطوة يتقدمها الرئيس باتجاه المنبر، يظهر ضابط في الطريق: واحد يحمل كوب مياه، آخر يحمل كلمة الرئيس وثالث نظارته. تتغذى خطابات الرئيس غالباً بعبارات براقة: «قانون عصري ومتطور» يسمح للبنان واللبنانيين «بالمضي قدماً في ممارسة الديموقراطية الميثاقية» التي هي ميزة «نظامنا اللبناني». قانون 1960 لا يحقق «صحة التمثيل» لـ«مكونات المجتمع اللبناني كافة»، وبالتالي لا يتناغم مع «ميثاق العيش المشترك» و«روح وثيقة الوفاق الوطني». وهناك دائماً عبارات مثل «المبادئ الميثاقية التي لم يكن لبنان لينشأ ويحيا من دونها». و«أي محاولة لوضع قانون انتخاب جديد تفترض احترام المبادئ الأساسية التي تنبع من خصوصية لبنان ونظامه».
يكرر رئيس الجمهورية «الكلمات التي تليق بالمقام» في كل مناسبة و«بعد كل وليمة وفي وكل عرس وعلى رأس كل ميت». يضبط ميقاتي والوزير علاء الدين ترو عضلات وجهيهما؛ لأن التثاؤب معيب في حضرة فخامة الرئيس مهما بلغ حجم جرعات الـxanax الكلامية. ينتبه الرئيس، فيقدم عبارة يتطلب فهمها حك العقول: «نبحث عن نظام يؤمن مشاركة الطوائف والمناصفة الحقيقية من دون أن يكرس الطائفية السياسية». «يؤمن مشاركة الطوائف والمناصفة ويبعد الناخبين عن العصبيات والخيار المذهبي». وبالنسبة إلى الرئيس، تُخمَد العصبيات الطائفية عبر طمأنة كل طائفة إلى أنها قادرة على اختيار مرشحيها. ولا يجوز في مناسبة كهذه بحضرة وجهاء المجتمعين الدولي والدبلوماسي أن لا يشير الرئيس إلى وجوب أن يضمن القانون الانتخابي صحة التمثيل للمرأة أيضاً. وهناك دائماً مساحة إضافية لإنشاء إضافيّ: «لا بد من قانون انتخابي يضمن حسن التمثيل لفئة الشباب». «لا بد من قانون انتخابي يسمح بأن تكون الانتخابات حرة ونزيهة بعيداً من أي ترغيب غير مشروع أو أي تهديد».
رجل الجمهورية الأول كان الأول في صفه في القراءة من دون شك. يمكن المشككين أن يضبطوا ساعاتهم. العينان في الورقة أربع ثوان، تعلوان صوب القاعة جزءاً من الثانية وتعودان إلى الورقة مجدداً. وهكذا دواليك، دقيقة تلو الأخرى طوال ثلاثين دقيقة. يصل الرئيس ختاماً إلى نقطة عملية قد تكون الوحيدة؛ فبين المصرين على الدائرة الكبرى وفقاً لمنطق الطائف، وحاجة البعض الآخر إلى الدائرة الفردية، رأى سليمان أن الصوت التفضيلي يحل المشكلة. هذه كانت تحتاج إلى شرح إضافي وكان يمكن أن تجعل كلمة سليمان استثنائية لو فصّلها ليقنع الرأي العام بقدرة هذا الصوت التفضيليّ على حل مشكلة والانتهاء من سجال عقيم آخر.
ينتهي الرئيس. تصفيق. يوصي العريف الحاضرين بعدم التحرك من أماكنهم حتى يغادر الرئيس. لا حاجة للرئيس إلى النقاشات التي سيشهدها المؤتمر المفترض. يقول كلمته ويمشي. يحاول الرئيس سليمان في كل مرة أن يكون كأحد أولئك الرؤساء العظماء. يرفع يده ليحيي الجماهير، يلتفت باحثاً عن المؤيدين، تنفرج أساريره حين يسمع هتاف أحدهم «الله معك يا فخامة الرئيس، يا كبير». في كل مرة يخيب ظنه، لكنه لا يفقد الأمل أبداً. لا بد أن يأتي يوم يضفي فيه حضور الرئيس طعماً على المؤتمر وتغني كلمته النقاش ويتفاعل الحاضرون مع قامته، فيكون لزحمة السير ولوقوف أولئك العسكريين تحت المطر مبرر.


إحراج متبادل

شهد المؤتمر مجموعة نقاشات لبعض النواب والوزراء وبعض الاختصاصيين، فرحب النائب سامي الجميّل بالإصلاحات التي تضمنها مشروع شربل، وخصوصاً موضوع الكوتا النسائية بالترشيح لا بالمقاعد المحجوزة، متمنياً تشريع اقتراع العسكريين. وأعرب عن تشجيعه النظام النسبي من جهة، وخوفه من عدم تحقيقه المناصفة فعلياً عبر هذا النظام من جهة أخرى. أما النائب أحمد فتفت، فقدم عرضاً عبر شاشة عملاقة نقض فيه بنحو ذكي ومميز مشروع شربل من أساسه، مظهراً التناقضات التي تضمنها المشروع، مشدداً على وجود استنسابية في ما يخص تفاصيل الدوائر. بعد فتفتة فتفت مشروع شربل وعجز الأخير عن الدفاع، وجد مروان شربل وسيلة ذكية لينقذ نفسه ومشروعه حين خاطب فتفت قائلاً: «إن كنت صادقاً في ادعائك أن تيار المستقبل يؤيد النسبية وأحضرت دليلاً على ذلك، فسآخذ كل ملاحظاتك في الاعتبار وأجعل لجنة الصياغة تتبنى مشروع تيار المستقبل كما هو». فلم يعرف فتفت كيف يتراجع عن تأييد حزبه المزعوم للنسبية.

Script executed in 0.21186995506287