بيّنت مذكرة أودعها مكتب المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال فرانسين في 4 كانون الثاني الجاري، أن النسخة الاولى للقرار الاتهامي التي وضعها دانيال بلمار في 17 كانون الثاني 2011 تضمّنت أسماء تزيد على الأسماء الاربعة (سليم عياش، مصطفى بدر الدين، حسين العنيسي، أسد صبرا) التي ذكرها في القرار بعد تصديقه في حزيران 2011 واعلانه في آب من العام نفسه. كذلك دلّت المذكرة على أن بلمار كان قد طلب توقيف أشخاص آخرين لم تعرف هوياتهم. لكن لدى بلمار على ما يبدو أسراراً اخرى تشدّد المذكرة على وجوب الحفاظ عليها، ومنها معلومات أدلى بها رئيس فريق المحققين ضابط الاستخبارات البريطاني مايكل تايلور، وتفاصيل عن «الأماكن المحتملة» لوجود المتهمين ومدى «معرفة» بلمار بكلّ منهم. وكان بلمار قد أودع فرانسين في 17 كانون الثاني 2011 نسخة عن قرار اتهم بموجبه مجموعة أشخاص بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. لكن القاضي طلب في 19 كانون الثاني تزويده معلومات وقرائن اضافية قبل أن يبحث في تصديق القرار بحسب الاصول. وفي 11 آذار، بادر المدعي العام إلى تعديل القرار الاتهامي وأحاله مجدداً على القاضي. لكن فرانسين لم يقتنع بالتعديلات، فأرغمَ بلمار على إدخال تعديلات إضافية. وفي 6 أيار، قدم بلمار تعديلات جديدة على القرار. لم تغيّر هذه التعديلات شيئاً من موقف القاضي. لاحقاً، تصاعدت الضغوط الدولية والضغوط من رئيس المحكمة آنذاك الراحل أنطونيو كاسيزي والامين العام للأمم المتحدة بان كي مون للاسراع في اصدار القرار الاتهامي الأول، كي لا تنتهي ولاية المحكمة الاولى (3 سنوات تنتهي في شباط المقبل) من دون أن تكون قد أنجزت أي تقدّم ملموس. وسط ذلك، صدّق القاضي فرانسين في 28 حزيران الفائت نسخة من قرار الاتهام، بعدما خضعت لسلسلة ثالثة من التعديلات، تقدّم بها بلمار في 10 حزيران. لكن القاضي أصرّ على عدم تعميم مضمون القرار الاتهامي وذلك بموجب المادة 74 من قواعد الاجراءات والاثبات. وفي 16 آب قرر القاضي رفع سرية القرار جزئياً، إذ إن الجزء الذي قرر القاضي رفع السرية عنه كان قد تسرّب إلى وسائل الإعلام وانتفت جدوى السرية. وفي 29 آب أمر القاضي كذلك برفع السرية عن اجزاء من مذكرات التوقيف بحق المتهمين الأربعة بموجب الأسباب نفسها.
لكن مع اقتراب موعد بت محكمة البداية بشأن انطلاق المحاكمات الغيابية (إذا استمرّ تعذّر تبليغ المتهمين الاربعة وحضورهم) أمر القاضي فرانسين المدعي العام بلمار في 6 كانون الأول الفائت برفع السرية عن مستندات استند اليها القرار الاتهامي، تمهيداً لانطلاق اجراءات المحاكمات العلنية. وجاء جواب بلمار من خلال مذكرة أودعها نيابة عنه الاميركي داريل منديس لدى فرانسين رافضاً تطبيق أوامر القاضي من خلال مطالبته بالحفاظ على سرية المعلومات والقرائن ومشدّداً على ضرورة حذف فقرات من المستندات اذا قرر القاضي السير بالاجراءات العلنية.
وفضلاً عن طلب مذكرات توقيف اضافية وطلب احالة ملف قضائي الى المحكمة، ذكر داريل مندس مجموعتين من المعلومات مشدداً على عدم الكشف عنهما. المجموعة الاولى تضمّنت ستة امور هي (كما ورد في نصّ الفقرة 15 من المذكرة):
«أ- رقم تلفون.
ب- عدد الاشخاص الذين ارتكبوا جريمة اغتيال رفيق الحريري.
ج- معلومات متعلقة بجهات تسعى الى عرقلة التحقيق الجاري.
د- معلومات قد تساعد على تعريف هوية الشهود.
هـ - معلومات أدلى بها رئيس فريق التحقيق.
و- معلومات عن الأماكن المحتملة لتواجد المتهمين».
أما المجموعة الثانية فشملت (كما ورد في الفقرة 16 من المذكرة):
«أ- كلّ المعلومات المتعلقة بالمتهمين والتي لم يعلنها مكتب المدعي العام حتى اليوم، بما فيها مدى معرفة الادعاء بشأن كلّ واحد من المتهمين.
ب- كلّ المعلومات التي يمكن أن تستفيد منها الجهات التي قد تسعى الى عرقلة التحقيقات الجارية أو عرقلة توقيف المتهمين».
ولجأ مندس، في سعيه إلى التأكد من عدم انكشاف هذه المعلومات للعموم الى ثلاثة أساليب:
أولاً، طلب من القاضي فرانسين السماح لمكتب المدعي العام بمراجعة المستندات التي يقرّر رفع السرية عنها وذلك تمهيداً لاقتراح حذف بعض المقاطع منها.
ثانياً، التشديد على حثّ القاضي على مراجعة وحدة الضحايا والشهود في المحكمة وذلك من أجل الاستناد الى ادعاءاتها بشأن مقتضيات الحماية الأمنية لبعض الاشخاص لتبرير الحفاظ على السرية. وهو اسلوب كان قد استخدمه مكتب بلمار لتبرير منع اللواء الركن جميل السيّد من الاطلاع على مستندات تكشف هوية المسؤولين عن جريمة اعتقاله تعسّفاً لنحو 4 سنوات.
ثالثاً، طلب من القاضي فرانسين مراجعة وحدة الترجمة واللغات في المحكمة من أجل التثبت من صحة المستندات بلغتها الأصلية ومن أجل التأكد أن المعلومات السرية تبقى سرية باللغتين العربية والانكليزية، لا ان يتكرّر ما حصل يوم صدور قرار الاتهام حيث تبين أن بعض المعلومات المحذوفة في النسخة الانكليزية حول شبكات الاتصال المزعومة كانت متوفرة في النسخة العربية.