في تشرين الأول المنصرم، وقّع وزير الدفاع الوطني فايز غصن اقتراحاً بمشروع قانون لعرضه على مجلس الوزراء، يقضي بتمديد ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي استثنائياً سنتين أخريين قبل إحالته على التقاعد لبلوغه السنّ القانونية في أيلول 2013. ومن دون أن يتوخى الاقتراح تعديل سنّ تقاعد صاحب رتبة عماد المنصوص عليها في قانون الدفاع الوطني، وهي 60 عاماً، سيصار إلى إخراج التمديد لمرة واحدة، يستمر قهوجي في منصبه بعد تخطّيه سنّ التقاعد، في توقيت من شأنه أن يحمل أكثر من إشارة ذات مغزى. بعد الانتخابات النيابية المقرّرة صيف 2013، وقبل الانتخابات الرئاسية المقرّرة ربيع 2014.
ورغم أن الوقت لا يزال مبكراً، منذ أواخر عام 2011، للخوض في هذا الموضوع الحسّاس، والمشرّع الأبواب على تفسيرات واجتهادات سياسية لا تحصى بإزاء دوري قهوجي والجيش، ويشكّل في الوقت نفسه مادة دسمة لجدل إضافي بين طرفي 8 و14 آذار، إلا أن الانخراط فيه بدأ فعلياً قبل أسابيع. عُقدت لقاءات بعيدة عن الأضواء بين أفرقاء الغالبية، وآخرين على صلة بالأقلية لاستمزاج رأيها في هذه الخطوة المبكّرة والكثيرة الدلالة، والتي لا يسع فريقاً التفرّد بها وإن مثّل الغالبية الحاكمة وأمسك بالنصاب القانوني لإمرارها في مجلسي الوزراء والنواب. بل يمثّل تمديد ولاية قائد للجيش، كتعيينه، وجهاً مكمّلاً للموقف من المؤسسة العسكرية والدور المطلوب منها بين أفرقاء النزاع وحيالهم، وتجنيبها التجاذب والانقسام السياسيين، الأمر الذي سبق أن خبره قهوجي عند تعيينه في منصبه هذا في 28 آب 2008.
ترك التداول المحدود لفكرة تمديد ولاية قهوجي في قيادة الجيش سنتين ردود فعل متفاوتة بين قوى 8 و14 آذار. باستثناء رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وافق الأفرقاء الآخرون في الائتلاف الحكومي على التمديد: رئيس المجلس نبيه برّي وحزب الله، والرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. يدعم هذا الرأي أيضاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. يعارضه في المقابل تيّار المستقبل وحزب القوات اللبنانية. ولكل من الأفرقاء الثلاثة المتحفّظين وجهة نظر مختلفة.
انطلاقاً من موقفه «المبدئي»، المناوئ لتدخّل الجيش في السياسة، لا يتحمّس جنبلاط لتأييد التمديد لقهوجي، آخذاً في الاعتبار الأبعاد التي قد ينطوي عليها هذا الإجراء، وهو بقاء قائد الجيش في منصبه إلى أوان انتخابات الرئاسة عام 2014 كي يصبح، على جاري ما أضحت عليه استحقاقات الرئاسة منذ عام 1998، مرشحاً قوياً للانتخابات. ولا يقتصر موقف الزعيم الدرزي على التحفّظ السياسي على التمديد فحسب، بل قد لا يُسقط من حسابه قلب الأكثرية النيابية الحالية. فما يرفضه وزراؤه الثلاثة في مجلس الوزراء عند مناقشة مشروع قانون تمديد ولاية قائد الجيش سنتين استثنائياً ولمرة وحيدة، سيرفضه ونواب كتلته في البرلمان عندما يحال المشروع عليه. عندئذ يقترع ضده، مفسحاً في المجال أمام انتقال الغالبية في هذا الملف بالذات من فريق إلى آخر.
غير أن موقفاً كهذا لجنبلاط، في ضوء علاقته بقادة الجيش المتعاقبين بعد اتفاق الطائف، يثير كثيراً من اللغط. رحّب بتعيين العميد إميل لحود، ابن صديق والده، قائداً للجيش ورفض انتخابه رئيساً للجمهورية. رفض أيضاً انتخاب عسكري للرئاسة في معرض تداول اسم سليمان للمنصب بداية عام 2007، قبل أن يسارع إلى الموافقة عليه كمرشح توافقي. كذلك صوّت وزيرا جنبلاط في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2008 ضد تعيين قهوجي، وكان الزعيم الدرزي يرغب في تعيين المدير السابق للمخابرات العميد جورج خوري قائداً للجيش.
يتحفّظ تيّار المستقبل أيضاً عن تمديد ولاية قهوجي في خلاصة مراجعته تجربته مع القائدين السابقين للجيش، لحود وسليمان، اللذين أضحيا رئيسين للجمهورية. يشعر التيّار أن التجربة كانت مخيّبة معهما في موقعيهما، رغم دوره الفاعل في وصولهما إلى رئاسة الجمهورية. صوّت الرئيس رفيق الحريري وكتلته النيابية لانتخاب لحود عام 1998، ولتمديد ولايته عام 2004، واندفع خلفه نجله الرئيس سعد الحريري في تأييد انتخاب سليمان عام 2008. كان تيّار المستقبل أول مَن أعلن الاتفاق على سليمان مرشحاً توافقياً، بعد اجتماع ثلاثي غير معلن ضم الحريري والسنيورة وجنبلاط في 21 تشرين الثاني 2007، من دون إطلاع حلفائهم المسيحيين، وأخصّهم الرئيس أمين الجميّل وسمير جعجع، ومن دون مراعاة مرشحي قوى 14 آذار آنذاك النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود.
ومع أن التمديد لقهوجي منفصلٌ في الوقت الحاضر عن رئاسة 2014، في ظلّ فوضى التوازنات الداخلية اللبنانية وغليان المنطقة، إلا أن الخوض فيه يعيد إلى الأذهان للفور ــ وإن نظرياً ــ سابقة تمديد ولاية لحود في قيادة الجيش عام 1995 ثلاث سنوات، بالتزامن مع تمديد ولاية الرئيس الياس الهراوي ثلاث سنوات مماثلة، بغية أن يجريا ــ وهو ما فعلاه حقاً ــ انتقالاً طبيعياً للسلطة عام 1998.
أما القوات اللبنانية، فتستمد رفضها التمديد لقهوجي من رفض حليفها تيّار المستقبل، مع التذكير بأن وزيريها إبراهيم نجار وأنطوان كرم امتنعا عن اتخاذ موقف في الجلسة التي عيّن فيها مجلس الوزراء قهوجي قائداً للجيش في 28 آب 2008، ونُظِرَ إلى الامتناع عن التصويت على أنه رفض.
سجلت تلك الجلسة سابقة في تاريخ تعيين قائد للجيش، غالباً ما كان يحصل بالإجماع وباتفاق مسبق يستجيب لرغبة رئيس الجمهورية الذي يقترح الاسم، ويوافق عليه مجلس الوزراء بلا جدال. حتى موعد جلسة 28 آب، كان لكل فريق تقريباً في حكومة 2008 مرشح لقيادة الجيش، إلى أن سُوّي الأمر ــ وإن بالتصويت ــ على قهوجي.
في تلك الجلسة حصل لأول مرة تصويت على تعيين قائد الجيش، واقترع وزيرا الحزب التقدّمي الاشتراكي غازي العريضي ووائل أبوفاعور والوزير إبراهيم شمس الدين ضد تعيين قهوجي، وغاب ثلاثة وزراء عن الجلسة. كان الخلاف مستفيضاً حيال جملة أسماء مطروحة للمنصب، إلا أن رئيس الجمهورية رجّح كفة قهوجي الذي لا تحفظ له القوات اللبنانية ودّاً لسنوات خلت، وخصوصاً إبّان الصدامات العسكرية بينها وبين الجيش اللبناني.