أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«قمع الدراجات النارية»: الحملة لا تراقب مخالفات السائقين!

الأربعاء 11 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 17,025 زائر

«قمع الدراجات النارية»: الحملة لا تراقب مخالفات السائقين!

ولذلك، وقع سائقو الدراجات النارية، في قبضة عناصر يتحركون بشيء من الآلية، صباح أمس، في اليوم الأول لتنفيذ حملة «قمع الدراجات النارية المخالفة» في بيروت الكبرى، بعد تحذيرات متكررة من القوى الأمنية، بإيعاز من وزارة الداخلية، وجّهت للسائقين «المخالفين».

وقد توزّعت الحواجز عند مستديرتي المكلّس والسفارة الكويتية، وتقاطع مار مخايل، وجادة عمر بيهم، وسبيرز، ومستديرة «castel» في جونية.

ولم تأت الحملة بجديد، إذ، كالعادة، أوقف عناصر الدورية السائقين، ثم دقـــقوا بأوراقهم الثبوتية وقانونية الدراجة، بعد تنفيذهم الخطـــوة الأولى بلمح البرق، تتم السيطرة على المفتاح.. علـــماً أن أحـــد الشبان تمكّن مـــن الفرار، قبل حوالى شهر، بعــدما استـــقل القاطـرة واســـتعاد دراجته النــارية أمــام مــرأى من القــوى الأمنية، عند مســتديرة الطيــونة!

وبدت عملية التوقيف، أمس، أشبه بمسرحية تتكرر بين الحين والآخر: إذ يقضي القرار الجديد بالتشدد في مراقبة قيادة هؤلاء السائقين، بينما تندرج عملية تثبيت الحواجز المدققة في قانونية الدراجة، كحواجز الأمس، في خانتي الروتين، والبديهيات.

ومن بين الأسئلة التي تُطرح في السياق: من يراقب سير السائقين؟ ومن يحدد أماكن تثبيت الحواجز، ووفقاً لأية معايير؟ لماذا لا تُقام الحواجز في الأحياء المكتظة، بما أنها معقل آلاف الدراجات، وبما أن الغطاء السياسي مرفوع عن رؤوس المخالفين، كما يتبجح المعنيون دوماً؟ وهل الهدف من الحملة دعائي فقط؟

 

آلاف الدراجات الـ«مفخخة»

 

تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد الدراجات النارية المسجلة في دائرة بيروت الكبرى يبلغ ثمانين ألف دراجة، فيما عدد الدراجات غير المسجلة، التي تسير في المدينة وضواحيها، يفوق العدد الرسمي بأضعاف مضاعفة، وفقاً لمصدر أمني، أي أن بيروت تحضن أكثر من ثلاثمئة ألف دراجة تسير يومياً!

وثمة مشاهد كثيرة يرسمها سائقو تلك الدراجات: مباغتة سائق السيارة من الأمام، والخلف، وفي بعض الأحيان، يُخال لسائق السيارة أن سائق الدراجة «مفخخ» ويريد تفجير نفسه اقتحاماً، أو أنه قاب قوسين أو أدنى من القفز بدراجته على سقف السيارة.

وفي بعض المناطق المكتظة، كالأحياء العشوائية في الضاحية مثلاً، يصعب مقاومة سير حوالى أربعين دراجة نارية، في الوقت ذاته، في حيّ بالكاد شارعه يستوعب مرور سيارة متوسطة الحجم، في خطّي سير متقابلين!

وبالإضافة إلى ذلك، تحوّل الاشتباك، ولو لفظياً، مع سائق دراجة يسير بعكس السير، وبقوة الريح، ضرباً من ضروب الجنون: فسائق الدراجة النارية، يرى أنه محق دوماً، مزهواً بأنه بطل الهروب من الحواجز الأمنية، فكيف الحال إن كان المتصدّي له هو «مجرّد» سائق مدني.. عادي؟

كما أن الأضرار الناجمة عن تهوّر سائقي الدراجات النارية، لم تعد تقتصر على حوادث السير ومضايقة سائقي السيارات فحسب، بل إنها أدت إلى وقوع عمليات نشل يومية، تستهدف حقائب السيدات.

ولمّا ارتفعت الأصوات المعارضة لاستباحة الدراجات النارية بكافة أشكالها، قرّر مجلس الأمن المركزي، في الخامس من شهر تشرين الأول الماضي، منع سير الدراجات النارية «بتاتاً» في بيروت الكبرى.

غير أن القرار، الذي استثنيت منه المؤسسات الإعلامية والمطاعم والصيدليات وغيرها، أخذ في التلاشي شيئاً فشيئاً، حتى وصل الأمر بوزير الداخلية مروان شربل إلى تأجيل تنفيذه أكثر من مرة، ثم نسفه على نحو غريب: يحق لكل مواطن أن يقود دراجة نارية في بيروت الكبرى، لكن بشرط أن يحصل على ترخيص من وزارة الداخلية.

وبما أن القرار انقلب رأساً على عقب، فمن البديهي أن يخال للمرء بأن ثمة شروطاً تعجيزية، إلى حد ما، تقف أمام طالب الترخيص من وزارة الداخلية. إلا أن ما يثير الغرابة أكثر، هو شرط الحصول على الترخيص: أن يوقع طالب الترخيص على عبارة مفادها «يتوجب عليك (السائق) التقيّد بشروط السير».

ومن بعدها، من سيراقب هذا السائق؟ كيف يعرف الدركي أن السائق الفلاني، في الساعة الفلانية، في المكان الفلاني، قد اجتاز الطريق بعكس السير؟ كيف يستطيع الدركي، من بين حوالى 1300 دركي موزّعين على الأراضي اللبنانية، أن يراقب سائق دراجة نارية تسلّق بدراجته رصيفاً يسير عليه أطفال أو أشخاص عاديون؟ وفي حال صدف أن فاز الدركي، مصادفةً أو عن قصد، بسائق دراجة مخالف في حيّ من أحياء الضاحية العشوائية، أو في حيّ يصطبغ بلون سياسي معيّن خارج الضاحية، فهل سيهرع إليه ويطلب منه أن يسلّمه الدراجة، وبالتالي يرضخ السائق لطلبه بكل هدوء؟

 

حماسة.. فاستسلام؟

 

عندما قرّر مجلس الأمن المركزي منع سير الدراجات النارية «بتاتاً»، ربما كان متحمساً للقضاء على عمليات النشل، إلا أن وزارة الداخلية وجدت نفسها أمام باب لن يُقفل بسلام، وذلك بعدما تظاهر المئات، عقب القرار بثلاثة أيام، من المنارة وحتى مقرّ الوزارة، مستقلين دراجاتهم الغاضبة من القرار.

أما القرار الجديد، الذي بدأت القوى الأمنية بتنفيذه صباح أمس، فإنه لن يعود بالنفع على السائقين، الذين سئموا من عشوائية قيادة سائقي الدراجات النارية، كما أن قرار التخلّص منهم، بين ليلة وضحاها، ستترتب عليه نتائج ضبابية. وبالتالي، فإن الوزارة معنية بدراسة الموضوع من جوانبه كافة، للوصول إلى نتائج منطقية تعالج المعضلة بإنصاف، حيث يُصار إلى تنظيم سير سائقي الدراجات النارية، وفقاً لخطة منطقية ومدروسة، ترمي إلى طرح حلول ممنهجة، وليس كيفما اتفق.

إذ أكد أكثر من مصدر معني بالملف، أن دفاتر السوق التي تُمنح للسائقين، تشبه كثيراً، في الأسلوب، دفاتر السوق التي يحصّلها سائق السيارة: بلا أي امتحان، وذلك مقابل دفع مبلغ يزيد بقليل عن ثمن الدفتر.

وبذلك، فإن سائق الدراجة النارية، ولو كان من حملة دفاتر السوق، بالكاد يعرف تشغيل محرّك الدراجة، والسير من دون مراعاة أي «تربية ذاتية»، يُفترض أن يتمتّع بها.

ويعزو المعنيون في قوى الأمن الداخلي تفاقم عدد الدراجات النارية، إلى غياب تنظيم استيراد الدراجات، وسماح دخول الدراجات المستعملة، والتي تُباع بأسعار بخسة، علماً أن الدراجات (الصغيرة الحجم) الجديدة تُباع بأسعار تتراوح بين الخمسمئة والألف دولار. وتبيّن الأرقام الرسمية احتجاز حوالى ستة آلاف دراجة شهرياً في بيروت الكبرى، وهو رقم ضئيل مقارنة بعدد الدراجات غير المسجلة، أي غير القانونية، مع الإشارة إلى أن العمليات السابقة نفذت قبل بدء حملة أمس.. وهي حملة تحتاج إلى تعريف معنى «الدراجات المخالفة» أولاً: هل هي الدراجة غير القانونية، أم أن السائق يخالف في قيادتها قوانين السير؟


Script executed in 0.1978759765625